بدأت تتبلور حركة احتجاج من عائلات حوالي 200-250 أسيراً ومفقوداً إسرائيلياً. هذه الحركة تعاني من أزمة واضحة: من جهة، هي في طريقها لأن تكون "حركة مقدسة" قد لا يمكن معارضتها من قبل الحكومة والشارع الإسرائيليين خصوصا وأن العديد من الأسرى هم من المدنيين. من جهة أخرى، تدرك هذه الحركة أن إطلاق سراح كافة الأسرى الإسرائيليين سيكون في مقابل تحرير كافة الأسرى الفلسطينيين، وهذا بحد ذاته قد يشكل "انتصارا" لحركة حماس قد لا تستطيع إسرائيل، التي لم تستفق بعد من صدمة ما حدث يوم السابع من تشرين الأول، أن تتحمله وفق الظروف القائمة الآن.
هذه الورقة تلقي الضوء على هذه الأزمة.
منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" يشهد المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن أوساط السياسيين، موجة تحريض على الفلسطينيين ككل تشمل دعوات إلى قوننة الانتقام والقتل بشكل جلي. فمثلاً، يعجّ المستوى القانوني بمقترحات وتشريعات، وتعديلات قانونية، وقرارات للمستشارة القانونية للحكومة حول ظروف الاحتجاز والاعتقال وقواعد إطلاق النار وقانون "إعدام الأسرى" وغيره. وكل ذلك إلى جانب سعي المستوى السياسي لتأطير الإبادة قانونياً بدافع "الدفاع عن النفس" (في ظل الانحياز الأميركي والغربي)، وتصاعد ظاهرة تسليح المستوطنين والمدنيين بشكل علني.
تؤكد كل التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، ومعها تقارير مراكز أبحاث ومؤسسات اقتصادية عالمية، أن إسرائيل ستشهد أزمة اقتصادية لم تعرفها منذ سنوات طوال بسبب الحرب على قطاع غزة، فالحروب القصيرة التي شنتها إسرائيل، في العقدين الأخيرين، ابتداء من العام 2006، لم تعكس نفسها سلباً على الاقتصاد، كما أن متانة الاقتصاد جعلته يجتاز بسرعة أزمة الكورونا، أما الآن فإن حجم الصرف على الحرب ما زال يصعب حصره، ليس فقط على الجيش الإسرائيلي، وإنما بالأساس على الجمهور وقطاعات اقتصادية باتت مشلولة، في حين أن المساعدة الأميركية السخية تتأخر بسبب الأزمة في الكونغرس. وفي ظل كل هذا، تتكاثر الاتهامات لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي لم يعرض خططا واقعية، ويصر على استمرار الصرف على مصالح الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحاكم.
هذه الورقة تحاول أن تلقي الضوء على أبرز التداعيات الاقتصادية التي ترتبت وسوف تترتب على الحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة.
أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل في الحرب التي تشنّها على قطاع غزة على نحو يتجاوز إطار التحالف التقليدي بين دولتين. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالسلاح والمال، ولكنها لم تحرّك أسطولها البحري إلى سواحل أوكرانيا، مع علمنا الفرق بين إمكانية ردع دولة كروسيا أو ردع حزب الله وإيران.
وشمل الدعم الأميركي لإسرائيل مجالات عديدة: الدعم السياسي، والدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، والدعم العسكري، والدعم الاقتصادي، وتبنى السردية الإسرائيلية. بيد أن الدور الأميركي لم يقتصر على الدعم بل تعدّاه إلى الشراكة في وضع أهداف الحرب السياسية، والتي لا توليها إسرائيل أي اهتمام بسبب نزعتها للانتقام عسكرياً من حركة حماس وقطاع غزة، واقتصار رؤيتها على هذا الأمر فقط.
تحاول هذه الورقة تحليل الدور الأميركي في الحرب على غزة، وتنطلق من أن الدور الأميركي لا يقتصر على الدعم لإسرائيل خلال الحرب، بل يتجاوز ذلك إلى التدخل في صياغة أفق سياسي واستراتيجي لها، وربط الأهداف العسكرية الإسرائيلية بالأهداف السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
الصفحة 72 من 859