المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تميزت الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، دائمًا وأبدًا، بـ "ضبابية بنيوية"، هدفها إرضاء كل الأطراف، والجَسْر على المصالح المتناقضة وتوفير حرية عمل أمريكية قدر الامكان. وتصريح الرئيس جورج بوش، أمس الأول، بصدد "إلتزامه الشخصي" بتطبيق خارطة الطرق لاتفاق إسرائيلي- فلسطيني، يتبع للنهج المحافظ في النظام الأمريكي. كلٌ بوسعه قراءته وتفسيره كما يحلو له.تفسير واحد ممكن لتصريح بوش، يرى فيه نقطة مفصلية في ضلوع النظام الحالي في حل الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني. بعد شهرين من الزحف، والعقبات والتأجيلات، عرض الرئيس مسارًا واضحًا لاستكمال خارطة الطرق، ودعا الطرفين إلى تجديد المفاوضات بينهما وفصّل الخطوات في الطريق إلى دولة فلسطينية. ويجسد توقيت التصريح، عشية الحرب في العراق، العلاقة التي تربط بين الأزمتين في الشرق الأوسط، ويبشّر بالهدف القادم للولايات المتحدة، بعد الاطاحة بصدام حسين.

وبحسب هذا التوجه، فإن رئيس الحكومة أريئيل شارون، يتمتع بإستراحة سياسية وليس مطالبًا بأي تنازل، ما دام يختبئ من وراء رئيس السلطة ياسر عرفات، المكروه من جانب الأمريكيين. الآن، عَيّن الفلسطينيون رئيس حكومة على حساب عرفات، كما طلب شارون، والاستراحة ستنتهي. المفاوضات ستتجدد، مع تدخّل أمريكي أكبر من السابق، وإسرائيل أيضًا ستضطر للقيام بدورها. وقد كتبت أمس صحيفة "نيويورك تايمز" عن الفرحة العارمة التي عمّت في وزارة الخارجية، في أعقاب تصريح بوش، الذي جسّد فوزًا للتوجه الفعّال الذي يقوده وزير الخارجية، كولين باول، على غريميه في البيت الأبيض والبنتاغون، الذين يعارضون كل ضلوع بين شارون والفلسطينيين.

ولكن في مكتب رئيس الحكومة في القدس الرأي مختلف، ويرون في تصريح بوش إنجازًا عظيمًا لسياسة شارون. أولا، يمنح هذا التصريح محفزًا قويًا لتعيين "أبو مازن" رئيس حكومة قويًا وذا صلاحيات، يقوم بتهميش عرفات. ثانيًا، بوش أخرج الأوروبيين من الصورة وأوضح أن الولايات المتحدة ستقود العملية السياسية، وليس "الرباعية" الدولية. ثالثا، أوضح الرئيس (الأمريكي) أن صياغة خارطة الطرق لم تُستكمل بعد، وأن النظام الأمريكي يقبل الملاحظات من الجانبين؛ وهكذا رُفض مطلب الأوروبيين والفلسطينيين بنشر المسودة القائمة كاتفاق سياسي مفروض. رابعًا، أوضِحَ أن القاعدة الملزمة لكل عملية سياسية هي خطاب بوش من الرابع والعشرين في حزيران 2002، وهو الوحيد المقبول على رئيس الحكومة.

وبحسب التقديرات في القدس، فإن تصريح بوش جاء ليرضي شريكه في الحرب في العراق، توني بلير، وليقوي "أبو مازن"، الذي حظي أيضًا بدعوة مبدئية لزيارة واشنطن. ولكن من الناحية العملية، لم يتغيّر شيء، ولم تؤجَل العملية السياسية تأجيلاً مهمًا.

ووافق بوش على البدء بمداولات مع إسرائيل والفلسطينيين حول صياغة خارطة الطرق، تتطلب وقتًا إضافيا. وقد ألقى على رئيس الحكومة الفلسطيني بمطالب صعبة، لكي يثبت كونه شريكًا لائقًا. وقد كررت المطالب الموجهة لإسرائيل الصياغات في خطاب بوش في السادس والعشرين من شباط، وبحسبها يبدأ تجميد المستوطنات فقط بعد إحراز "تقدم نحو السلام".

وقد إحتاط شارون حتى اليوم من توجيه نقد مباشر على خارطة الطرق، خشية إغضاب النظام الأمريكي، وفضّل أن يردّ عليها كعادته بـ "نعم، ولكن". وقد وجّه النقد هذا الأسبوع، رئيس لجنة رؤساء التنظيمات اليهودية في الولايات المتحدة، مورتيمر تسوكرمان، في مقال لاذع جدًا نشره في صحيفته، أسبوعية "يو أس نيوز". وسمّى تسوكرمان خارطة الطرق بـ "الطريق إلى جهنم"، وكتب أنها أسوأ خطة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، منذ 1967.

ووصف تسوكرمان، الذي يتمتع بعلاقات مقربة مع شارون وجهات في الحكم الاسرائيلي، خارطة الطرق بالتشويه المقصود لخطاب بوش، والذي صنعه موظفو وزارة الخارجية وشركاؤهم في "الرباعية". ودعا النظام للعودة إلى خطاب بوش الأصلي، والذي كان "منصفًا وواضحًا، وخارطة طرق للسلام يمكن للجميع أن يفهمها".

وفهموا في البيت الأبيض البلاغ، وقرروا التنسيق مع إسرائيل مسبقًا، حول تصريح بوش الجديد: فقد دُعي مساعدو شارون إلى واشنطن، ودُعي القياديون اليهود إلى حديث "مُطمْئِن" مع كوندوليسا رايس، أمس الأول. وهكذا نجح النظام الأمريكي مرة أخرى في إرضاء الجميع، وتأجيل إتخاذ القرارات الحقيقية إلى ما بعد الحرب في العراق.

(هآرتس 16 اذار، الترجمة العربية: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات