مع دخول الحرب العدوانية على قطاع غزة أسبوعها الثالث يتبيّن مما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أو مما يُقال على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين، أن إسرائيل ماضية قدماً نحو تنفيذ عملية اجتياح برية للقطاع يطلق عليها اسم "مناورة عسكريّة" [وهو مصطلح ينطوي على دلالات عسكرية بالأساس]، وخلال ذلك يتم تأكيد أن الأسبوع الثاني من الحرب، والذي انتهى أمس (الأحد)، تمّ تكريسه على أفضل وجه من أجل الاستعداد لهذا الاجتياح.
كذلك فقد أكّد على حتميّة القيام بهذا الاجتياح العسكريّ البريّ كل من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي.
تجمع هذه المقالة خلاصة ما تداولته معاهد ومراكز التفكير الاستراتيجي المناصرة لإسرائيل حول "مستقبل قطاع غزة" بناء على ما هو أفضل بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن السيناريوهات المعروضة أدناه لا تُعبّر بالضرورة عن مآلات الحرب ونتاجها؛ وإنما تُسلّط الضوء على أبرز التوصويات التي يتم تقديمها للمستوى السياسي الإسرائيلي.
وبعيداً عن المجريات العسكرية للحرب، فإن النقاشات الدائرة في هذه المراكز تدعو إسرائيل إلى: 1) إخراج حركة حماس من المشهد السياسي للمنطقة؛ 2) إدخال قطاع غزة في مرحلة سياسية جديدة شبيهة بسياق أوسلو.
وقعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في فترة تأكد فيها تراجع المعطيات الاقتصادية الإسرائيلية، على ضوء عوامل، منها داخلية، بسبب حالة عدم اليقين في الاقتصاد على خلفية حركة الاحتجاجات الشعبية، ما انعكس مباشرة على مداخيل الضرائب بقدر كبير نسبيا، وما زاد العجز في الموازنة العامة، في حين أن غلاء المعيشة واصل الارتفاع. وكلفة الحرب، بشكل خاص في الحالة القائمة منذ 7 تشرين الأول الجاري، لا تقتصر على الكلفة العسكرية المباشرة، بل إن الضربات التي تلقتها "الجبهة الداخلية" على المستوى المدني، تفاقم الكلفة، التي أعلنت وزارة المالية أنها تستصعب حاليا طرح تصور، حتى أولي، لهذه الكلفة، التي ستنعكس مباشرة على ميزانية العام المقبل 2024، والمقررة قبل عدة أشهر، وتنتظر الحكومة الإسرائيلية ما وعد به الرئيس الأميركي جو بايدن من "دعم سخي"، بلغ 14.3 مليار دولار.
قبل أسبوعين فقط من كتابة هذا المقال، يمكن القول إن الإعلام الإسرائيلي لعب دوره بجدارة في تشكيل وتوجيه الرأي العام الإسرائيلي في قضية الانقلاب الدستوري، لا بل وفرض خطابه حتى على المتظاهرين بوصف الإصلاحات القضائية بأنها "انقلاب دستوري" أو انقلاب قضائي"، وكان الإعلام مجنداً بالكامل للدفاع عن مؤسسات الدولة التي كانت مهددة بالانهيار جراء التعديلات وخوفا من الخروج من "نادي الدول الديمقراطية الليبرالية الغربية" التي تنادي بحرية التعبير واستقلالية المؤسسات القضائية. ولم تمر سوى أيام، حتى تحولت المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية إلى جندي في المعركة، وبدلاً من ممارسة دورها كسلطة رابعة ناقدة لوقف الحرب والإجرام، باتت الركن الأصعب والأقوى في السلطة التنفيذية.
الصفحة 75 من 860