المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الوقت الذي ينشغل فيه الاسرائيليون والفلسطينيون بمترتبات التهدئة التي فتحت، للمرة الاولى منذ اربع سنوات، نافذة فرص حقيقية للعودة الى المفاوضات، ينسى الكثيرون الوضع الاسرائيلي الداخلي. وفي ظل ذلك ينسى الجميع ان حكومة شارون المقبلة خلال اسابيع قليلة على قرارات مصيرية وحاسمة ما زالت حكومة اقلية تتوسل الألاعيب من أجل كسب الوقت في سدة الحكم. ومن الجائز ان عودة المستوطنين مساء الأحد الى محيط الكنيست في تظاهرة كبرى للمطالبة باستفتاء عام يشكل محاولة للتذكير بهشاشة الحكومة الاسرائيلية الراهنة والمصاعب التي تعترضها.

وفي الانتظار هناك القرار المتعلق بتنفيذ المرحلة الاولى من خطة الفصل، وهو القرار الذي ينبغي للحكومة الاسرائيلية اتخاذه خلال أسبوع من إقرار قانون "الاخلاء- التعويض" في الكنيست. ومن المعروف ان قانون "الاخلاء- التعويض" سيعرض خلال أيام على الكنيست لإقراره بغية إتمام الجوانب القانونية للبدء بتنفيذ خطة الفصل. ورغم ان كثيرين يعتقدون ان الكنيست سوف تقر هذا القانون بأصوات المعارضة اليسارية والعربية وحركة شينوي، إلا ان ذلك لن يلغي الهزة التي سيحدثها هذا القرار على الحكومة وداخل الليكود. إذ سيكون على قادة الليكود المتمردين والمترددين ان يحسموا خيارهم تجاه القضية الأشد رسمية: الميزانية العامة.

ويصر أريئيل شارون على عرض الميزانية العامة على الكنيست في شباط المقبل وليس في آذار لأنه يريد أن يوضح معالم قدرته ويبين استعجاله لتنفيذ خطة الفصل. وهو بذلك يضع قادة الليكود أمام خيار بقاء الحكومة او سقوطها قبل ان يبدأ بتنفيذ خطة الفصل. وربما لهذا السبب يكثف هذه الايام من اتصالاته مع حركتي شاس وشينوي لضمان عدم إقدامهما على التصويت ضد الميزانية. ويأمل من خلال ضمان امتناع الحركتين او احداهما عن التصويت الى ضمان بقاء الحكومة، حتى كحكومة اقلية. ولكنه كذلك يحاول عبر هذه الخطوة إرسال رسالة عاجلة لمعارضي الفصل داخل الليكود بأنه يستطيع التخلي عنهم ويستطيع ان يبقيهم قوة هامشة.

ولكن الصراع على شاس بالتحديد هو صراع يخوضه ليس شارون وحسب، وانما المتمردون كذلك. ويراهن متمردو الليكود على حقيقة ان معظم ناخبي شاس يميلون الى موقف ناخبي الليكود الرافض لخطة الفصل. ويعتقدون ان الحاخام عوفاديا يوسيف لن يسمح لنفسه بالقفز السريع عن الفتوى التي أصدرها ضد خطة الفصل. ولكن شارون من جانبه يريد ان يلعب على "الوجه المعتدل" في فتوى الحاخام عوفاديا والذي استنكر على خطة الفصل انها احادية الجانب وتفتقر الى شريك فلسطيني. ولذلك من الجائز ان شارون يحاول من خلال التجاوب الراهن مع مساعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) للتهدنة ان يكسب قناة للدخول الى قلب الحاخام عوفاديا.
غير ان هناك من يعتقد ان العلاقة بين شاس والليكود أكثر تعقيداً مما تبدو في الظاهر. فالحزبان يعملان على هامش انتخابي واحد هو الجمهور الشرقي الميال الى التدين. ولذلك رغم التقارب في المواقف السياسية إلا انهما حزبان متنافسان بشدة. وقد شعرت شاس بأن الليكود بقيادة شارون عمد طوال السنوات الماضية الى التعامل باحتقار معها، ولذلك ليس من المستبعد ان ينطوي رد شاس على غزل شارون على نوع من رد الاهانة.

إن شاس تطالب اليوم بإلغاء التقليصات التي فرضها وزير المالية بنيامين نتنياهو على مخصصات الاطفال والتي مست بشكل أساسي العائلات الشرقية والحريدية والعربية الكثيرة الابناء. ومثل هذا الطلب يضفي نوعاً من التعقيد على العلاقة القائمة بين الحزبين ليس فقط على الصعيد السياسي وانما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ايضا. وتتسم هذه العلاقة بأهمية خاصة في ضوء القناعة المتزايدة بأن كل خطوات شارون السياسية، وخصوصا خطة الفصل قد تكون في مهب الريح ان لم تحظ بدعم حركة شاس.

ويوم أمس، 30/1/2005، وفي ذروة معركة شد الحبل بين الليكود وشاس حول قضايا الفصل والميزانية، أعلن زعيم شاس ايلي يشاي ان شاس قد تمتنع عن التصويت عن الميزانية رغم وجود "ملايين الاطفال الجائعين". وما يهم شارون في الواقع ليس دخول شاس الى الحكومة وانما امتناع شاس عن التصويت، الامر الذي يسهل مهمة تمرير الميزانية. ولكن ليس هناك من يظن ان شاس تقدم على هذه الخطوة مجاناً اذ انها، وهي ترى مقدار حاجة شارون إليها، تريد ثمناً معقولاً. وقال يشاي: "اذا أراد شارون التقرب منا، وقدم العون لآلاف الاطفال الجائعين، حينها ثمة إمكانية لان نمتنع عن التصويت أو حتى ان نؤيد الميزانية".

واذا أفلح شارون في اجتياز اختبار الميزانية وبقيت حكومته الى ما بعد آذار المقبل، فإنه يكون بذلك قد ضمن انتهاء العوائق البرلمانية أمام تنفيذ خطة الفصل. وحسب تقديرات المقربين من شارون فإن فرضية العمل عنده هي انه اذا نجح في التغلب على العراقيل البرلمانية حتى بداية العطلة الصيفية البرلمانية بعد حوالي ثلاثة شهور، فإن الانسحاب من غزة يدخل مرحلة اللاعودة.
وهكذا فإن الاسابيع القادمة حاسمة ليس فقط بالنسبة لحكومة شارون، وانما كذلك لحظة الفصل التي وان تقدم شارون كثيراً في التمهيد لتنفيذها، فإنه لم يصل بعد الى مرحلة ضمان تنفيذها.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, شينوي, الليكود, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات