مرت 38 عاماً على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، ومع مرور كل عام تجد إسرائيل أعذاراً وحججاً جديدة لتبرير استمرار احتلالها، مرة مستندة إلى أعذار أمنية ومرة أخرى إلى أعذار دينية قومية.
مثلها مثل جميع الاحتلالات "المتنورة" التي سبقتها، تحاول إسرائيل أن تجد إطاراً قانونياً لعملها ولترتيب علاقتها مع الشعب الخاضع للاحتلال، وفي الغالب يكون رجال القانون في خدمة رجال السياسة لتقديم المشورة والعون القانوني لقوننة الاحتلال وإضفاء الشرعية على ممارساته.
الصهيونية هي حركة التحرّر الوطني للشعب اليهودي، ودولة إسرائيل هي التجسيد السياسي لها. كانت إسرائيل رمزاً للحرية ومصدر افتخار ليهود الشتات. لكن سوء معاملة إسرائيل للفلسطينيين حوّلها عائقاً وعبئاً أخلاقياً بالنسبة إلى الفئة الليبرالية في المجتمع اليهودي. حتى إنّ بعض اليهود، لا سيما في اليسار، يذهبون إلى حدّ ربط سلوك إسرائيل بموجة العداء الجديد للسامية حول العالم.
من الصور المحفورة في الذاكرة: أريئيل شارون في الكنيست. الضوضاء تعمّ المكان. أعضاء الكنيست يتراكضون، صراخ من كل حدب وصوب. الخطيب على المنصة يلوّح بذراعيه، يذمّه ويشتمه. شارون يجلس لوحده إلى جانب طاولة الحكومة. وحيد. بلا حراك. ضخم ثقيل والاكتراث قليل. لا تتحرك أية عضلة من عضلات وجهه. حتى ولا تلك العرّة (تقلّص لا إرادي في عضلات الوجه) التي كانت ذات مرة إشارة تميّزه (حيث كان يعتبرها الكثيرون نوعا من كاشف الكذب). صخرة في بحر هائج.
تعاني مواطنة العرب في إسرائيل من نقائص كثيرة جدًا، إلى درجة أنّه يمكن تعريفها بالتأكيد على أنها "مواطنة درجة ب بالمُمارسة"، وذلك على الرغم من عدم وجود أي قانون ينص على ذلك صراحة. ومع ذلك، فإنّه من الممكن أن تقلب العاصفة المتوقع هبوبها في الأشهر القريبة القادمة هذه الوضعية لـ"مواطنة منقوصة"، من وضعية "ممارسة" (دي فاكتو)، إلى وضعية "نصية مرجعية" (دي يورا). ففي أثناء عملية فك الارتباط، والرد الشعبي اليهودي عليها، يمكن للسلطة في إسرائيل أن تشعر، خلال السنة أو السنتين القادمتين، بأنها تفقد قاعدتها الشرعية في نظر قسم ضئيل، لكن ريادي، من الجمهور اليهودي، وسعيًا نحو إرضاء هذا القسم يمكن أن تقود هذه السلطة خطوات تشريعية تؤدّي بدورها إلى تثبيت وضعيّة المواطنة من الدرجة الثانية للعرب.
الصفحة 717 من 859