افتتح الكنيست هذا الأسبوع دورته الشتوية، التي من المفترض أن تستمر حتى نهاية آذار المقبل، 2024، أو مطلع الشهر التالي، وكان من المتوقع أن تكون دورة ساخنة جدا، على مختلف الصعد، وحتى ظهور خلافات داخل الائتلاف المتماسك، إلا أن تشكيل حكومة طوارئ- حرب، في نهاية الأسبوع الماضي، برئاسة بنيامين نتنياهو، وبانضمام كتلة "المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس، لغرض إدارة الحرب الدائرة، وتنتهي مع إعلان نهاية حالة الحرب، من شأنها أن تشل العمل البرلماني، وتوقف تشريعات حساسة، مختلف عليها مع الشريك الجديد. ورغم ما يظهر من حالة توافق، فإن الخطوط المركزية لهذه الحكومة، من شأنها أن تؤدي إلى خلافات لاحقة.
طغت صيحات الانتقام على كل ما عداها من أصوات في الشارع الإسرائيلي، وانخرط الجميع تقريباً من وزراء وأعضاء كنيست، وضباط الجيش وقادة الأحزاب المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو وقوى المعارضة، إلى الضباط المتقاعدين والمحللين السياسيينِ ورؤساء السلطات المحلية وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي، في الدعوات للرد بقوة غير مسبوقة، من أجل القضاء على حماس، وعلى غزة، والرد على ما وصفته المصادر والأوساط الإسرائيلية عينها بالهزيمة المرّة ويوم الإذلال والمهانة والعار الوطني.
في نهاية العام 2021، انتهى الجيش الإسرائيلي من بناء جدار عازل بطول 65 كيلومترا حول قطاع غزة. وضخّت إسرائيل مليارات الشواكل في عملية البناء هذه التي استمرت حوالي ثلاثة أعوام ونصف العام.
وقد دشنت إسرائيل الجدار في مطلع شهر كانون الأول من ذلك العام، من خلال احتفال رسمي حضره وزير الدفاع السابق بيني غانتس، ونائبه، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش في ذلك الوقت أفيف كوخافي، بالإضافة إلى رؤساء المجالس المحلية للبلدات الإسرائيلية المحيطة بغزة. في حفل التدشين، قال غانتس بأن الجدار هو مشروع تكنولوجي من شأنه أن يحرم حركة "حماس" من إحدى القدرات التي كانت تحاول تطويرها وهي الأنفاق الهجومية. وأضاف أن الجدار يهدف إلى وضع حاجز حديدي وخرساني وأجهزة استشعار بين "حماس" وسكان الجنوب. وختم غانتس خطابه بالقول إن "هذا الجدار سيساعد هذه المنطقة الجميلة على الاستمرار في النمو والازدهار".
في 7 تشرين الأول عام 2023، أي بعد حوالي عامين على تدشين "جدار غزة" هذا، أحدثت حركة "حماس" أكثر من 10 فتحات عبر الجدار، واقتحمته، وهاجمت مستوطنات غلاف غزة. ويمكن القول إن هذا الهجوم لا يعني فقط فشل الجدار في حماية "أمن" الإسرائيليين في مستوطنات الغلاف والذين تمت دعوتهم إلى حضور حفل التدشين، وانما أيضاً قد يتسبب بإلحاق أضرار واسعة بسمعة التكنولوجيا الإسرائيلية المتعلقة تحديداً بصناعة الجدران.
منذ صباح اليوم الثالث لعملية "طوفان الأقصى"، تكاثفت الدعوات داخل إسرائيل، على نحو واسع النطاق، لتوسيع حكومة الائتلاف اليمينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تضطلع بأعباء حالة الحرب الطارئة التي أعلنت الحكومة عنها.
ولا بُدّ من القول إن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الحالية، التي تسببت بانقسام سياسي عميق، وساهمت في إعادة اصطفاف سياسي، اجتماعي، وأيديولوجي، بدت حتى تاريخ 7 تشرين الأول وكأنها قادرة على الاستمرار في الحكم لوحدها، إذ إنها تستند إلى 64 عضو كنيست (هم مندوبو أحزاب الليكود، وتحالف أحزاب الصهيونية الدينية، وقوة يهودية، ونوعام، وأحزاب اليهود الحريديم). غير أن شدة الهجمة التي نفذتها حركة حماس، والفصائل الفلسطينية الأخرى، والتي تسببت حتى كتابة هذه الورقة بسقوط حوالي 800 قتيل إسرائيلي، وحوالي 130 مفقوداً وأسيراً، بالإضافة إلى آلاف الجرحى ودمار كبير، كانت سبباً مباشراً لقيام طيفي الانقسام الإسرائيلي (الإئتلاف والمعارضة)، بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية عريضة تستطيع أن تتحمل عبء الحرب وتكون قادرة على الاستناد إلى كافة أطياف المجتمع الإسرائيلي لصياغة رد حربي غير تقليدي، أو على حد تعبير نتنياهو "ردّ سيغير وجه الشرق الأوسط"!
الصفحة 76 من 859