وثائق إسرائيلية: بن غوريون اقترح ضم غزة
اضطرت إسرائيل، في أعقاب اتفاقيات وقف إطلاق النار في العام 1949، إلى الانسحاب من رفح في جنوب قطاع غزة وبيت حانون في شمال القطاع، بعد أن احتلتهما في حرب العام 1948. وبذلك بقي القطاع تحت حكم مصر. وكانت التقديرات في إسرائيل في حينه أنه لا يوجد لديها أي احتمال للسيطرة على القطاع وإخراج مصر منه.
ووفقا لمقال نشره المؤرخ والصحافي الإسرائيلي، شلومو نكديمون، في صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة الماضي، استنادا إلى وثائق في أرشيف الدولة الإسرائيلي وباحثين إسرائيليين، فإن "مملكة شرقي الأردن طالبت بشمل القطاع، الذي يمتد على مساحة 340 كيلومترا مربعا، في أراضيها. وعبر الملك عبد الله عن أمله بأن تمنع إسرائيل مصر من البقاء في غزة". وبعث الملك الأردني برسالة إلى رئيس حكومة إسرائيل الأول ووزير الدفاع، دافيد بن غوريون، قال فيها إن "الأردن يرى بميناء غزة المخرج الوحيد إلى البحر المتوسط. وفي وقت لاحق، وخلال محادثات وقف إطلاق النار مع الأردن، عبرت إسرائيل عن أسفها للتنازل عن القطاع لمصر".
وأضاف نكديمون أن ثمة سببا آخر لتعبير إسرائيل عن أسفها وهو "التخوف الداهم" من الوجود العسكري المصري في غزة، والذي تم تصويره على أنه "تهديد استراتيجي مباشر" على إسرائيل. وقد تعززت هذه الخشية عندما تشكلت في القطاع، في أيلول العام 1949، ’حكومة عموم فلسطين’ برئاسة المفتي الحاج أمين الحسيني، بدعم مصري.
ودفع التخوف من مصر بن غوريون إلى وضع اقتراح، اعتبر بموجبه أن عدد اللاجئين في القطاع أقل من التقديرات الأميركية والبريطانية والمنظمات الإنسانية، التي أشارت إلى أن العدد الإجمالي للاجئين بلغ 800 ألف، فيما اعتبر الإسرائيليون أنهم أقل بثلث من هذا العدد، وأن 150 ألف لاجئ موجودون في القطاع، وأنه سوية مع السكان المحليين يبلغ عدد سكان القطاع 200 ألف.
وأضاف اقتراح بن غوريون أنه إذا كانت مصر لا تريد سكان القطاع، فإن "إسرائيل مستعدة لأخذ القطاع، والسماح للاجئين بالعودة إلى بيوتهم". ويعني هذا الاقتراح أن بن غوريون وافق على مضاعفة عدد الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد النكبة، وحتى أكثر من ذلك. ووافق بن غوريون على أن تسمح إسرائيل للأردن بعبور حر إلى ميناء غزة.
وطرح بن غوريون فكرته أمام المندوب الأميركي في لجنة الأمم المتحدة لبلورة اتفاقيات وقف إطلاق النار بين إسرائيل والدول العربية، مارك اتريدج، في 18 نيسان العام 1949. "ورأى اتريدج بذلك خطوة تصالحية من جانب الزعيم الإسرائيلي، الذي رفض بشدة حتى ذلك الحين مطلب الأمم المتحدة بالسماح بعودة اللاجئين إلى بيوتهم". وبعد أربعة أيام أبلغ بن غوريون مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى بالاقتراح الذي قدمه إلى اتريدج.
وبعد ذلك اجتمع مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، فولتر إيتان، مع اتريدج، في 19 أيار العام 1949، وأبلغه بصورة رسمية "استعداد إسرائيل الحصول على غزة" وبعد ذلك بعشرة أيام قدم إيتان الاقتراح نفسه إلى رئيس اللجنة التي تبلور اتفاقيات وقف إطلاق النار. وقال إيتان إن "هذا إثبات على مدى استعداد إسرائيل للذهاب بعيدا من أجل حل المشكلة... ولا شك في أن أي خطة أخرى لن تسمح لإسرائيل باستيعاب عدد كبير كهذا من اللاجئين".
من جانبه قال اتريدج إن اللجنة الدولية تتوقع أن تسمع حول عدد اللاجئين الذين توافق إسرائيل على استيعابهم في حال عدم تسليم القطاع لإسرائيل. وفي 4 حزيران أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة توافق على ضم قطاع غزة إلى إسرائيل في إطار التسوية الإقليمية النهائية، شريطة أن تسبق ذلك مفاوضات ثنائية وتنتهي بموافقة مصرية كاملة. واشترطت الولايات المتحدة موافقتها بالحصول على ضمانات إسرائيلية باستيعاب جميع سكان القطاع كمواطنين متساوي الحقوق بإشراف الأمم المتحدة. وبعد ذلك بأربعة أيام، بحسب الوثائق الإسرائيلية، وضعت واشنطن شرطا جديدا يقضي بأن تسلم إسرائيل أراضي لمصر مقابل قطاع غزة.
ووفقا لنكديمون فإن الدول العربية رفضت البحث في الاقتراح الإسرائيلي، وطرحت سؤالا بواسطة اتريدج، مفاده "إذا كانت إسرائيل مستعدة لاستيعاب لاجئي غزة، فلماذا لا تستوعب نفس العدد من اللاجئين من دون الحصول على القطاع؟".
وعبر وزير الخارجية المصري عن أسباب رفض مصر للاقتراح الإسرائيلي، بقوله لاتريدج إنه إذا كانت الأمم المتحدة قد فرضت على إسرائيل استيعاب لاجئين، فإن إسرائيل تطالب الآن بضم القطاع كشرط مسبق لتنفيذ التزامها. كذلك عبر الوزير المصري عن خشيته من أن تسكن إسرائيل اللاجئين في صحراء النقب ولا تسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم وقراهم.
معارضة داخل إسرائيل
لبن غوريون
وتبين الوثائق التي استعرضها نكديمون أنه كانت هناك معارضة شديدة في إسرائيل لاقتراح بن غوريون، إذ أن وزير الخارجية الإسرائيلي، موشيه شاريت، "بذل كل ما بوسعه من أجل إفشال الاقتراح". وتستعرض البروتوكولات الإسرائيلية اعتبارات بن غوريون وشاريت، علما أن غالبية الوزراء عبرت عن موافقتها على اقتراح بن غوريون في اجتماع الحكومة الذي عقد في 3 أيار العام 1949.
وكانت اعتبارات بن غوريون، كما دونها في مذكراته، كالتالي: أولا، أهمية شاطئ قطاع غزة؛ ثانيا، التربة الجيدة من أجل إقامة قرى صيادين ستؤتي بثمار اقتصادية وقيمة أمنية؛ ثالثا، استقرار الفصل بين إسرائيل ومصر التي تشكل خطرا عسكريا كبيرا في البر والبحر؛ رابعا، إن لم تحصل إسرائيل على القطاع، فإن بإمكان الأردن أن يحظى به.
وفي المقابل، كانت اعتبارات شاريت، وفقا لمحضر جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، كالتالي: أولا، الزيادة البشرية في قطاع غزة سترفع عدد الأقلية العربية في إسرائيل بـ 300 ألف نسمة؛ ثانيا، سيطالب لاجئون كثيرون من الذين سيعودون من خلال ضم غزة بالعودة إلى الأماكن التي نزحوا منها؛ ثالثا، اللاجئون سيسكنون في أنحاء جنوب البلاد وحتى مدينة الرملة؛ رابعا، الأقلية العربية في إسرائيل تواجه مشاكل لم يتم التغلب عليها "والآن يريدون إضافة عرب". وأيد الرجل الثاني في قيادة الجيش الإسرائيلي، اللواء يغئال يدين، موقف شاريت وأعلن أنه "لو كان قطاع غزة بأيدينا، فإن هذه كارثة".
واعتبر اتريدج، الذي تحمس لاقتراح بن غوريون، أن مصر ليست مهتمة بحكم غزة، وأن ضمها لإسرائيل هو الاقتراح المناسب. كذلك رأى الدبلوماسي الأميركي أن اقتراح بن غوريون من شأنه أن يحل قضية أخرى وهي تطبيق قرار الأمم المتحدة بأن تستوعب إسرائيل قسما من اللاجئين الفلسطينيين.
واستمر شاريت في معارضة هذا الاقتراح، وحذر خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية، في 21 حزيران العام 1949، من أن ضم القطاع لإسرائيل قد يؤدي إلى طرح اقتراح مواز يقضي بتسليم مصر أراضي في منطقة إيلات. لكن نكديمون أشار إلى أن بن غوريون أصر على اقتراحه.
بعد ذلك بيومين، ادعى شاريت أنه في حال التوصل إلى اتفاق حول ضم قطاع غزة إلى إسرائيل، فإنه سينشأ تحالف مصري – لبناني – سوري – أردني بدعم جهات فرنسية وبريطانية، سيعمل من أجل دفع عشرات آلاف اللاجئين إلى "الهروب" إلى إسرائيل. وأيد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، آبا إيبان، موقف شاريت وقال إن "الولايات المتحدة ليس فقط أنها تريد أن تثقل على كاهل إسرائيل عددا أكبر من اللاجئين، وإنما تتطلع إلى إعادة فتح النقاش الإقليمي حول النقب واجتزاء مناطق منه لصالح مصر". وبعد أقوال إيبان بدأ بن غوريون يتراجع عن اقتراحه.