اكتوبر هو تاريخ الهدف. بعد اكتوبر، ستوظف الجهود والموارد في الداخل، في سنة الانتخابات، وتستطيع عملية السلام في الشرق الاوسط تحقيق تقدم، فقط اذا لم تكن مصدر ازعاج وتشويش. اما الان - اي، هذا الاسبوع - فقد سنحت للادارة الامريكية لحظة نادرة من الاتفاق في الطريق الى قمة العقبة. انه اتفاق على عقد قمة وعلى التفاصيل الضرورية لانجاحها - لكن ليس بالضرورة على السياسة التي ستتلوها في المدى البعيد.
احد المعلقين في واشنطن، ممن حاولوا فهم وجهة الرئيس جورج بوش في الشرق الاوسط، استذكر هذا الاسبوع - بعيدا عن الصدفة - ما كتبه ليئون فيزلتير عن الرئيس السابق بيل كلينتون: الميراث الاساسي الذي خلفه كلينتون هو الحرص والقلق على ميراث كلينتون.
انه الميراث نفسه الذي كتب عنه ديفيد هلبرشطام في كتابه: مع انهيار المحادثات في كامب ديفيد، انهار ايضا أمل كلينتون الأخير في ارساء ميراثه على انجازات في السياسة الدولية الخارجية.
فشل الماضي هذا لا تزال اصداؤه تتردد في اية مناقشة حول المحاولة الامريكية المتجددة للعب دور فاعل في المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. فقد كان قاسما مشتركا موحدا بين مستشارين سابقين للأمن القومي، زبيغنييف بجيجينسكي وبرنت سكوكروفت، في مقابلة تلفزيونية مشتركة، اتفقا خلالها، دون أي تردد: المبادرة لعقد القمة هي عمل "شجاع" من جانب الرئيس بوش. النجاح بعيد جدا عن كونه مضمونا.
لكن بجيجينسكي وسكوكروفت اتفقا، ايضا، في مسالة أخرى، جوهرية اكثر: كلاهما يعتقد بأن على الولايات المتحدة ان تطالب اسرائيل والفلسطينيين باتخاذ خطوات متوازية في الطريق نحو تطبيق "خارطة الطريق" - متوازية، وليست متدرجة.
لا عجب في ان فرانك غفني، من "مركز السياسات الأمنية" ومن صقور معسكر المحافظين الجدد في واشنطن، يتجول مسكونا بالقلق منذ الاسبوع الماضي. "فخ الطرق" - "Road Trap"- كما يصف "خارطة الطريق"، "Road Map".
انه يمثّل خطا فكريا له شركاء وممثلون في داخل الادارة الامريكية، ايضا، يقول بأن لا أمل في نجاح محاولة بوش إحياء مفاوضات السلام بالطريقة التي اختارها. "الادارة تعيش في الاوهام، في كل ما يتصل بمحمود عباس (ابو مازن)"، يجزم غفني. وهو يعتقد بأن "خارطة الطريق" ستعزز الفرضية السائدة في العالم العربي ومفادها ان الولايات المتحدة تعتزم ممارسة الضغط على اسرائيل - مما سيؤدي الى إضعافها. وطالما بقي العرب يعتقدون بأن في مقدورهم إضعاف اسرائيل، يقول غفني، فسيواصلون السير في طريق الارهاب.
ألـ "اوهام" الملحقة باسم ابي مازن ليست عديمة الاسباب.
فبعيد تعيين ابي مازن رئيسا للحكومة، فوجئ الرئيس بوش نفسه باكتشاف من هو هذا الشخص. ففي احد اللقاءات مع طاقم مساعديه، تحدث عنه بوصفه شابا ثوريا وحيويا. احد موظفي وزارة الخارجية اضطر الى لفت انتباهه، بابتسامة : سيدي الرئيس، انه في الـ 68 من العمر ويعمل مع ياسر عرفات منذ سنين طويلة جدا.
ابو مازن يحظى في واشنطن، الآن، بصورة وصفها أحدهم بأنها "ضبابية". في الادارة يعلقون عليه آمالا كبيرة، لكنهم مستعدون للاعتراف، جزئيا، بأن ليس هناك اساس متين لهذه الآمال، حتى الآن. ابو مازن هو لغز، في احسن الأحوال.
وضع شارون افضل بكثير، حتى وان كان لا يحظى بثقة كبيرة في الرأي العام، كما كان الحال مع ايهود براك مثلا (أحد اعضاء اللوبي اليهودي طولب هذا الاسبوع باختيار الشخصية الأكثر قبولا لدى الجمهور الامريكي في حكومة شارون، فحكّ رأسه نصف دقيقة حتى وجد الاسم المطلوب: نتان شرانسكي. هذا هو الموجود).
لكن ادارةً تنسق مع شارون، في كل شيء، "حتى اطراف الأظافر" على حد تعبير مسؤول مطلع على المحادثات بين اسرائيل والبيت الابيض، وقد ازداد التقدير نحوه في اعقاب تصريحاته التصالحية الخيرة.
ويعتقد المسؤول نفسه ان ثمة "وهما" في الادارة الامريكية ايضا، حيال شارون نفسه. "انهم يعتقدون ان بامكانهم التقدم في هذه العملية بنجاح، دون الحاجة الى التصادم الجدي والحقيقي معه"، قال. هكذا يعتقدون، وهكذا يأملون.
"هم" تعود على العناصر الأقوى والأكثر حسما في الطاقم: الرئيس (بوش)، نائبه (تشيني)، واليوت ابرامس، مسؤول ملف الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي.
مراسلو الصحف والمجلات ينبشون، الآن، في تصرفات واعمال ابرامس، في الحاضر وفي الماضي (دوره في فضيحة "ايران غيت"). اوساط عديدة تنظر اليه باعتباره مشبوها. ان من يقود، الآن، السياسة الامريكية في الموضوع الاسرائيلي - الفلسطيني، كان من المعارضين الأشداء منذ البداية للطريقة التي رُسمت بها "خارطة الطريق". لم يكن يرغب في اشراك الاوروبيين، ولا في اثارة خلاف - خصام مع شارون حول المستوطنات. وهناك في وزارة الخارجية الامريكية من يشتبهون بأن ابرامس لا ينوي، حقا، تطبيق خارطة الطريق بصورة جدية، هذه الخارطة التي رسمتها "المجموعة الرباعية" والتي عارضها هو منذ البداية.
المطلعون على مواقف نائب الرئيس، ديك تشيني، يقولون انه احد الدافعين الأساسيين للتعاون والتنسيق مع شارون. دافعان - سببان اساسيان يحركانه - سياسي وجوهري. الدافع السياسي واضح: اليمين، وخاصة المسيحي، المؤيد لاسرائيل، فيما الرئيس غير معني بالمواجهة معه على خلفية ممارسة ضغط زائد على اسرائيل.
الدافع الجوهري اكثر اهمية واثارة. نائب الرئيس اوضح لمقربيه بأن على الولايات المتحدة ان تحذر من تكديس المصاعب امام اسرائيل التي تحارب الارهاب، وخاصة في مطالبتها بتقديم تنازلات مختلفة، لأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مطالبة، هي ايضا، بتقديم تنازلات مماثلة في حربها ضد الارهاب، تنازلات لا يستطيع تشيني القبول بها.
اذا كان هذا هو الخط الذي ينتصر في الادارة الامريكية، في الاشهر القادمة، فليس لدى شارون ما يدعو الى القلق والتخوف. لن يُمارس عليه أي ضغط جدي.
غير ان ثمة من يعتقدون، في المقابل، بأن هذا الخط قد بدأ يتآكل. جيفري كمب، من "مركز نيكسون"، يعتقد بأن اسرائيل ترتكب خطأ باعتمادها، البارز والقوي الى هذا الحد، على دعم المحافظين الجدد والمسيحيين لاجراءاتها. ويعتقد كمب بأن مكانة المحافظين الجدد ستتراجع الآن. انه يلاحظ لدى بوش ادراكا بأن مهمته القادمة هي "اعادة الاتصال بالعالم، من جديد" - المؤشرات على هذا تعززت خلال زيارته الأخيرة الى اوروبا. اليمين، يقول كمب، سيصوت لبوش اصلا، لأنه ليس لديه بديل آخر. وفي نهاية المطاف، سيلتزم الرئيس بخط براغماتي، فهو "ابن ابيه".
السؤال الحاسم، بالطبع، هو: هل سيختار - كما اختار ابوه - التشاجر مع شارون حول المستوطنات؟ ثمة في طاقمه من يتحفظون من هذا الاحتمال، ومن بينهم داغلاس بيث، من وزارة الدفاع، الذي قال في احدى الجلسات قبل بضعة اشهر: "يجب التوقف عن النظر الى المستوطنات بمصطلحات سلبية". وهناك بالطبع، ايضا، الملتزمون بالخط التقليدي القائل بأن المستوطنات يجب ان تُزال.
مصدر مطلع، عالم ببواطن مواقف الرئيس، قال هذا الاسبوع ان بوش "ساذج بعض الشيء في موضوع المستوطنات. من الواضح له انها ستُزال في نهاية المطاف، ولذلك فهو لا يفهم تماما لماذا ينبغي اقامة ضجة كبيرة حولها منذ الآن".
(هآرتس - 3/6)