منذ بداية "المناورة البرية" الإسرائيلية في قطاع غزة في نهاية تشرين الأول 2023، كان لافتاً مشاركة العديد من الجنود من حملة الجنسيات الأجنبية في الجيش الإسرائيلي، استناداً إلى بعض المقاطع التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي شكّلت توثيقاً مصوراً لهؤلاء الجنود في قطاع غزة وهم يتحدثون باللغتين الإنكليزية والفرنسية وغيرهما. وقد تم تناول الأمر في الغالب في إطار ما يعرف بالجنود المرتزقة بدون أن تتم الإشارة إلى حقيقة هذه الظاهرة. في هذه المساهمة نحاول تسليط الضوء على هذه الظاهرة بكافة جوانبها وجذورها، بالإضافة إلى أبرز المعطيات التي يمكن الحصول عليها حول مشاركة هؤلاء الجنود في الحرب الحالية والقوانين الناظمة لها في الجيش والأدبيات العسكرية الإسرائيلية.
ما زالت مسألة تعطل فرع البناء في إسرائيل إلى حد كبير وبدرجة عالية تشغل العديد من الجهات ذات الصلة، وفي أولها الحكومة. وقد صدر عن مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست مؤخراً بحث بعنوان "تأثير حرب السيوف الحديدية على قطاع البناء"، وقال معدوه إن البحث أعِد قبيل جلسة خاصة في لجنة الداخلية وحماية البيئة حول موضوع "انخفاض صفقات الأراضي بسبب وضع الحرب وإسقاطات ذلك على احتياطي وأسعار الدور على المديين، المتوسط والطويل".
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من دخول الشهر الرابع، وفي ظل غياب أية إنجازات عسكرية واضحة في ما يتعلق بأهداف هذه الحرب التي وضعتها إسرائيل لنفسها (القضاء على حركة حماس واستعادة المخطوفين الإسرائيليين)، تتزايد الشكوك حول رغبة إسرائيل في تحويل الكارثة الإنسانية- غير المسبوقة- التي أحدثتها بفعل القصف والاجتياح البري والتهجير القسري الداخلي في قطاع غزة، لـ "ميزة/ أفضلية" في ظل محدودية نسبية للتفوق العسكري والاستخباري في إحداث تفوق حقيقي على الأرض.
تزايدت في الفترة الأخيرة الأنباء الإسرائيلية التي تتحدث عن اندلاع صدامات بين وزير الأمن القومي المكلف بالمسؤولية عن الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون، إيتمار بن غفير، وبين قادة الجيش ووزيرهم، على خلفية دعم بن غفير المطلق لكل عنصر عسكري أو في الشرطة، يرتكب جرائم، يتم توثيقها بالأشرطة، وتنشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل، حتى تزايد الحديث في الأجواء الإسرائيلية عن أن بن غفير وفريقه يتسببان بأضرار إعلامية فادحة لإسرائيل في الخارج. إلا أن الغائب عن هذا الصدام، بحسب ما ينشر من تقارير إعلامية، هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي من المفترض أن يكون منحازا إلى الجهاز الرسمي، وأن يدعم قادته، وهذا ما يعزز الاستنتاج بأن نتنياهو يرى في بن غفير حامية سياسية له ثابتة حتى بكل ثمن، إلا إذا وجد بديلا له، ولكن هذا ليس مضمونا على ما يبدو لنتنياهو حاليا.
الصفحة 79 من 883