استقبلت إسرائيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بحفاوة بالغة، هذا الأسبوع، وفي المقابل أبدت ميركل تأييدا غير محدود لإسرائيل. لكن على الرغم من ذلك فإن ميركل لم تأت بجديد في تصريحاتها في إسرائيل. فقد تحملت مسؤولية المحرقة، وأيدت فرض عقوبات أخرى على إيران كي توقف مشروعها النووي، ودانت إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل. وكما هو متوقع في ظل الدفء والحميمية، اللذين أحاطهما المسؤولون الإسرائيليون بالمستشارة الألمانية، لم تتطرق ميركل بتاتا إلى الوضع في الأراضي الفلسطينية وجرائم إسرائيل فيها، من قتل واستيطان وحصار وسلب أراض.
وبدا أن "المشكلة" الوحيدة خلال زيارة ميركل كامنة في خطابها أمام الهيئة العامة للكنيست، أمس الثلاثاء- 18/3/2008. فقد ألقته باللغة الألمانية ما دفع أعضاء كنيست، لا من كتل اليمين فحسب، إلى الانسحاب من الجلسة الاحتفالية محتجين. وسارع رئيس المعارضة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي رحب بميركل بحرارة، إلى القول إن عليها ألا تعتبر خطوة المنسحبين احتجاجا شخصيا ضدها، فهناك "حساسيات وتداعيات تثيرها اللغة الألمانية بين اليهود وتثير ذكريات المحرقة". ولم يكف الإسرائيليون عن ذكر المحرقة أمام ميركل، حتى أن رئيسة الكنيست داليا إيتسيك ذكّرتها، قبيل دقائق من تناول طعام الغداء في مأدبة أقامتها على شرف ميركل وبمشاركة الغالبية العظمى من أعضاء الكنبيست، بأن "أنهارا من الدماء جرت بين شعبينا".
لا شك في أن المحرقة، ومعها بقية جرائم الحكم النازي لألمانيا، هي واحدة من أكبر الجرائم التي ارتكبت في التاريخ البشري. وهي مُدانة من دون أي تحفظ. لكن المسؤولين الإسرائيليين استخدموها من أجل ابتزاز مواقف من ميركل تكون متناسقة مع المواقف والسياسات الإسرائيلية. وقد يكون الموقف من إيران مبررا، فالعالم العربي أيضا يخشى هيمنة إيرانية على المنطقة إذا ما امتلكت سلاحا نوويا. لكن ميركل لم تذكر معاناة الفلسطينيين والممارسات الإسرائيلية ضدهم في كافة المجالات، على الأقل في تصريحاتها المعلنة. وأشار المعلق الصحافي غدعون ليفي في صحيفة هآرتس، اليوم الأربعاء- 19/3/2008، إلى أن أي تطرق من جانب ميركل للحصار على قطاع غزة، بعد تطرقها للصواريخ على مدينة سديروت، كان سيثير انتقادات ضدها "من شأنها تعكير صفو حفاوة الاستقبال".
وكانت ميركل قد قالت خلال خطابها أمام الكنيست، الذي توّج زيارتها لإسرائيل، إن "المحرقة تغرقنا نحن الالمان بمشاعر الخزي، وإني أنحني إجلالاً أمام الضحايا وأولئك الذين ساعدوهم على البقاء أحياء". وشكرت الكنيست لتمكينها من إلقاء خطابها بالألمانية، وقالت بالعبرية "إني أشكركم على سماحكم لي بالتحدث إليكم في هذا البرلمان المحترم وهذا شرف عظيم بالنسبة لي". وأضافت ميركل أنه "فقط إذا اعترفت ألمانيا بمسؤوليتها عن المحرقة بإمكانها بناء مستقبلها بصورة إنسانية". وقالت إنه "يتوجب إيقاف العداء للسامية ويحظر أن يجد هذا العداء مكانا له في ألمانيا وأوروبا في أي وقت".
ووصفت ميركل إطلاق صواريخ القسام باتجاه جنوب إسرائيل بأنها "هجمات إرهابية" و"جريمة" وقالت إنه "يتوجب وقف إطلاق هذه الصواريخ". وأضافت أن "ألمانيا تؤيد حل الدولتين ضمن حدود أمن وسلام" وأنه "واضح أن جميع الأطراف مطالبة بتقديم تنازلات".
ونقلت القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي عن ميركل تبنيها، خلال محادثات مع مسؤولين إسرائيليين، حتى لمزاعم إسرائيل بأنها دولة اليهود وأن الدولة الفلسطينية عندما تقوم تكون دولة العرب. وبحسب القناة الإسرائيلية فإنه عندما قيل لميركل إنه توجد في إسرائيل أقلية عربية تشكل 20% من السكان، ادعت المستشارة أنه "في ألمانيا ايضا هناك ثلاثة ملايين تركي. هل هذا يعني أن ألمانيا ليست دولة الألمان؟". وإذا صح تقرير القناة الإسرائيلية فإن أقوال ميركل تعكس جهلها لمعلومات أساسية، مثل أن العرب في إسرائيل هم سكان البلاد الأصليون، فيما الأتراك هم مهاجرون في المانيا.
وتطرقت ميركل إلى إيران وقالت إن "البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا على السلام والأمن" وإنه "إذا كان في حوزة إيران سلاح نووي فسيكون لذلك نتائج مدمرة، في البداية على إسرائيل وبعد ذلك على الشرق الأوسط وأوروبا والعالم". وأردفت "ليس من واجب العالم أن يثبت لإيران أنها تبني قنبلة (نووية)، وإنما على إيران إقناع العالم أنها لا تريد حيازة قنبلة". وقالت ميركل إنه "إذا لم تجد العقوبات على إيران فإن ألمانيا ستعمل على فرض عقوبات إضافية" وتعهدت بحثّ الاتحاد الأوروبي على ذلك. وأضافت أنها ستعمل سوية مع الاتحاد الأوروبي من أجل اتخاذ موقف واضح وصارم حيال إيران.
من جهة ثانية، أشار محللون إسرائيليون إلى عمق العلاقات الإسرائيلية الألمانية، على الرغم من أن زيارة ميركل لم تحتل العناوين الرئيسة.
وقالت هآرتس في افتتاحيتها، اليوم الأربعاء، إنه "وفقا للخطاب العام (الإسرائيلي) كانت ألمانيا شريكة تكاد تكون 'طبيعية' لدولة اليهود". وأضافت أن "ألمانيا هي اليوم أكثر دولة صديقة لإسرائيل في أوروبا وربما في العالم، بعد الولايات المتحدة. فهي تبرز في الاتحاد الأوروبي كدولة مستعدة لتأييد إسرائيل حتى في ظروف صعبة، وتعمل على جعل قرارات معادية لإسرائيل تتخذها المنظمات الدولية أكثر توازنا"، في إشارة إلى قرارات تدين ممارسات وسياسات وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين واستهداف المدنيين خلال حرب لبنان الثانية. وتابعت هآرتس أن "ألمانيا كانت أول دولة وقفت إلى جانب إسرائيل خلال حرب الخليج وبنت من أجلها غواصات دون مقابل". وبحسب افتتاحية هآرتس فإن "لميركل نفسها علاقة خاصة مع إسرائيل... فهي تشعر بمسؤولية عميقة تجاه إسرائيل بسبب المحرقة وأيضا بسبب أفعال الجمهورية الألمانية الشرقية التي كبرت فيها، والتي كان عداؤها لإسرائيل أكبر حتى مما كان سائدا في الكتلة السوفييتية".
وبرغم الأجواء الإسرائيلية العامة التي احتفت بميركل، إلا أن غدعون ليفي أشار في مقالته اليوم إلى أن الزيارة لم تحتل العناوين الرئيسة وأنها كانت "مملة". ولفت ليفي إلى الأمر الأساس الذي برز خلال الزيارة وهو أن "خطابات داليا ايتسيك وإيهود أولمرت ونتنياهو أظهرت لميركل ولنا أنه لا يوجد أي فرق بين التحالف الحكومي والمعارضة، فالجميع له صوت واحد: إيران والأبناء المخطوفون والمحرقة".. وقد غاب الموضوع الفلسطيني بوضوح.