المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تهدد الانتفاضة الفلسطينية الثانية بتقصير عمر حكومة اريئيل شارون الثانية بصورة غير مباشرة. ففيما تظهر استطلاعات الرأي الاسرائيلية تأييد نسبة مرتفعة من الاسرائيليين لسياسة شارون الاجرامية في الاراضي الفلسطينية المحتلة وعدم انسحاب جيش الاحتلال منها، ابدى اغلبية الاسرائيليين معارضتهم لـ "اتفاق جنيف" الذي يسعى الى وضع حل للصراع بين اسرائيل والفلسطينيين. الا ان الغالبية الساحقة من المحللين الاقتصاديين الاسرائيليين تؤكد على ان سياسة شارون ستؤدي الى تفاقم الازمة التي تعصف بشدة بالاقتصاد الاسرائيلي، من خلال استنزاف الموارد ورصدها لمواصلة الاحتلال ومواجهة المقاومة الفلسطينية وتصعيد سياسة الحرب والعدوان التي تنتهجها حكومة شارون من خلال تسخين الجبهة مع سوريا.

"المشهد الاسرائيلي":

تهدد الانتفاضة الفلسطينية الثانية بتقصير عمر حكومة اريئيل شارون الثانية بصورة غير مباشرة. ففيما تظهر استطلاعات الرأي الاسرائيلية تأييد نسبة مرتفعة من الاسرائيليين لسياسة شارون الاجرامية في الاراضي الفلسطينية المحتلة وعدم انسحاب جيش الاحتلال منها، ابدى اغلبية الاسرائيليين معارضتهم لـ "اتفاق جنيف" الذي يسعى الى وضع حل للصراع بين اسرائيل والفلسطينيين. الا ان الغالبية الساحقة من المحللين الاقتصاديين الاسرائيليين تؤكد على ان سياسة شارون ستؤدي الى تفاقم الازمة التي تعصف بشدة بالاقتصاد الاسرائيلي، من خلال استنزاف الموارد ورصدها لمواصلة الاحتلال ومواجهة المقاومة الفلسطينية وتصعيد سياسة الحرب والعدوان التي تنتهجها حكومة شارون من خلال تسخين الجبهة مع سوريا.

وقد دفع استنزاف الموارد لصالح سياسة الاحتلال والعسكرة وزير المالية، بنيامين نتنياهو، الى وضع خطتين اقتصاديتين خلال العام 2003 الجاري، حيث تضمنت الخطة الاقتصادية الاولى ميزانية الدولة للعام 2003 وخطة تقليصات من هذه الميزانية بلغ حجمها 14 مليار شيكل، استهدف معظمها الميزانيات المرصودة لدعم الفئات الاجتماعية الضعيفة وتضمنت خطة لفصل الاف المستخدمين وتقليصات في رواتبهم. وقد اندلعت في اعقاب اقرار الخطة في الحكومة موجة من الاضرابات افضت في النهاية الى اتفاق بين اتحاد النقابات الاسرائيلية (الهستدروت) والحكومة يقضي بالموافقة على الضربات الاقتصادية وتقليص الاجور شريطة عدم فصل المستخدمين.

ولم تمض سوى اربعة شهور حتى أعلن نتنياهو، في اواسط شهر اب الماضي، مرة ثانية عن خطة اقتصادية جديدة للعام 2004 تضمنت هي الاخرى تقليصات، بحجم 10 مليارات شيكل تكاد تقضي على مخصصات الدعم الحكومي للفئات الاجتماعية الضعيفة، بعدما عارض شارون اجراء تقليصات في ميزانية وزارة الامن الاسرائيلية. وقد هددت التقليصات المقترحة في الخطة الجديدة بزيادة عدد الفقراء والعاطلين عن العمل. فبالاضافة الى تقليص الدعم الحكومي تم اجراء تقليص في ميزانية التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي، هددت بفصل الاف المستخدمين.

في اعقاب ذلك اعلنت الهستدروت عن نزاع عمل، واعلن المستخدمون في الوزارات الحكومية المختلفة عن اجراء تشويشات في العمل توقفوا من خلالها عن تقديم الخدمات للجمهور. الا ان اكثر النشاطات الاحتجاجية التي اوجعت حكومة شارون كانت اضرابات مستخدمي الموانيء، احتجاج على اقتراح الحكومة خصخصة الموانئ وفصل المستخدمين، مما ادى الى شل حركة دخول وخروج البضائع، وتسببت بوقف عدد كبير من خطوط الانتاج في المصانع الاسرائيلية، تكبد الصناعيون من جرائها خسائر فادحة.

وانتهت ازمة الموانيء عشية عيد العرش عند اليهود بعد تدخل رئيس المعارضة في الكنيست، شمعون بيرس، الذي نجح في تجميد الخلاف بين الهستدروت والحكومة وجمع نتنياهو ورئيس الهستدروت، عمير بيرتس، وتم الاتفاق على عودة عمال الموانئ الى العمل مقابل عدم طرح الحكومة مشروع قانون خصخصة الموانئ. وبالمقابل اوقف مستخدمو القطاع العام التشويشات في العمل، رغم ان المكاتب الحكومية بقيت مغلقة بسبب العيد.

الا ان مستخدمي القطاع العام، البالغ عددهم نحو 60 الف مستخدم، عادوا منذ مطلع الاسبوع الجاري الى الاضراب والتشويشات في العمل. وتهدد الهستدروت بتصعيد التشويشات في العمل واعلان الاضراب العام في جميع المرافق العامة، وذلك بعد ان وصلت المفاوضات بين الهستدروت ووزارة المالية، في اواسط الاسبوع الماضي، الى طريق مسدودة واقطاع الاتصالات بين الجانبين.

ويأتي هذا التصعيد في اعقاب اعلان وزارة المالية اجراء تغييرات بنيوية في عمل الوزارات سيتم من جرائها فصل المئات من المستخدمين. وسينضم الى الاضراب خلال هذا الاسبوع المستخدمين في المطارات، حيث سيعيقون في البداية حركة تحليق وهبوط الطائرات وعرقلة تزويدها بالوقود، كما سينضم عشرات الاف اخرى من مستخدمي شركتي الكهرباء والاتصالات الهاتفية ومعامل تكرير النفط، وفي مرحلة لاحقة سوف ينضم مستخدمو المستشفيات والبنوك.

واعلنت الهستدروت ان مستخدمي السلطات المحلية لن ينضموا في هذه المرحلة الى الاضراب بسبب الانتخابات التي ستجري في 28 الشهر الجاري. كما سينضم الى الاضرابات لاحقا عمال الموانئ في حال واصل نتنياهو رفضه التوقيع على الاتفاق الذي توصل اليه الطرفان بوساطة بيرس.

واعلن قياديون في الهستدروت انه خلافا للاضراب قبل الاعياد اليهودية، "فاننا هذه المرة لن نتنازل وسوف تتسع دائرة الاضرابات تدريجيا. اننا ندعو الجمهور الى الاستعداد الى موجة اضرابات ونضال مستمر".

هذا، وتشير التقديرات ان اولى الهزائم التي سيمنى بها شارون، خصوصا على خلفية السياسة الاقتصادية لحكومته، ستكون من خلال خسارة حزبه "الليكود" لمواقع كثيرة في انتخابات السلطات المحلية في الثامن والعشرين من اكتوبر الجاري.

وقالت تقارير صحفية اسرائيلية انه في عدد من المهرجانات الانتخابية التي نظمها مرشحون محليون عن "الليكود" وتحدث فيها شارون امام حشد من نشطاء ومؤيدي الحزب، جرت مقاطعة خطابه عدة مرات من جانب الحضور الذين صرخ بعضهم ان "الناس لا يملكون المال لشراء الطعام، وسوف يضطرون قريبا جدا الى السرقة"، فيما صرخ اخر بان "حكومتك الغت قوانين الرفاه والدعم الحكومي". وافادت صحيفة "هآرتس" ان شارون لم يأبه بصرخات الاحتجاج، وقال في اجتماع انتخابي حاشد، في بلدة ديمونة في النقب والتي تعاني من اعلى نسب البطالة في اسرائيل، قال "اخرجوا للعمل"، في اشارة الى اقوال سابقة صادرة عن نتنياهو بان هناك الكثيرين من الاسرائيليين الذين لا يريدون الخروج للعمل وانما الاعتماد على مخصصات الرفاه الاجتماعي. وقد اثارت اقوال شارون هذه وانغلاقه حيال الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الاسرائيليون موجة غضب عارم.

واشار المحلل الاقتصادي لـ"هآرتس"، نحميا شترسلر، الى انه "خلال السنوات الثلاثة الاخيرة وصل الاقتصاد الاسرائيلي الى ادنى مستوياته، ولم يسد في الماضي وضعا كهذا، حتى في سنتي الركود الاقتصادي الكبير في 1966 و1967 وحتى في اعقاب حرب يوم الغفران (اكتوبر 1973) لم يكن الوضع الاقتصادي مترديا بهذا الشكل. فلا يمر يوم دون الاعلان عن اغلاق مصانع واعلان افلاس شركات كبيرة وفصل العمال في المرافق الصناعية والتجارية". ويضيف ان "الجميع يعلم انه من اجل الخروج من الازمة الاقتصادية العميقة يتوجب اعادة المستثمرين والسواح، وهذا سيحدث، فقط عندما يتم احراز اتفاق سلام في المنطقة وعودة الهدوء اليها. فقد ثبت دائما ان ثمة علاقة مباشرة ووطيدة بين الوضع السياسي- الامني وبين النمو الاقتصادي والبطالة. ولذلك فان نقطة البداية للخروج من الازمة الاقتصادية- الاجتماعية هي الان بايدي الحكومة الاسرائيلية. وبامكان شارون الاختيار بين تقديس المستوطنات والعيش على السيف وبين الامل الذي يوفره اتفاق جنيف"..

اجراءات التقشف تحرم المزيد من العاطلين من مخصصات البطالة

ويستدل من معطيات نشرت هذه الايام في تل ابيب ان حوالي 12% من الطلبات التي قدمها عاطلون عن العمل في اسرائيل للحصول على مخصصات بطالة قد رفضت خلال العام الحالي، وهو ما يشكل زيادة بنحو 40% في عدد حالات رفض هذه الطلبات مقارنة مع الفترة السابقة لتشديد شروط استحقاق مخصصات البطالة في تموز من العام 2002.

وكانت اجراءات تشديد معايير الحصول على هذه المخصصات قد ادت الى خفض دفع مخصصات البطالة من متوسط شهري بلغ 293 مليون شيكل في العام 2001 الى متوسط شهري بلغ حوالي 210 مليون شيكل في العام الحالي ( 2003)، وذلك على الرغم من ازدياد عدد العاطلين عن العمل خلال الفترة ذاتها.

وطبقا لمعطيات مديرية التخطيط والبحث في مؤسسة التأمين الوطني، فقد انخفض عدد طلبات تلقي مخصصات البطالة، منذ دخول اجراء تشديد المعايير حيز التنفيذ، بنحو 40 الف شخص ووصل في شهر ايلول من هذا العام الى 85482، وهو ما يشكل انخفاضا بحوالي 30%.

وقد انخفض عدد الطلبات الجديدة المقدمة للتأمين الوطني للحصول على مخصصات بطالة من 22500 في شهر شباط 2002 الى 17650 في شهر ايلول من العام الحالي، وهو انخفاض بنسبة تزيد عن 20%. واعرب مدير قسم البطالة في التأمين الوطني ابي تسرفاتي، عن تقديره ان هناك عاطلون آخرون عن العمل يمتنعون كليا عن تقديم طلبات للحصول على مخصصات البطالة لعلمهم المسبق بان طلباتهم لن تستجاب.

ووفقا لمعطيات التأمين الوطني فقد سجل في شهر ايلول الماضي ارتفاع حاد في عدد طلبات مخصصات البطالة، وذلك بزيادة بلغت اكثر من 8%. كذلك سجل ارتفاع حاد اكثر في عدد الطلبات الجديدة، بلغ حوالي 21%. وذكر ان هذه الظاهرة برزت في شكل خاص في مدن مثل القدس ( حيث ازداد عدد الطلبات الجديدة بنحو 45%) "وسديروت" ( ازداد عدد الطلبات الجديدة بنحو 43%) وطبرية (36%) وكرمئيل (30%) وريشون لتسيون (زيادة بنسبة 83%).

ويتوقع العديد من المحللين الاقتصاديين في اسرائيل ان يواجه المجتمع الاسرائيلي، بعد انتهاء الاعياد العبرية، سلسلة من الايام الرهيبة على الصعيد الاقتصادي، تهدد باتساع ابواب جهنم وفتح جبهة جديدة ستضطر حكومة شارون الى مواجهتها، فاما تتجاوب مع مطالبها واما يضطر شارون ونتنياهو الى تسليم مفاتيح مكتبيهما والعودة كل الى بيته.
وحسب التحليلات الاقتصادية التي تتناولها الصحف الاسرائيلية في نهاية الاسبوع الجاري، من المتوقع ان يؤدي اعلان الاضراب العام في شتى القطاعات في البلاد، الى خسائر مالية تقدر بمليار شيكل يوميا، اضافة الى انه سيساهم في تعميق الركود الاقتصادي ويتسبب بخسائر للدولة في مجال المدخولات الضرائبية.
ومن المتوقع ان يشمل الاضراب العام الذي تهدد نقابة العمال باعلانه اذا ما مضت الحكومة في مخطط المصادقة على خطة التغييرات البنيوية في المكاتب والمؤسسات الرسمية، الى شل الخدمات البلدية والتزود بالوقود، اضافة الى فقدان الجمهور للسيولة المالية، في حال انضمام البنوك الى الاضراب.
والى جانب الصراعات التي يتوقع ان تشهدها اللجنة المالية البرلمانية والهيئة العامة للكنيست خلال مناقشة الخطة الاقتصادية المقترحة في اطار ميزانية العام 2004، وما يتوقع ان تشهده العلاقة بين وزارة المالية وبنك اسرائيل حول نسبة تخفيض الفائدة، ستكون القطاعات الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي هي اكثر القطاعات التي ستواجه اكثر الايام رهابة، حيث ستتفاقم البطالة وآفة الفقر في اعقاب انخفاض الحد المتوسط للأجور وتطبيق قرار تقليص المخصصات المالية.
ومن شهر الى شهر ستنضم الى الفئات الضعيفة والفقيرة المزيد من العائلات التي ستفقد اقسام من مخصصاتها المالية تدريجيا، بموجب قرارات سابقة اتخذتها الحكومة، وتلك التي صودق عليها مؤخرا، خاصة المتعلقة بتعميق تقليص مخصصات الاولاد التي تشكل في اسرائيل مدخولا اساسيا لمئات آلاف العائلات الضعيفة.
وحسب تقديرات المحللين يتوقع ازدياد البطالة في اسرائيل بنسبة 12%، ليصل عدد العاطلين عن العمل، رسميا، الى اكثر من 320 الف عامل، الامر الذي سيؤدي بالتالي على مستوى المعيشة وسيعمق من ظواهر الفقر، ويؤثر على نسبة الاستهلاك الفردي والعائلي، ناهيك عن تأثير ذلك على شراء المنتوجات الكهربائية والادوات والمواد غير الحيوية.
وسيساهم الوضع الامني المتدهور، ومواصلة صرف الميزانيات على العسكرة وتعزيز الجيش وتجنيد الاحتياط المتوقع بعد الاعياد، بتفاقم الاوضاع الاقتصادية في البلاد، الامر الذي سيؤثر بالتالي على الاستثمارات الاجنبية في اسرائيل. هذا يعني ان ابواب جهنم لن توصد كما يعدنا نتنياهو، بل ستزداد اتساعا، وستشهد شوارع اسرائيل الكثير من التظاهرات الصاخبة، والكثير من الاطارات المحترقة، و سيكون على حكومة شارون مواجهة جبهة اخرى، يفتحها الفقراء والجياع، فاما تتجاوب مع مطالبها، وهذا ليس واردا في الافق، واما يتوجه شارون الى رئيس الدولة، فيسلمه المفاتيح، ويأخذ معه نتنياهو الى البيت.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات