منذ إعلان حالة الحرب ولغاية 17 كانون الثاني الحالي قامت إسرائيل بتعديل وسنّ 32 قانونا و77 من التعليمات والأنظمة، يتعلق عدد منها مباشرة بالسجون وبالمعتقلين المصنفين أمنيين من الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني، ومَن اعتقلتهم من غزة وصنفتهم كـ"مقاتلين غير شرعيين". العديد من القوانين والقرارات التي اتُخِذت والممارسات ضد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين لا يتماشى مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي وقعت إسرائيل عليها وتلك الملزمة لها، حيث تنتهك حقوقاً أساسية لهم مما يضعهم في خطر تعرضهم للتعذيب، الاختفاء القسري أو الموت.
تتطرق هذه الورقة إلى الوضع في السجون منذ إعلان حالة الحرب، حيث قامت مصلحة السجون بجملة من التضييقات وصرحت بأنها قلصت شروط المعيشة للأسرى الأمنيين للحد الأدنى، قرار وافقت عليه محكمة العدل العليا. شهدت الفترة ارتفاعاً غير مسبوق في عدد حالات وفاة الأسرى بظروف غامضة وصل عدد المعلن عنهم إلى سبعة في غضون ثلاثة أشهر. دلّت التقارير على تعرض بعضهم لعنف مبرح ووجود كدمات وكسور على أجسادهم. تستعرض الورقة تعديلات قانونية تعكس الوضع القائم. فيما يتعلق بمعتقلي غزة قام الكنيست بتعديل في قانون المقاتلين غير الشرعيين (تعديل رقم 4 وقانون ساعة- السيوف الحديدية)- 2023؛ فيما يتعلق بالأسرى الأمنيين من الضفة والقطاع والداخل تم: (1) إقرار قانون مؤقت حالة طوارئ اعتقالية (تعديل في قانون أنظمة مصلحة السجون)؛ (2) سن أنظمة طوارئ (السيوف الحديدية) (لقاء معتقل أمني مع محام) (تعديل في القانون الجنائي (صلاحيات إنفاذ القانون والاعتقال)).
للتوضيح: التعديلات القانونية المذكورة هي عبارة عن أنظمة طوارئ مؤقتة. تمت إضافتها كبنود في قوانين قائمة. يتم تفعيل هذه البنود وتصبح سارية المفعول مع إعلان حالة طوارئ كحالة الحرب.
المعتقلون من غزة
قانون المقاتلين غير الشرعيين (2002). ماهية القانون
منذ إعلان حالة الحرب اعتقلت إسرائيل عدداً كبيراً جداً من فلسطينيي غزة. في جلسة علنية عقدتها لجنة الخارجية والأمن البرلمانية بتاريخ 18.12.23 لمناقشة مقترح التعديل في القانون أكد رئيس اللجنة، النائب يولي إدلشتاين (الليكود)، أنه "حين سن القانون العام 2002 لم يتوقع أحد أن يصل عدد المعتقلين غير الشرعيين إلى آلاف كما يحدث اليوم". يستدل من محضر الجلسة (رقم 114)، أن عدد المعتقلين من غزة وصل إلى قرابة 2000 منهم 1700-1800 اعتقلوا من داخل غزة نفسها (كما صرح النائب موشيه سعادة من حزب الليكود)، وممكن أن يرتفع. وبين ممثلو وزارة العدل والنيابة العامة أن الغالبية اعتقلوا ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من غزة وأنهم غير ممثلين قانونياً وممنوعون من لقاء محام. كما جاء في تفسير مقترح تعديل القانون أنّ هناك ضرورة لسريان مفعول الأنظمة للمدّة المطلوبة – أربعة أشهر يمكن تمديدها- بسبب "العدد الكبير من المقاتلين غير الشرعيين". يُشار إلى أنّ هؤلاء المعتقلين يخضعون مباشرة للجيش وليس لمصلحة السجون، حيث تمنع إسرائيل حتى اليوم أي تواصل معهم ولا تُصرّح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم وحين يتم إحضارهم أمام قاض يتم ذلك من دون محام وعن طريق V.C. وشدّد ممثل النيابة العسكرية على أنّ ما يميّز هذه الشريحة كون أفرادها مقاتلين غير شرعيين كأسرى الحرب ولا نيّة لإعادتهم مع نهايتها، وعليه فالمسار الذي يمرون به خلال اعتقالهم في النهاية ليس المسار القانوني المعروف.
المقاتلون غير الشرعيين وفق القانون الاسرائيلي - المصدر القانوني لهذا التعريف
جاء في البند الأول للقانون (القائم من 2002) أنّ هدفه هو "ترتيب أمر اعتقال المقاتلين غير الشرعيين والذين لا يستحقون معاملتهم كأسرى حرب بشكل يتماشى مع التزام إسرائيل بتعليمات القانون الدولي الإنساني". من المهم التنويه أنّ القانون الدولي في حالة الحرب يتعامل مع مجموعتين بشريتين: المقاتلين والمدنيين، ولا يشمل مُصطلح "مقاتلين غير شرعيين". يتم تصنيف أسرى الحرب وفق اتفاقية جنيف الثالثة وتلزم الاتفاقية الدولة الآسرة بأن تعاملهم بصورة إنسانية وعدم تعذيبهم والاهتمام بحاجياتهم من غذاء وعلاج وأمان وإجراءات عادلة والإبلاغ عن وقوعهم في الأسر والسماح للصليب الأحمر بزيارتهم. ومع انتهاء حالة الحرب ضمان عودتهم لبلادهم. تتحدث اتفاقية جنيف الرابعة عن المدنيين ووجوب حمايتهم في حالة الحرب. بالتالي أوجدت إسرائيل مصطلح "مقاتلين غير شرعيين" كي تعفي نفسها من واجب حماية حقوق من تعتقلهم سواء كمدنيين أو كمقاتلين، وتنتهك بذلك الإجراءات العادلة المطلوبة.
يُعرِّف قانون المقاتلين غير الشرعيين، "المقاتل غير الشرعي" (بند 2) بأنّه "إنسان أخذ دورا في عمليات عدائيّة ضد دولة إسرائيل" بشكل مباشر أو غير مباشر، أو أنّه جزء من قوة تقوم بعمليات عدائية ضد دولة إسرائيل والذي لا يفي بشروط أسير حرب، كما هو مفصل في بند 4 من اتفاقية جنيف الثالثة". ممكن أن ينطبق هذا على المقاتلين الذين اعتقلتهم ومن تسميهم "النخبة" وليس على المدنيين أهل غزّة. لكن يتبين أن غالبية المعتقلين من غزة ليسوا مقاتلين بل مدنيين وضمنهم نساء ويعاملون ويصنفون كما يبدو كمقاتلين غير شرعيين ولا يحصلون حتى على حقوق المقاتلين حيث ترفض إسرائيل التصريح بأسمائهم وأماكن اعتقالهم ولا تسمح بزيارتهم. ويزداد الخوف من كونهم محتجزين بظروف لا إنسانية قاسية تصل حد التعذيب دون رقيب ودون لقاء محام ويحاكمون على أنهم مقاتلون غير شرعيين. فحتى لو كانت ظروف المعتقل ملائمة ويحصلون على حقوقهم من رعاية صحية ومستلزمات حياة، فإنّ عدم التصريح بمكان اعتقالهم وعدم السماح بزيارتهم من محامين أو ممثلي الصليب الأحمر بحد ذاته انتهاك فظ لحقوق أساسية من حقوق المعتقل المدني أو أسير الحرب وبهذا تحولوا لمخطوفين اختفوا قسرا.
أكدّت تصريحات رسميّة للناطق باسم الجيش في تقرير نشره موقع "سيحاه ميكوميت"، أنّه يتم احتجاز معتقلين في معتقل "سديه تيمان" العسكري للتحقيق والتصنيف الأولي حتى تحويلهم إلى مصلحة السجون أو إطلاق سراحهم ومن يتبين أنّ لا ضلع له في القتال يتم إعادته لقطاع غزة. أي أن معتقلين مدنيين يمرون بهذا المعتقل سيء الصيت كما سنفصل لاحقا وهذا بحد ذاته انتهاك مقلق.
تعديل في قانون المقاتلين غير الشرعيين (تعديل رقم 4 وقانون ساعة- السيوف الحديدية)، 2023- انتهاك فظ لحقوق المعتقلين ينافي المواثيق الدولية
التعديل القانوني الذي تم إقراره يوم 18.12.23 عبارة عن إقرار أنظمة طوارئ بطبيعتها مؤقتة تم دمجها في القانون الأصلي – قانون المقاتلين غير الشرعيين القائم من العام 2002، على شاكلة بند إضافي هو بند 10 (أ) يتم تفعيله عند إعلان حالة حرب ويسري مفعوله مدةَ 4 أشهر ويتم تفعيل مضامينه التي تتعامل مع شروط اعتقال وحجز "المقاتلين غير الشرعيين"، وتحدد مدّة زمنية لاعتقالهم دون أمر اعتقال ومنع لقائهم بمحام وإتاحة عدم مثولهم أمام قاض. ينص التعديل[1] في بند 10(أ) (أ) على ما يلي: "تم إبلاغ لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بقرار إعلان الحرب، القيام بأنشطة عسكرية جدية أو أنشطة عسكرية أخرى بموجب بند 40(ج) من قانون أساس الحكومة، يحق للحكومة إعلان أن الحرب، الأنشطة العسكرية تُلزم بتطبيق بنود القانون المذكورة هنا بالتعديلات المطلوبة". أقرت الحكومة أن تُطبق مضامين هذه البنود بالتعديلات التي أقرت. فما هي هذه التعديلات؟
يشكل التعديل النهائي في صيغته الأخيرة، مؤشرا خطرا ووضعا صعبا في ما يتعلق بالمواعيد حيث تم تمديد رفع مدة إمكانية اعتقال شخص دون إصدار أمر اعتقال ضده من 96 ساعة إلى 45 يوماً، وتم تمديد منع مثول المعتقل أمام قاض من 14 يوماً إلى 45 يوماً، وتم رفع منع لقاء محام من 7 أيام إلى 180 يوماً. يضاف لذلك أنّه حين يُسمح للمعتقل بالمثول أمام قاض فإن ذلك يتم من خلال V.C وليس عبر حضور فعلي ودون محام. جاء في تفسير القانون أنّ الضرورة لهذا التعديل بالمواعيد والمنع هو بسبب كثرة عدد المعتقلين وخصوصية التحقيق وتعقيداته وخطورتهم.
عمليا ووفق هذا التعديل بالإمكان إخفاء شخص مدني اعتقل من قطاع غزة على يد الجيش مدةَ 45 يوماً دون أن يعرف أحد مصيره ولا مكان ولا ظروف اعتقاله ولا ما يتعرض له من تنكيل وتعذيب، ومدةَ 75 يوماً دون أن يراه قاض وفقط على أساس تعليمات اعتقال مؤقتة يصدرها الجيش دون رقابة خارجية. في هذا السياق أكدت اللجنة لمناهضة التعذيب على لسان مديرتها طال شطاينر لـ"سيحاه مكوميت": "معنى الأمر، 45 يوماً هؤلاء الأشخاص غير قائمين. يعتقلون في غزة ولا يوجد أي سجل عنهم. لا خبر أو بلاغ للعائلات. في هذه الأثناء ممكن أن يموت الإنسان دون أن يعلم أحد بذلك. وحتى لا مجال لإثبات الأمر. الكثيرون ممكن أن يختفوا هكذا"، وبينت "سيحاه مكوميت" أن "مركز الدفاع عن الفرد- هموكيد" تلقى اتصالات من عائلات 254 شخصاً من غزة تم اعتقالهم من هناك ولا تعرف العائلات مصيرهم.
إن مشاهد الاعتقال المهينة واللا إنسانية التي وصلت عبر شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام عن غزيين اعتقلوا شبه عراة بلباس داخلي فقط رغم البرد القارس وأعينهم معصوبة وأيديهم مقيدة وتمت مراكمتهم في شاحنات وبينهم امرأة، تبين لاحقا من تصريحات أمنية إسرائيلية أن من تم تصويرهم هكذا من المتماثلين مع حماس كانوا بمعدل 10-15% فقط أي أن البقية من المدنيين. يضاف لذلك تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن كيفية وجوب التعامل مع المعتقلين. كل هذا يجعلنا نتوقع أن المعتقلين يتعرضون لشتى أصناف التعذيب. ورغم أن الجيش تراجع في روايته الإعلامية بعد نشر تلك الصور والضغط الدولي على إسرائيل وامتنع عن نشر صور معتقلين شبه عراة، فهذا ليس مؤشرا بالضرورة على تحسين ظروف الاعتقال بل ربما على إخفائها. وقد أكدت إفادات من تم تحريرهم وإعادتهم لغزة على فظاعة الظروف التي اعتقلوا بها والتنكيل الممنهج والتعذيب الذي تعرضوا له. شارك أربعة منهم أيضا بموت عدد من المعتقلين وتحدثوا عن "رحلة العذاب إلى جهنم والعودة منها". وجاء هناك "تشمل الانتهاكات المنهجية ضد المعتقلين: ربط للجدار ساعاتٍ طويلة، ضرب بكافة أنحاء الجسد، إطفاء سجائر على رقابهم وظهورهم، تقييد وتعصيب عيون طيلة ساعات النهار. قيام جنود بالتبول عليهم واستعمال ضربات كهربائية ضدهم، بصق داخل فمهم، منع النوم عنهم، منع الطعام والذهاب للمرحاض واضطرارهم للتبويل على أنفسهم".
في ظل هذا الوضع وما ينشر من معلومات يزداد القلق على مصير المعتقلين والخوف من اختفائهم القسري، ومن تعرضهم للتعذيب والموت وعدم معرفة مصيرهم. إنّ عدم اعتراف إسرائيل بمن تعتقلهم كأسرى حرب واستعمالها قانون المقاتلين غير الشرعيين ضد مدنيين بالتعديلات القانونية المذكورة يجعلها تخرق بشكل منهجي ومستمر حقوق المعتقلين وما يلزم به القانون الدولي في الحق بعدم التعرض للتعذيب والحماية من الاختفاء القسري، والحق في لقاء محام والمثول أمام قاض والإجراءات العادلة.[2]
اعتقالات الغزيين مستمرة وتتكثف حيث ارتفعت نسبة المعتقلين لغاية كانون الثاني 2024 إلى 150% وصل عددهم وفق ما نشر نقلا عن مصلحة السجون إلى 661 ولا يشمل العمال الذين تواجدوا عشية الحرب في البلاد. في حين لا يُعرف عدد المعتقلين في معتقل "سديه تيمان" التابع للجيش. لا تفصح إسرائيل بمعلومات عنهم ومكان وظروف احتجازهم سواء الموجودين بمعتقلات الجيش أو بسجون مصلحة السجون. لكنها مؤخرا وافقت على تحويل معلومات للصليب الأحمر عن 60 منهم اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر من داخل غزة. كون توقيعها على اتفاقية جنيف يلزمها بذلك كما جاء في التماس "هموكيد" للمحكمة العليا. يشار إلى أن الوزير بن غفير يعترض على هذه الموافقة بينما نوهت المستشارة القانونية بأن ذلك لا يصب ضمن صلاحياته. حتى الآن لم يتم تحويل المعلومات.
مُعتقلات غزة- عزل كليّ واختفاء قسري
تحدثت عدد من المحررات من سجن الدامون[3] في إطار الصفقة لوسائل الإعلام عن وصول قرابة عشر معتقلات إلى السجن اختطفن من غزة ولم يتم السماح للمعتقلات الأخريات من التواصل معهن وتم عزلهن بقسم خاص وكما يبدو بظروف صعبة لا يعرف أحد مصيرهن وبأي وضعية يتم احتجازهن. يبدو أن عدد المعتقلات من غزة في ارتفاع متزايد حيث أفاد بيان من كانون الأول عن "احتجاز 142 أسيرة من النساء والفتيات من غزة بينهن مسنّات" وأنه "وفق المعطيات المتوفرة، فإن الأسيرات محتجزات في عدّة سجون، منها سجنا (الدامون وهشارون)"، وغطت صحيفة "هآرتس" خبرا نقلا عن الهيئة عن أوضاع الأسرى والغزيين بينهم تحدث عن 150 معتقلة من غزة نجحت بمعرفة اسم 51 منهن لاحقا.
معتقلو "النخبة"- زنازين تحت الأرض وظروف التعذيب
من تم تصنيفهم بـ"النخبة" من المعتقلين في سجون تابعة لمصلحة السجون بعد إنهاء التحقيق معهم، معزولون عن باقي الأسرى الأمنيين في أقسام خاصة بعزل تام ويعاملون معاملة قاسية جدا. صرحت كاتي بيري- مفوضة مصلحة السجون- بأنه يتم إبقاؤهم مقيدين حتى داخل الزنازين، ودلّت فيديوهات الزيارة التي قام بها بن غفير للسجن والإرشاد الذي أعطته المفوضة للصحافيين والصور التي تم نشرها أنه يتم اقتيادهم وهم مقيدو الأيدي للخلف ومقيدو الأرجل بالسلاسل ورؤوسهم مخفضة للأسفل وظهورهم محنية بضغط من يد السجان خلال سيرهم وإبقاءهم في وضعية ركوع على ركبهم ورؤوسهم للحائط وحراستهم المشددة برفقة كلاب ويتم إسماع "هتيكفا" في الخلفية. قال بن غفير في تصريحاته أثناء الجولة للصحافيين إن "عليهم ألا يروا نور الشمس، وهكذا يجب أن يكون سجنهم بالوضع الأدنى من الشروط". وأضاف "أدعم مفوضة مصلحة السجون التي تعاملهم بقسوة". طالب بن غفير المفوضة بالعمل بسرعة فائقة لإعادة فتح قسم "ركيفت" في سجن نيتسان في الرملة لتحويل معتقلي حماس إليه وقام بجولة تفقدية هناك. يشار إلى أن هذا القسم أغلق من سنوات بسبب ظروفه القاسية ويقع تحت الأرض ولا يصله الضوء وزنازينه صغيرة جدا. ربطت المفوضة إمكانية السماح بزيارة الصليب لهم في ردها بالسماح للصليب بزيارة المخطوفين الإسرائيليين في غزة أولا.
أما معتقلو"سديه تيمان" فلا تصرح الدولة بظروف اعتقالهم ولا بعددهم وتبين تعرضهم كما نشر في "هآرتس" للعنف والتنكيل من قبل الجنود كما يحلو لهم دون رقيب وقد أدى التعذيب لوفاة عدد من معتقلي "سديه تيمان". وذكر المحررون لـ"سيحاه مكوميت" هذه المعلومات. بينما أكد الناطق بلسان الجيش وفاة عدد من معتقلي غزة في المعتقل لكنه رفض أن يعقب أو أن يفصّل أكثر من ذلك.
معتقلو الضفة والقدس الشرقية والداخل الفلسطيني- سياسة الحد الأدنى:
تعديل قانون أنظمة مصلحة السجون (حالة طوارئ اعتقالية)- (قانون مؤقت - السيوف الحديدية) (2023)
قامت الحكومة الإسرائيلية يوم 16.10.23 بتقديم مقترحها (رقم 1658) لتعديل قانون أنظمة مصلحة السجون (حالة طوارئ اعتقالية)- (قانون مؤقت - السيوف الحديدية) ليتماشى مع حالة الحرب والطوارئ التي يتوقع - كما جاء في مقترح القانون- أن تستمر وأن يرتفع خلالها عدد المعتقلين بشكل كبير والحاجة لتهيئة السجون لذلك. بناء عليه أعلنت مصلحة السجون يوم 17.10.2023 عن حالة طوارئ في السجون، وأكدت المفوضة "على تقليص شروط المعيشة للمصنفين أمنيا للحد الأدنى المطلوب حسب القانون" وأن "ما كان سابقا في سجون الأمنيين لن يكون بعد اليوم" في إشارة للتضييق عليهم. بعدها بيوم أُقر التعديل في قانون أنظمة مصلحة السجون (تعديل رقم 64)، ويسري مدة 3 أشهر قابلة للتجديد.
سمح التعديل إضافة بند 19 ك (أ) للقانون القائم من العام 1971، والذي يتيح لوزير الأمن القومي[4] إعلان حالة طوارئ اعتقالية وضمنها إجراء تغييرات في أوضاع السجون تشمل: زيادة عدد المعتقلات، تقليص الحيز المعيشي[5] وعند الضرورة سحب الأسرّة من المعتقلين وجعلهم ينامون على فرشات على الأرض. [6]
يعيش الأسرى في السجون بوضعية ما يسمى "القفل"، إغلاق وعزلة تامة تطبيقا لسياسة الحد الأدنى، تبعتها سلسلة خطوات تقييدية، فأغلقت السجون أمام الزائرين ومنعت زيارات الأهل ومندوبي منظمة الصليب الأحمر، وحددت وقيدت زيارة المحامين وألغيت زياراتهم تحت مسمى "حالة الطوارئ" وألغيت إمكانية إحضار المعتقلين للمثول أمام القضاة وجرت جلسات المحاكم عبر V.C. كل هذا جعل إمكانية معرفة ما يجري داخل السجون معدومة ودون أي رقيب.
أدى التعديل القانوني لأزمة اكتظاظ في السجون وتجاوز معدل السعة في السجون وزيادة عدد الأسرى على نفس المساحة الأصلية والتي هي 3 أمتار مربعة للأسير وهي أصلا متدنية وأقل من الحد الأدنى الدولي الذي يتراوح في الدول الاوربية بين 6-12 متراً.
وصل عدد المعتقلين والمساجين الكلي (يشمل الجنائيين) وفق مصلحة السجون نفسها إلى 19100 بينما الحد الأقصى للاستيعاب هو 14500،[7] ومع بداية شهر كانون الثاني 2024 كان بينهم 8600 مصنفين أمنيين زيادة أكثر من 3500 عما كان عشية السابع من أكتوبر.
قامت مصلحة السجون بسحب كل مستحقات الأسرى التي حصّلوها على مر السنين. تم إلغاء الكانتينا- إمكانية شراء مواد غذائية، وتمت مصادرة حاجياتهم وممتلكاتهم، قطعت عنهم الكهرباء طيلة ساعات النهار، تم سحب الأجهزة الكهربائية وإلغاء الفورة- الخروج للساحة وتقليصها إلى نصف ساعة يومية، وتقليص إمكانية الاستحمام وغيرها من التضييقات.
أنظمة طوارئ "السيوف الحديدية" (لقاء معتقل أمني مع محام)- 2023
قامت الحكومة وفق صلاحيتها بالاعتماد على بند 39 من قانون أساس الحكومة بسن أنظمة طوارئ (السيوف الحديدية) (لقاء معتقل أمني مع محام)، تتيح تعديلاً في القانون الجنائي (صلاحيات إنفاذ القانون والاعتقال) طيلة فترة سريان أنظمة الطوارئ. يحدد بند 2 في أنظمة الطوارىء التعديل المطلوب في بند 35(ج) و(د) من القانون الجنائي الذي يتحدث عن لقاء المعتقل بمحام. يسمح التعديل بتمديد مدة منع لقاء معتقل أمني بمحام مدة تصل بالحد الاقصى إلى 90 يوماً من يوم الاعتقال. في هذا انتهاك صارخ لحق أساس من حقوق المعتقل والإجراءات العادلة.
حولت هذه التضييقيات حياة الأسرى داخل السجون إلى جحيم. كما وصلت من خلال جلسات المحاكم لاحقا إفادات عن تعرّض الأسرى للضرب المبرح والإهانة الجسدية والنفسية وصلت حد التعذيب وشهادات عن عنف ممنهج وثّقتها مؤسسات حقوقية ومحامون قدم عدد منهم شكاوى وقدم عدد من المؤسسات الحقوقية التماسا للمحكمة العليا طالبت فيه بإلغاء الموانع الجارفة ونشر سياسات مصلحة السجون المتبعة في حالة الطوارئ علناً وحذّرت من أن الإجراءات الجارفة حولت ظروف الحياة بالسجن للا إنسانية قاسية ومهينة، وتطرق الالتماس إلى شهادات عن حالات اعتداء وعنف ممنهج ولم تنف مصلحة السجون في ردها[8] أنها قلصت للحد الأدنى حقوق الأسرى وألغت أموراً تتعلق بالحياة اليومية وسوّغت ذلك بغايات أمنية منشورة على موقعها يوم 25.10.23، اعتبرت بعضها رفاهيات وليس حقوقا أساسية فسمحت بسحبها. للأسف قبلت المحكمة ادعاءات الدولة ورُفض الالتماس ولم تر المحكمة ما حاول الملتمسون طرحه أن هناك سياسة جارفة وإجراءات قمعية وانتهاكا صارخا لحقوق الأسرى حتى الأساسية منها.
يضاف لحالات العنف الممنهج التي تم الإبلاغ عنها، الإعلان عن وفاة سبعة أسرى[9] فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، اثنان في سجون عسكرية تخضع للجيش، وخمسة في سجون تابعة لمصلحة السجون، وثلاثة من الخمسة في سجن مجيدو. وأكد تقرير صادر في صحيفة "هآرتس" وبناء على تقرير الطب الشرعي وجود كدمات وكسور على اثنين من جثامين الأسرى الذين تم تشريحهم. شمل التقرير إفادات من أسرى ومحررين عن حالات العنف.
مع رفض الالتماس الذي تقدمت به المؤسسات الحقوقية واستمرار التبليغ عن حالات عنف ممنهج يصل حد التعذيب بعثت المؤسسات الحقوقية برسالة للمستشارة القانونية للحكومة ومفوضة مصلحة السجون أرفقتها بـ 19 حالة عنف أكدت فيها أن "كمية الحالات وتوزيعها الجغرافي يؤديان للشك في أن الحديث ليس عن حالات عرضية من قبل بعض السجانين وإنما عن ظاهرة ممنهجة"، طالبت فيها بإصدار أمر بمنع سياسة العنف الممنهج وإجراء تحقيق ورفع مستوى الرقابة الخارجية على السجون وإتاحة زيارة مراقبين وفتح المجال لكافة المحامين لزيارة موكليهم في الأقسام والسجون الأمنية، وتجديد زيارات الصليب الأحمر. جاء رد مصلحة السجون مجددا ليفند الادعاءات ويؤكد أنها تقوم بواجبها وتفحص كل حالة بعينها ورفضت ادعاء المؤسسات من تخوف المشتكين من ذكر اسمهم وتفاصيلهم خوفا من الانتقام.
*****
في ظل الواقع الصعب واستمرار حالة الطوارئ داخل السجون والأوضاع الصعبة والقاسية اللا إنسانية التي تصل إلى حد التعذيب التي يمر بها الأسرى والمعتقلون ومع فقدان الأسرى كل إمكانية للدفاع عن أنفسهم والحصول على إجراءات عادلة، تزداد المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسات الحقوقية والمحامين في رفع صوت الأسرى والمطالبة بزيارتهم للاطلاع على أوضاعهم، كونهم الوحيدين القادرين على زيارتهم رغم كل التضييقيات المفروضة على هذه الزيارات، خاصة مع استمرار منع الصليب الأحمر والعائلات من الزيارة وعدم قيام المؤسسات ذات صفة الرقيب بذلك.
إن التعديلات القانونية والقوانين التي سنت تنتهك الحقوق الأساسية للمعتقل كما تضمنها المواثيق الدولية وتضع المعتقلين في خطر حقيقي. في حالة معتقلي غزة الذين عُرّفوا على أنهم مقاتلون غير شرعيين على الرغم من أن غالبيتهم من المدنيين وبينهم النساء، فإن الإجراءات الصارمة المتبعة من إمكانية اعتقال مدةَ 45 يوماً دون أمر اعتقال ومنع لقاء محام حتى 6 أشهر تضعهم في خطر حقيقي، ليس انتهاك حقوق أساس وكرامة وتعذيب بل في خطر الموت والاختفاء القسري بدون أن يعلم أحد بمصيرهم كونهم غير مسجلين في سجل مكشوف يمكن الاطلاع عليه ومعرفة مصيرهم.
(*) جنان عبده: محامية وناشطة في مجال حقوق الأسرى وقضايا التعذيب.
[1] سبقه تعديل يوم 13.10.23 أنظمة طوارئ (السيوف الحديدية) (تحديد مواعيد/أزمنة للتعامل مع المقاتلين غير الشرعيين أثناء الحرب أو فعاليات عسكرية)؛ يوم 11.12.23 تم نشر مقترح القانون والذي يضمن تغييرات في بند 10 أ المذكور.
[2] نذكر منها: اتفاقيات جنيف الثالثة- كيفية معاملة أسرى الحرب والرابعة- كيفية معاملة المدنيين أثناء الحرب وضرورة الرقابة القضائية؛ واتفاقية مناهضة التعذيب؛ والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري؛ وقواعد نيلسون منديلا للتعامل مع السجناء؛ واتفاقية لاهاي المنظمة لقوانين الحرب وجرائم الحرب؛ والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ وإتفاقية روما بند 8(6) يعرف جرائم الحرب وبند 7(هـ) يعرف جرائم ضد الإنسانية.
[3] ينظر مقابلة متلفزة مع : عهد تميمي- قناة الميادين، مريم س- قناة العربي، لمى خاطر- قناة الجزيرة (30.11.23).
[4] كما جاء في مقترح القانون قراءة أولى.
[5] أي أقل من 3 أمتار للفرد . قرار المحكمة العليا في التماس (رقم 1892/14) قدمته جمعية حقوق المواطن حول مساحة المعيشة للأسير رفع الحد الأدنى من 3 أمتار للفرد الى 4 أمتار، وتم استثناء زنازين الشاباك وإبقاؤها في حيز 2 متر. لكن الدولة طالبت بتأجيل تطبيق القرار لغاية 2027، ووافقت المحكمة على ذلك. قرار المحكمة إياه استثنى معتقلي الشاباك من قرار التوسيع حيث أن مساحة الزنازين هناك تعادل 2 متر أصلا وقبلت المحكمة بحينه ادعاء الدولة أن هذا لحاجات التحقيق. نوهت في مقال سابق بأن حجم الزنزانة في هذه الحالة يتحول الى أداه إضافية من أدوات التعذيب.
[5] حول أمر الاكتظاظ بالسجون وشروط المعيشة منذ إعلان الحرب قدمت جمعية حقوق المواطن وأطباء لحقوق الإنسان واللجنة لمناهضة التعذيب التماساً للعليا (رقمه 7650/23- والذي تم رفضه).
[7] ورد في مقدمة تفسير القانون أنه وفق معطيات مصلحة السجون فإن عدد المعتقلين والسجناء (الجنائيين) والأسرى ككل في السجون الإسرائيلية وصل يوم السادس من تشرين الأول الى 16353 وارتفع الى 16802 يوم 12 منه، بينما السعة المتاحة وفقا للقانون هي بالحد الأقصى 14500. وجاء هناك أنه "على ضوء الارتفاع البارز في عدد المعتقلين في السنتين الأخيرتين تعاني السجون من الاكتظاظ الكبير، وهذا لا يفي بالشروط القانونية للمساحة الاعتقالية". والحديث عما قبل السابع من أكتوبر.
[8] في ردها على الالتماس رقم 23/7753 وكما ورد في قرار المحكمة.
[9] الأسرى السبعة هم: عمر دراغمة، عرفات حمدان، عبد الرحمان مرعي ، ثائر أبو عصب، رجا سمور، ماجد زقول، عبدالرحمن البحش.
المصطلحات المستخدمة:
مصلحة السجون, هآرتس, لجنة الخارجية والأمن, دورا, هتيكفا, الليكود, الكنيست