"المشهد الإسرائيلي" - خاص
رأى وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، إن على إسرائيل الامتناع عن خوض حروب أو على الأقل إرجائها إذا أمكن، لأن "الجانب الآخر"، سواء أكان هذا حزب الله أو إيران أو حتى حماس، سيوجه ضربات صاروخية باتجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وقال باراك في مقابلة مطولة أجرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت ونشرتها اليوم، الجمعة – 2.5.2008، "إننا مستعدون بصورة أفضل من أي مرة في الماضي، حتى لاحتمال اشتعال عدة جبهات في آن واحد. رغم ذلك، فإن الجانب الآخر اكتشف في السنوات الأخيرة القدرة على ضرب جبهتنا الداخلية. وهذا يعيدني إلى الأمر نفسه، وهو أنه يتوجب منع الحروب".
وقال باراك إن "إسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة كلها. رغم ذلك يتوجب استخدام هذه القوة بصورة عقلانية. فالحرب ليست نزهة. يجب منع الحروب. وإذا لم يكن بالإمكان منعها، يتوجب إرجاؤها. وإذا ما فُرضت حرب علينا، يجب أن نكون مستعدين لأن ننتصر بسرعة، وبشكل واضح، على أرض العدو ومن دون إلحاق أضرار بالجبهة الداخلية". ولم يُخف باراك أنه بأقواله هذه كان يوجه انتقادا لأداء إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية.
ووعد باراك بإعادة الهدوء إلى جنوب إسرائيل ووقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. لكنه قال "في نهاية المطاف أنا لست مقتنعا أنه بالإمكان التوصل إلى حل من دون عبور طريق تفعيل القوة. لسنا فرحين بالعودة إلى غزة، لكننا لن نخشى ذلك. وإذا أرغمنا الواقع سنفعل كل شيء يتوجب فعله من أجل تحقيق الهدوء. لكننا لا نتحدث هنا عن حل بضربة واحدة وحسب. فهذا امتحان آخر على الدولة النجاح فيه". وأضاف أن "هناك أمورا كثيرة نفعلها، لكني لا أعتقد أن بإمكاننا الحديث عنها بالتفصيل. ورغم ذلك فإنه صحيح القول إننا لا نرى النتائج. يجب الاستمرار في هذا العمل المنهجي حتى تتحقق النتائج، ومن الجائز أن تكون في الطريق عمليات تصعيد أخرى".
وعقب باراك على التقارير التي تتحدث عن تسلح حماس وتزايد قوتها العسكرية قائلا إنه "لقد كنا في قطاع غزة وعندما كنا هناك كانت لديهم صواريخ قسام وحتى أنهم كانوا يعملون على تقوية أنفسهم. ربما سنضطر إلى العودة لغزة. وعلينا أن نكون مستعدين لذلك. هذا تطور محتمل. وعندما نقرر تحرير زر الأمان (للسلاح) والعمل، فإن العملية العسكرية لن تبدو مثل حرب لبنان الثانية" التي لم تشمل اجتياحا بريا واسعا.
"ملتزم بمحاولة التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين"
من جهة أخرى، قال باراك "إني ملتزم جدا بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين وأنا أؤيد ذلك بشدة". وفي رده على سؤال حول أنه اتخذ مؤخرا مواقف يمينية ضد اتفاق مع السلطة الفلسطينية، ادعى باراك "أعتقد أني الشخص الوحيد الذي لا يتوجب عليه أن يثبت أنه مستعد للذهاب بعيدا جدا والمخاطرة على الصعيد الشخصي والسياسي، من أجل منح فرصة لهذا الأمر". لكنه اعتبر أن "هناك فروقا في الأمور التي أرى أنه يتوجب التأكيد عليها كونها نابعة من مسؤولياتي. فالقيادة السياسية تتحمل مسؤولية حماية هوية دولة إسرائيل (أي اليهودية) وتحقيق واقع دولتين للشعبين. إلى جانب ذلك أنا مسؤول عن أمن مواطني إسرائيل والترتيبات الأمنية وبصورة طبيعية فهذا أنا الذي يؤكد أكثر من غيره على هذه المبادئ".
وتابع باراك أنه "عندما يكون هناك شريك (فلسطيني) ونشعر أن بإمكاننا أن نسير معه نحو اتفاقات، سنضطر لاتخاذ قرارات حيال تنازلات مؤلمة. لكن ليس من الصواب أن نبحث اليوم في تنازلات كهذه. ومجرد التداول في ذلك بتسرع وسطحية لا يفيد... وأعتقد أنه في كل جيل يوجد شركاء (فلسطينيون) لديهم قيود وأفضليات".
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس شريكا للتوصل إلى اتفاق سلام معه أم لا قال باراك "هو شريك بكل تأكيد. فحكومة إسرائيل، وأنا شريك مركزي فيها، تجري مفاوضات معه". وأضاف أن لدى الفلسطينيين "شخصا هو الآخر ليس كاملا متكاملا لكن هذا هو الرجل الذي انتخبوه رئيسا لهم. ومعه تُجري حكومة إسرائيل مفاوضات وهكذا يجب أن تسير الأمور".
من جهة ثانية قال باراك "نحن لا نتحدث مع حماس. هذه منظمة دموية، يقول قادتها علنا إن لديهم أوامر من السماء بالقضاء على دولة إسرائيل وقتل اليهود". وأضاف "لكن رغم ذلك هناك موضوعان نتحدث حولهما مع حماس بصورة غير مباشرة. موضوع (الجندي الإسرائيلي الأسير في القطاع) غلعاد شاليت ومواضيع إنسانية في غزة".
ورفض باراك الأفكار التي يطرحها وزراء إسرائيليون، خصوصا الوزير بنيامين بن اليعازر المقرب منه، بخصوص إطلاق سراح القيادي في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي. وقال "أنا لا أشعر بتعاطف مع الانفعال الذي يثيره موضوع البرغوثي. فهذا شخص فرضت عليه محكمة إسرائيلية خمسة أحكام مؤبدة لقتله يهودا".
"اتفاق مع سورية ليس قبل اتفاق مع الفلسطينيين"
وتطرق باراك إلى حزب الله قائلا إنه "عندما انسحبنا من لبنان في العام 2000 كان لديه ستة آلاف أو سبعة آلاف صاروخ، لكن كان لدينا ست سنوات من الهدوء. وعندما اندلعت الحرب في العام 2006 كان لديهم 14 ألف صاروخ. والآن لديهم 40 ألف صاروخ تصل إلى هنا (مقر وزارة الدفاع في تل أبيب) وإلى ديمونا (في جنوب إسرائيل). إذاً علينا التوقف عن التفكير في كيف نوجه ضربة لحماس وإطلاق سراح البرغوثي وأن لدينا اتفاق سلام. وأنصح بأن نركز على مجالات بمقدورنا التأثير فيها ومساعدة كل الجهات الإيجابية في المنطقة".
وفيما يتعلق باستئناف المفاوضات بين إسرائيل وسورية قال باراك إنها لن تبدأ من النقطة التي توقفت فيها محادثات شيبردزتاون في العام 2000. ورأى أن "أمورا كثيرة تغيرت منذئذ. سورية كانت حينئذ بدون العلاقة مع حزب الله، إيران لم تكن في الخلفية، حماس لم تكن في غزة وكان هناك زعيم سوري آخر. لكن عندما يصل أي رئيس حكومة، من اليمين أو اليسار، إلى اللحظة التي يجري فيها الحديث عن سلام حقيقي، يشمل ضمانات لإسرائيل، لن يتم ذلك من دون دراسة تنازلات مؤلمة. وتوجد لدى إسرائيل مصلحة من الدرجة الأولى لإخراج سورية من دائرة العداء".
وقال باراك إن اتفاق سلام مع سورية لن يكون قبل اتفاق مع الفلسطينيين. "فنحن الآن في مفاوضات مع الفلسطينيين ولن يكون صائبا إنشاء وهم حتى، بأنه فجأة تغير مُحاورنا. وأنا أحلم بوضع ننجح فيه في الحديث مع العالم العربي المعتدل كله".
وأضاف باراك أنه "لا توجد مفاوضات مع سورية بعد. هناك تلمس مواقف واتصالات هدفها فحص إمكانية التوصل إلى عقد لقاء مع السوريين. يُفضل لقاء سري، لكن بمشاركة أشخاص رفيعي المستوى ليتسنى استيضاح كيفية رؤية كل جانب للأمور. ثمة أهمية لاستيضاح ذلك قبل الدخول في مفاوضات لأن كلا الجانبين سيدفع ثمن فشل".
ونفى باراك تقارير تحدثت عن أنه عارض مهاجمة الطيران الحربي الإسرائيلي للمنشأة السورية في منطقة دير الزور في السادس من أيلول الماضي. لكنه رفض الخوض في هذا الموضوع وقال إنه "ليس لدينا الامتياز بالتحدث علنا حول عمليات تم تنفيذها أو لا. لكني أكتفي بالقول إنه في دولة إسرائيل لا يمكن لأي جندي أو وحدة عسكرية أو طائرة من أي نوع بالدخول إلى مجال دولة عدو من دون مصادقة دقيقة ومفصلة لوزير الدفاع".
ويتوقع سقوط النظام الإيراني
وحول الموضوع النووي الإيراني قال باراك "إننا نفعل الكثير فيما يتعلق بإيران وهناك الكثير مما يتوجب فعله، في المجالات الاستخبارية والعقوبات الفعالة وإفشال خطوات سياسية. ونحن نقول طوال الوقت إنه يحظر إزالة أي خيار عن الطاولة وهذا يعني أن الأمر يتطلب أفعالا أيضا. لكن الأمر الوحيد الذي ليس من الصواب فعله هو التحدث في الموضوع".
ومن جهة ثانية توقع باراك أن النظام الإيراني سيسقط خلال عشر سنوات "لكني لا أعرف إن كان هذا سيحدث بعد سنة أو تسع سنوات. أعتقد أن هذا نظام غير مستقر ولا يصنع أمورا جيدة لشعبه... المجتمع الإيراني هو مجتمع شاب جدا والأجيال هناك تتبدل بسرعة. لا أعتقد أن آيات الله سيبقون هناك بعد عشر سنوات، لكن إذا لم يتم إيقافهم فإنهم قد يكونون قبل ذلك مع قدرات نووية". وفي رده على سؤال حول احتمال تنفيذ عملية عسكرية ضد إيران قال باراك "ليس لدى وزير دفاع في دولة إسرائيل الامتياز للرد على هذا السؤال. لكن كما قلت فإن دولة إسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة كلها، وأيضا في مدى 1500 كيلومتر".
وفي سياق آخر قال باراك إنه فكّر في الانسحاب من الحكومة بعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد، التي حققت في إخفاقات القيادة الإسرائيلية خلال حرب لبنان الثانية. لكنه عدل عن رأيه بعد مشاورات واسعة أجراها بهذا الخصوص. وأضاف باراك أن التعاون بينه وبين رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، جيد جدا وأنه يتم اطلاعه على كافة القضايا التي يتوجب أن يكون مطلعا عليها. وخلص باراك في ختام المقابلة إلى القول إن فكرة توحيد حزبي العمل وكديما في قائمة واحدة في الانتخابات العامة المقبلة ليست مطروحة اليوم على جدول الأعمال.