المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1551

 

 تدرك القيادة الإسرائيلية اليوم أكثر من أي وقت آخر أن الصراع في قطاع غزة ليس في وارد الانتهاء اليوم أو غداً أو في المستقبل القريب. فالانسحاب الإسرائيلي من القطاع لم يحمل معه، في الجوهر، أي تغيير في الموقف من الفلسطينيين خصوصاً ومن العرب عموماً. فقد أرادت الانسحاب، ضمن اشتراطات، تضمن مواصلة السيطرة على القطاع وأهله عبر التظاهر بالانفصال عنه ومن دون إيجاد حل سياسي متفق عليه.

 

 

ومن البديهي أن استمرار سيطرة إسرائيل الأمنية على المياه والأجواء الإقليمية فضلاً عن الإشراف، أو المشاركة في السيطرة، على المنفذ البري الوحيد إلى الخارج لم يوفر قناعة لدى أحد بانتهاء الاحتلال. بل إن دول العالم رفضت الإقرار لإسرائيل بأن انسحابها، بالشكل الذي تمّ، يعني إنهاء الاحتلال. ولا يقل أهمية عن ذلك واقع أن الضفة والقطاع وحدة سياسية واحدة لا يصح ادعاء أو اصطناع فوارق بينهما.

 

ومع ذلك فإن القصة الإسرائيلية مع الصراع في غزة ومع غزة أبعد أثراً وأشد عمقاً. فأغلبية سكان قطاع غزة هم من اللاجئين الذين يعيشون على مرمى من أراضيهم المقامة عليها حالياً كل المستوطنات المحيطة بغزة ومنها سديروت. ويتعذر على المرء فهم كيف أن إسرائيل تستسهل الإعلان عن عودتها إلى "الخط الأخضر" من دون أن تجد أو تسهم في إيجاد حل لمشكلة اللاجئين المطالبين بحقهم في العودة إلى ديارهم وأملاكهم أو حتى من دون حل قضيتهم الوطنية.

ولكن الصراع مع غزة، من وجهة عملية، يشير إلى أن إسرائيل تحصد ثمار ما زرعته ليس فقط عبر سني الاحتلال، وإنما كذلك عبر سني السلطة الفلسطينية. فقد عمدت إسرائيل خلال سنوات الاحتلال إلى تدمير المؤسسات والبنى الفلسطينية في قطاع غزة على أمل تطويع سكانه أو دفعهم للهجرة. وربما أن ذلك كان بين أبرز العوامل التي صنعت من الاستعداد للصمود كلمة السر في المواجهة. وقد اختار الغزيون وسائل متعدّدة للمواجهة تتراوح بين الاستعداد القتالي، وصولاً للميل الاستشهادي، وبين العامل الديمغرافي كـ"قنبلة موقوتة".

ولا ريب في أن إسرائيل عندما وجدت أن مساعيها في التطويع والتهجير قد أخفقت صارت تفكر بالانسحاب. وفي عهد السلطة الفلسطينية حاولت الإصرار على المزيد من الإذلال بقصد خلق ردع افتقدته في ظل التواجد المباشر. وعندما كان الرد بالعمليات الاستشهادية سارعت إلى استخدام أسلوبها المباشر والمعروف: البحث عن روافع ضغط على هيئة جهة ثالثة تقوم بالعمل الأسود بدلاً عنها. وهكذا ما إن شعرت أن السلطة عاجزة عن منع المقاومة حتى عمدت إلى مهاجمتها والاقتصاص منها على أمل أن يحفزها ذلك على العمل من جديد ضد المقاومة.

ويمكن القول إن إيهود باراك، الذي فجر انتفاضة الأٌقصى بإصراره على "إزالة القناع" عن الوجه الإرهابي للفلسطينيين وسماحه لشارون بزيارة باحة الأقصى، يجد في أولمرت تجربة موازية. فقد بدأ باراك بتدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية والإغارة على مقرات أجهزتها الأمنية على أمل أن يقود ذلك إلى حملة فلسطينية ضد المقاومين من جهة وإلى قبولهم بحل سياسي متدني الشروط. أما إيهود أولمرت، فقد وجد بعد أن شن حرباً واسعة على غزة أنه مضطر لتكرار  الأساليب نفسها وفي ظروف أسوأ. والمشكلة التي تعاني منها إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى هي زوال ما كانت تعتبره "ضواغط" أو "روافع" يمكن استخدامها ضد الفلسطينيين. بل إن أولمرت اضطر تحت غياب هذه الروافع إلى إعادة التدقيق في الأساليب والعمل فيها بشكل مقلص وليس بشكل موسع.

ويمكن القول إنه منذ مطلع الانتفاضة وإسرائيل تهدّد باجتياح قطاع غزة. ولكن بين مبررات الانسحاب من القطاع العام 2005 في إطار خطة الفصل كانت فكرة دفع الفلسطينيين إلى الاقتتال مما يريح إسرائيل. وقد اقتتل الفلسطينيون فيما بينهم، وبشكل شرس أحياناً، ولكن ذلك لم يغير من موقفهم تجاه إسرائيل، مثلما لم يغير من موقف إسرائيل نحوهم. وفي كل الأحوال ظل التهديد باجتياح قطاع غزة فارغاً، لأنه كان يعني عودة إسرائيل لتحمل مسؤولية إنسانية واقتصادية عن مليون ونصف مليون من سكانه.

 

وقد أشار عدد من الوزراء الإسرائيليين إلى استحالة التفكير باجتياح غزة، لأنه ليس في ذلك أي مصلحة لإسرائيل. وبالمقابل فإن العسكريين الإسرائيليين مرتاحون للقصف الجوي وللاغتيالات المنظمة حتى لو لم يقد ذلك إلى وقف صواريخ القسام. وصار الهدف الإسرائيلي الواضح هو تقليص وتيرة تساقط القسام، لأن وقف هذه الصواريخ يقود إلى نوع من تسوية سياسية لا تتوفر شروطها بعد.

 

ورغم ذلك فإن الصورة العامة المتبدية من الصراع والمواجهات القائمة هي أنه ليس هناك الكثير مما يفقده أهل غزة. ففي أجواء التهدئة لم يكن حالهم أفضل كثيراً بل إن بعضهم يرتاح للتصعيد مع إسرائيل، لأنه أبعد الاقتتال الداخلي عن الواجهة. وبالمقابل فإن إسرائيل تخسر كثيراً من استمرار تساقط القسام، حتى بوتائر متدنية. ومعروف أنه تمّ إجلاء الآلاف من سكان سديروت "للاستجمام" ولكن ذلك عنى لدى البعض تراجع القيم الصهيونية. بل إن رئيس بلدية سديروت اعتبر أن استمرار تعرّض سديروت للقصف وتهجير السكان منها ضربة موجعة للمشروع الصهيوني.

 

ومع ذلك فإن كل ما يملك الجيش الإسرائيلي فعله عملياً هو السعي بشكل تدريجي لتوسيع نطاق عملياته وخصوصاً في المناطق المفتوحة. ولا ريب في أن كل توسيع للعمليات الإسرائيلية في هذه المنطقة الأشد اكتظاظاً يعني تعريض المزيد من المدنيين للخطر.

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, الخط الأخضر, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات