المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1969

بقلم: يورام شفايتسر *

 توفي مؤخرًا د. جورج حبش، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ترأس حبش ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في إبان سنوات ازدهار الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد شكل حبش في حينه خصما لياسر عرفات ولا سيما في كل ما يتعلق بالناحية الأيديولوجية. غير أن المساهمة الأساسية لحبش كزعيم للجبهة الشعبية تمثلت في نقل "الإرهاب" الفلسطيني إلى الساحة الدولية. فقد قرر حبش بواسطة شريكه في إقامة الجبهة ورئيس ذراعها التنفيذية د. وديع حداد- وكلاهما طبيبان فلسطينيان مسيحيان- تغيير إستراتيجية عمل منظمتهما بشكل خاص والحركة الفلسطينية المقاتلة بشكل عام، عبر شن حملة إرهاب عالمية. وبحسب المنطق الفكري الذي وجههما فإن القضية الفلسطينية لا تحظى بالاهتمام المطلوب نظراً لأن التعاطي معها يتم باعتبارها قضية لاجئين وليس كقضية وطنية تتطلب حلاً وطنيا. لذا قرر حبش وحداد تصدير المشكلة الفلسطينية إلى خارج حدود فلسطين والعمل بواسطة "إرهاب استعراضي عشوائي" على فرض أجندتهما، أو بلغتهما "دسها إلى حلق العالم" بحيث لا يعود بإمكان هذا العالم تجاهل معاناة الفلسطينيين ومأساتهم. 

 

وهكذا انطلقت الجبهة الشعبية بقيادة حبش نحو شن حملة إرهاب عالمية واسعة بدأت باختطاف طائرة تابعة لشركة "إل عال" الإسرائيلية إلى الجزائر في تموز 1968، وبلغت ذروة مؤقتة عقب اختطاف عدد من الطائرات التابعة لشركات ملاحة جوية بريطانية وأميركية وسويسرية إلى مطار الزرقاء في الأردن وتفجيرها بعد إنزال ركابها على الأراضي الأردنية أمام عدسات وسائل الإعلام والتلفزة العالمية. هذا الحدث كان من الأسباب الرئيسة التي أفضت في نهاية المطاف إلى اندلاع أحداث "أيلول الأسود" في الأردن، وذلك بعدما اضطر العاهل الأردني (الراحل) الملك حسين إلى الرد بحزم على تحدي الجبهة الشعبية بشكل خاص والفصائل الفلسطينية بشكل عام، لسيادته وسيادة بلده.

 

في الواقع نجح حبش وحداد في مهمتهما الرامية إلى لفت انتباه العالم إلى القضية الفلسطينية وإن كان ذلك بصورة سلبية في البداية، كذلك نجح الزعيمان في أن يشكلا نموذجا يحتذى من جانب منظمات فلسطينية أخرى، ومن ضمنها أيضاً حركة "فتح"، التي شنت بدورها حملة إرهاب عالمية جوية وغير جوية استمرت حتى الثمانينيات.

 

بعد ذلك أدرك حبش، الذي كان قائدا سياسيا أيضا، أن عليه، إلى جانب استخدامه للإرهاب كوسيلة ناجعة، الاستجابة لطلب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي دعي في سنة 1974 لإلقاء خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة كممثل معترف به للشعب الفلسطيني، لتقليص الإرهاب. كما أدرك في مرحلة لاحقة أن أفضلية اللجوء المكثف للإرهاب العالمي أضحت أقل من جدوى هذا الإرهاب. وقد أفضى قرار حبش بتقليص أنشطه منظمته على هذا الصعيد إلى نشوب خلاف بينه وبين وديع حداد الذي تمسك بمواصلة العمليات الإرهابية في الساحة العالمية، وهو ما أدى إلى انشقاق حداد وأفراد جهازه التنفيذي عن الجبهة، ليواصلا تنفيذ هجمات إرهابية بالتعاون مع منظمات إرهابية أجنبية.

 

في سنة 1978 لقي د. حداد حتفه في عملية اغتيال مدبرة من قبل إسرائيل، حسبما ذكرت تقارير نشرت مؤخراً.

 

وعلى الرغم من أن حبش أصبح بمرور السنوات ومع تقدمه في العمر أقل تنفيذاً وتأثيراً في قيادة منظمته فعليا، إلا أن روحه ظلت تخيم على الجبهة الشعبية وتلهم نشاطاتها، خاصة في الأراضي الفلسطينية، حيث ساهمت الجبهة بشكل فعال في العمليات المسلحة وشارك أعضاؤها في تنفيذ هجمات انتحارية فضلاً عن قيامهم بقتل الوزير رحبعام زئيفي في القدس.

 

إجمالاً فإن مساهمة طبيب الأطفال، جورج حبش، لن تذكر في مجال تخصصه المهني بالذات، وإنما في مساهمته السلبية في التاريخ كمن أرسى أسس الإرهاب الدولي المعاصر، الذي رأى في ضرب ومهاجمة الملاحة الجوية المدنية هدفاً ذا أولوية من أجل دفع أجندة سياسية دون أي اعتبار للثمن ولهوية الضحايا. وقد حظيت هذه النظرية بمزيد من التطوير على يد جهات إرهابية أخرى تحركها أيديولوجية معاكسة تماما للأيديولوجية الماركسية- اللينينية التي عملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش، باسمها.

 

_____________

 

* رئيس "مشروع الإرهاب" في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات