قدّرت أوساط اقتصادية، رسمية وخاصة، في إسرائيل، أن مجمل الخسائر الاقتصادية في الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب على لبنان تجاوزت ملياري دولار، من بينها 400 مليون دولار على الصرف العسكري، وقرابة 600 مليون دولار ستدفعها الحكومة كتعويضات.
يدعي مؤيدو الحرب الإسرائيلية على لبنان ومنتقدو "مغامرة" المقاومة المزعومة بأن هذه الحرب عادلة وشرعية، فهي ليست إلا رداً على خرق السيادة الإسرائيلية المتمثلة في اجتياز مقاتلي حزب الله للخط الأزرق وأسر جنديين إسرائيليين.
تصاعدت في الأسبوعين الأخيرين حملة التحريض الإسرائيلية على قادة الفلسطينيين في إسرائيل، وبشكل خاص ضد أعضاء الكنيست العرب، من الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين، نظرا لموقفهم المناهض للحرب العدوانية الإسرائيلية على الشعبين اللبناني والفلسطيني. وقد أعلن عدد من أعضاء الكنيست العرب تلقيهم تهديدات مباشرة على حياتهم. وتقود هذه الحملة شخصيات سياسية بارزة، ومن بينهم وزراء في الحكومة ذاتها.
كما حذر ضابط الأمن في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) أعضاء الكنيست العرب من الكتل الثلاث من الدخول إلى مناطق يهودية، دون تبليغ مسبق.
وكانت الحملة ضد النواب العرب قد تصاعدت مع اشتداد العدوان على لبنان والمواقف المناهضة للحرب التي اتخذوها. ووصلت ذروة المواجهة بين النواب العرب والإجماع الصهيوني حول الحرب في جلسة الكنيست الصاخبة، التي جرت في الأسبوع الماضي، غداة الكشف عن مجزرة قانا، حين تصدى النواب العرب لوزير الدفاع عمير بيرتس، وقالوا له انه "قاتل"، و"مجرم حرب".
وكان تصرف رئيسة الكنيست داليا ايتسيك، بمنتهى العصبية، حيث أخرجت النائبين إبراهيم صرصور وطلب الصانع من الجلسة، وفي وقت لاحق تم إخراج النائب جمال زحالقة، حين تصدى لزعيم الليكود بنيامين نتنياهو.
وإيتسيك توجهت بشكوى إلى لجنة السلوكيات البرلمانية لإبعاد النائب د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، عن 10 جلسات برلمانية، بحجة انه قال لزعيم حزب الليكود المعارض، بنيامين نتنياهو "أنت ملاك موت" في الجلسة البرلمانية الصاخبة.
وفي تعقيبه على الشكوى، قال د. زحالقة لـ "المشهد الإسرائيلي": إن رئيسة الكنيست تتصرف بدوافع الانتقام السياسي بعيداً عن الموضوعية المطلوبة في إدارة جلسات الكنيست. هي لم تقل كلمة واحدة ولم تعترض على أقوال الوزير روني بار أون الذي انفلت بشتائم قذرة ضدي وضد عائلتي مستعملاً تعبير "أفعى ابن أفعى". الشكوى التي قدمتها ايتسيك هي محاولة لكم افواه معارضي الحرب وسفك الدماء.
وأضاف د. زحالقة أن ايتسيك، وبدلا من أن تتصرف كرئيسة للكنيست، لجأت إلى أساليب متحزبة، لتنسجم مع الأجواء المعادية لكل صوت يطلق صرخة ضد الحرب.
أما بالنسبة لفحوى الشكوى فقال د. زحالقة: "إن من يدعو إلى توسيع الحرب وسفك الدماء ويزرع الموت فإنه يتصرف كملاك للموت، ومن هنا فإن التعبير الذي استعملته ضد نتنياهو (وهو ينطبق على غيره) هو تعبير دقيق ونحن مستمرون في نضالنا وإسماع صوتنا ضد هذه الحرب القذرة والإجرامية".
وقد سبقت تلك الجلسة اعتداءات ومحاولات اعتداء على النواب العرب، إذ تعرض النائب عباس زكور من الحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي، لمحاولة طعن من قبل ثلاثة يهود من اصل روسي في مدينة عكا، لكونه عربيا. كما تعرض النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، لسلسلة اعتداءات من متطرفين يهود خلال مظاهرتين في تل أبيب وحيفا، وفي الثانية توجه له شرطي بالزي الرسمي متمنيا له أن تسقط قذائف الكاتيوشا عليه.
كذلك فقد امتلأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمقالات تحريض على النواب العرب، ومجمل قيادة الفلسطينيين. وكانت أبرز مقالات التحريض تلك التي كتبها المعلق السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت. ففي مقال موجه للنائب أحمد طيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير، الذي زعم انه صديقه، وجه مصطلحات نابية لثلاثة نواب عرب. فقد وصف النائب بركة بـ "الأزعر"، والنائب طلب الصانع، من الحزب العربي الديمقراطي بـ "الحقير"، والنائب الدكتور عزمي بشارة، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، بأنه "طابور خامس".
وقال النائب د. طيبي ردا على هذه التطورات "إن التهديدات التي تلقاها هي تعبير عن غضب الجمهور على جميع أعضاء الكنيست العرب، وباقي المعارضين للحرب". وقال "يهاجمونني بصورة متخلفة، وبالشكل الأكثر كذبا وإجراما، كل ما يقوله أعضاء كنيست آخرون يتم نسبه لي، وكل ما قاله آخرون يتم وضعه على لساني، وكل هذا بسبب اعتراضي على الحرب، يريدون جعلي جزءًا من الإجماع حول الحرب، ويريدون أن ارقص على طبول الحرب وأنا أقول لا".
وقال النائب محمد بركة، في حديث لـ "المشهد الإسرائيلي"، إن هذه حملة مستمرة منذ سنوات، "ونستطيع القول منذ عشرات السنوات، منذ أن كانت في الكنيست كتلة الحزب الشيوعي وحدها تمثل الفلسطينيين في إسرائيل، ومن ثم الجبهة الديمقراطية، فقد كان نوابنا طول الوقت يواجهون حملة عدائية شرسة لأن خطابهم خارج السياق الصهيوني، واليوم مع تطور الإعلام، فقد أصبحت هذه الحملة تأخذ أشكالا جديدة، وأصبحنا نرى كل عضو كنيست من الكتل الصهيونية لم ينجح في الظهور في الإعلام، يوجه غضبه نحو نواب الكتل الناشطة بين جماهيرنا الفلسطينية، سعيا للوصول إلى الإعلام".
وتابع بركة قائلا: لكن هذا لا يعني التقليل من شأن هذه الحملة المسعورة، وقد علّمت التجربة أن اليمين الفاشي لا يتوقف عند إطلاق التصريحات، بل إنه أيضا يرتكب جرائم، فنحن في هذه الأيام نحيي الذكرى الأولى لمجزرة شفاعمرو، التي أسفرت عن سقوط أربعة شهداء وجرح آخرين، وارتكبها إرهابي يهودي مستوطن.
واضاف بركة: في هذه الموجة الجديدة من التحريض انضم نواب يعتبرون أنفسهم على يسار الخارطة، وعلى ما يبدو لم يتعلموا من تجربة أن ما يبدأ عندنا كتحريض سرعان ما يصل إلى مواقعهم، مثل جريمة اغتيال نشيط السلام إميل غرينتسفايغ، أيضا على خلفية موقفه من الحرب على لبنان في العام 1982، ثم إغتيال إسحق رابين.
وفي حديث لـ "المشهد الإسرائيلي"، قال النائب الدكتور عزمي بشارة، رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، إن حملة التحريض هي حملة متوقعة ولكنها ثمن بسيط مقابل ما يجري في الضفة وغزة وما يعانيه لبنان. وأضاف: كنا نود أن نفيد أكثر من حملة تحريض علينا، لكن حملة التحريض الإسرائيلية لها أهمية سياسية لأنها تنم عن حملة هستيرية حربجية فاشية، وثانيا أنها محاولة إسقاط الإحباطات العسكرية في الجبهة على عدو داخلي هو نحن.
وتابع د. بشارة قائلا إن في هذه الحملة أيضا "فشة خلق" إسرائيلية وهستيرية في أجواء الحرب، ولهذه الحرب أهمية سياسية لأنها تعتبر محاولة لاستغلال انعدام حرية التعبير وانعدام التعددية في الإعلام المجند في الحرب، من اجل تصفية حسابات مع عرب الداخل، فيما يتعلق بوضعهم المدني في وطنهم، وباعتقادي أن هناك من يحاول إعداد مخططات سياسية خطيرة حول مكانة عرب الداخل، ومبادرات لتشريعات سياسية عنصرية ضدنا.
وقال د. بشارة: على الرغم من كل ذلك فمن واجبنا كأبناء هذا البلد أن نؤثر على الرأي العام وأن نقول رأينا بوضوح في ما يتعلق بالحرب ومجمل السياسة.
وقال النائب طلب الصانع لـ "المشهد الإسرائيلي" إن "تبليغات" ضابط الكنيست هي نتيجة لحملة التحريض على ممثلي الجماهير العربية، وكأن هؤلاء هم المسؤولون عن التدهور الأمني، إنهم يحاولون تصدير الأزمة في الشارع اليهودي إلينا، ليس نحن من بدأنا الحرب، إننا ندفع أيضا ثمن هذه الحرب التي بادرت إليها حكومة إسرائيل.
وأضاف الصانع أنه تسلم الكثير من التهديدات من يهود على خلفية حملة التحريض، وأنه وجهها إلى الجهات المختصة في الكنيست.
نشرت منظمة بتسيلم يوم الأربعاء 27/9/2006 تقريراً عن تبعات وآثار قصف محطة توليد الكهرباء في غزة بتاريخ 28 حزيران 2006.
الصفحة 569 من 1047