تحليل إخباري بقلم: محمد دراغمة
بإعلانها أن موقفها من الهدنة المقترحة من جانب رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس قيد الدراسة، وأنه سيعلن في الفترة القريبة القادمة، كما جاء على لسان أحد ابرز قادتها الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، تكون حركة "حماس" قد أعطت أكثر من إشارة على موقف إيجابي مرتقب من هذا المقترح.
وكانت "حماس" أبدت مرونة ملحوظة خلال المفاوضات التي جرت في العاصمة المصرية القاهرة قبل عدة أشهر بهذا الشأن.
ونقل الدكتور نبيل شعث وزير الشؤون الخارجية مؤخراً عن مسؤولين مصريين انخرطوا في تلك المفاوضات قولهم بأن حركة حماس طلبت ضمانات محددة لقاء قبولها بالهدنة مثل وقف الاغتيالات، وهو ما لم يتمكن المصريون من الحصول عليه من الجانب الإسرائيلي.
وكانت حماس أبدت موقفاً مماثلاً قبل اكثر من عام بعد تدخل جهات عربية وأوروبية من اجل إعلان هدنة من الجانب الفلسطيني، وهو ما فجره الإسرائيليون باغتيال المسؤول العسكري للحركة الشيخ صلاح شحادة في عملية قصف لمنزله أدت الى مقتل 15 مواطناً آخر بينهم ستة أطفال.
ويبدو أن التطورات الأخيرة قد فتحت الطريق أمام الجهود الرامية للتوصل إلى إعلان هدنة من الجانب الفلسطيني يعقبه انسحاب إسرائيلي من المدن ووقف الاغتيالات وغيرها من الإجراءات التي نصت عليها المرحلة الأولى من خطة خارطة الطريق.
وتشير اتجاهات النقاش الجارية في مختلف القوى والفصائل الفلسطينية إلى وجود توجه ملموس لدى الغالبية العظمى من هذه القوى إلى القبول بالهدنة.
وحتى الجهات التي تعلن عن موقفها الرافض للهدنة فإنها تلمح إلى أنها لن تكون عقبة في طريق تطبيقها.
فمن جانبها، أعلنت كتائب شهداء الأقصى، التي تعد التنظيم العسكري الأكبر، عن قبولها بالهدنة.
وذهب متحدثون باسم التنظيم حد القول باستعدادهم لتسليم سلاحهم للسلطة الفلسطينية في حال تبين لهم جدية الجانب الإسرائيلي في تطبيق خطة خارطة الطريق، بما تتضمنه من انسحاب من المناطق "أ" وتجميد الاستيطان ووقف الاغتيالات، وصولاً إلى إقامة الدولة المستقلة.
وقال متحدث باسم المنظمة: الهدف من سلاحنا هو طرد الاحتلال، وإذا ما انسحبت قواته، ووجدنا على الأرض عملية سلام جدية، فإنه لن يكون لسلاحنا أية قيمة".
ويجري ممثلون للسلطة الفلسطينية اتصالات مع مجموعات في الكتائب رفضت حتى اليوم القبول بالهدنة.
وتقول مصادر وثيقة الصلة بهذه الاتصالات إنها وصلت إلى مرحلة متقدمة، وإن هذه المجموعات قبلت في المرحلة الراهنة وقف العمليات في اسرائيل، وهي تجري مناقشة لوقف العمليات في الأراضي المحتلة بشروط، منها وقف الاغتيالات والانسحاب من المدن.
وتشير التقديرات إلى أن حركة الجهاد الإسلامي لن توقع على الهدنة لكنها لن تقف عائقاً أمام تطبيقها.
وقال الشيخ بسام السعدي أحد قادة الحركة في الضفة، والمطارد من قبل قوات الاحتلال منذ بدء الانتفاضة: إذا أوقف الإسرائيليون عملياتهم ضد المدنيين الفلسطينيين، فنحن سنوقف عملياتنا ضد المدنيين الإسرائيليين".
وأضاف السعدي موضحاً: الجهاد الإسلامي كانت على الدوام ضد استهداف المدنيين الإسرائيليين ولم تلجأ لذلك سوى بعد أن تم استهداف مدنيينا".
وفيما يؤكد الشيخ السعدي أن الجهاد الإسلامي لن توقع على أية اتفاقية هدنة مع إسرائيل، فإنه يشير من جانب آخر إلى أن الحركة ستتجنب الصدام مع السلطة الفلسطينية "لأن الدم الفلسطيني يشكل خطاً أحمر أمامنا".
ويضيف: "في كل مرة وصلت العلاقات الداخلية إلى الاحتقان عملنا من جانبنا على تنفيس حالة الاحتقان لما فيه مصلحة شعبنا، وحماية لدماء أبنائنا".
وينطبق وضع الجهاد الإسلامي على وضع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى حد كبير.
ويرى المراقبون أن القوى الفلسطينية بدأت تتجه نحو القبول بالهدنة بعد التغيرات الأخيرة التي أعقبت الحرب على العراق والتي طالت الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإن كانت تأثيراتها على الطرف الأول أشد وأكبر.
وقال الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت: "من يقبل التهدئة، من الجانب الفلسطيني، فإنه يقرأ الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية بشكل صحيح".
وأضاف يقول: "أتصور أنهم – أي القوى الفلسطينية - تقرأ آثار ما بعد الحرب على العراق أفضل مما قرأت آثار ما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة، وهي تسمع رسائل كثيرة محلياً وإقليمياً ودولياً".
ويبدي الفلسطينيون اهتماماً بتطبيق خارطة الطريق التي يرون أنها تحمل العديد من النقاط الإيجابية لهم مثل الانسحاب الإسرائيلي من مناطق "أ" ووقف الاغتيالات وتجميد الاستيطان والعودة إلى المفاوضات على أساس قرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية وإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67.
لكن الكثيرين يشككون في نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية ارئيل شارون، وفي رغبته وقدرته على تطبيق جميع مراحل الخارطة.
وقال الدكتور الجرباوي: "لا أتوقع أن يطبق شارون أكثر من المرحلة الأولى من خارطة الطريق، خصوصاً وان الرئيس الأمريكي مقبل على السباق الرئاسي للعام 2004، ولن يكون في مقدوره ممارسة أي ضغط على إسرائيل".