المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أفاد تقرير أعده مؤخرا مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست الإسرائيلي حول وضع التعليم في القدس الشرقية المحتلة بأن 50% من طلاب المدارس الثانوية في المدينة يتسربون من التعليم بسبب السياسة الإسرائيلية تجاه جهاز التعليم العربي والإهمال المتراكم على مدار سنوات لهذا الجهاز.

كذلك أظهر التقرير وجود نقص حاد للغاية في الغرف الدراسية في القدس الشرقية وصل في العام الدراسي الماضي إلى نقص بـ1354 غرفة دراسية على الأقل وتوقعات بأن يصل هذا النقص في العام 2010 إلى 1883 غرفة دراسية على الأقل. إضافة إلى ذلك ترفض بلدية القدس بصورة متزايدة تسجيل طلاب فلسطينيين من القدس الشرقية للمدارس بزعم عدم وجود أماكن في المدارس الموجودة.

واستعرض التقرير، الذي تم إعداده تمهيدا لمناقشته في لجنة المعارف التابعة للكنيست، الوضع القانوني المتعلق بتعلم الأولاد الفلسطينيين في القدس الشرقية وخصوصية المشاكل التي يواجهها جهاز التعليم في القدس الشرقية ومعطيات حول نسبة التسرب من المدارس والتحصيل العلمي للطلاب المقدسيين.

وأشار التقرير إلى أنه بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب حزيران 1967 قرر الكنيست تطبيق القانون الإسرائيلي في القدس الشرقية وضم 70 ألف دونم من الضفة الغربية إلى منطقة نفوذ بلدية القدس الغربية بينها 64 ألف دونم تابعة لـ28 قرية فلسطينية في الضفة الغربية ولبلديتي بيت لحم وبيت جالا وتقع خارج مسطح القدس الشرقية تحت الحكم الأردني.

ومنحت إسرائيل مكانة "مُقيم" للفلسطينيين الذين يسكنون في المناطق التي تم ضمّها إلى القدس الغربية، وهذه المكانة تختلف بصورة جوهرية عن مكانة "المواطن" لكن في الوقت ذاته تم منح الفلسطينيين في هذه المناطق حقوقا اجتماعية مثل مخصصات التأمين الوطني. ويؤكد تقرير الكنيست على أن قانون التعليم الإلزامي، الذي سنه الكنيست في العام 1949 ويقضي بتوفير التعليم المجاني لكل فتى في إسرائيل بين سن 5 سنوات و16 سنة، ينطبق على "المقيم" تماما مثلما ينطبق على "المواطن" كون نص القانون لا يميّز بين المكانتين. وبناء على ذلك فإن سلطات إسرائيل بما فيها بلدية القدس الغربية ملزمة، وفقا للقانون الإسرائيلي، بتزويد الأولاد الفلسطينيين في القدس الشرقية بخدمات التعليم. وهذا الأمر يعني أيضا إلزام ذوي الأولاد الفلسطينيين بتسجيل أبنائهم للمدارس والتأكّد من وصولهم إلى مقاعد الدراسة.

بنية جهاز التعليم في القدس الشرقية

ينقسم جهاز التعليم في القدس الشرقية إلى قسمين، يضم القسم الأول الغالبية العظمى من المدارس وهي المدارس الرسمية والمدارس المعترف بها لكنها غير رسمية وتحصل على تمويل من السلطات الإسرائيلية، فيما القسم الثاني يضم المدارس الخاصة التي لا تعترف بها السلطات الإسرائيلية ولا تتلقى تمويلا منها.

ويشير التقرير إلى أن عدد الطلاب في جميع مدارس القدس الشرقية بلغ في العام الدراسي 2005/2006 حوالي 69 ألف طالب بينهم 48572 طالبا يتعلمون في المدارس الرسمية وتلك المعترف بها لكنها غير رسمية، وهؤلاء يشكلون نسبة 44% من مجمل جهاز التعليم الرسمي التابع لبلدية القدس. رغم ذلك فإن بلدية القدس ترصد 29% فقط من ميزانية التعليم لجهاز التعليم في القدس الشرقية، الأمر الذي يشكل إهمالا صارخا بحق هذا الجهاز. ويبرز عدم رصد أموال كافية لجهاز التعليم في القدس الشرقية بوجود ثلاثة مفتشين فقط على جميع المدارس في جهاز التعليم الرسمي في القدس الشرقية. وهؤلاء هم "مفتشون عامّون" وليسوا متخصصين في مواضيع.

لكن التمييز الصارخ ضد جهاز التعليم في القدس الشرقية يظهر جليا في عدم توفير العدد الكافي من المدارس وبشكل خاص في عدم توفر العدد المطلوب من الغرف الدراسية.

وجاء في دراسة أعدها معهد القدس للدراسات الإسرائيلية وتبناها قسم المعارف في بلدية القدس أنه بحلول العام 2010 سيبلغ حجم النقص في الغرف الدراسية في القدس الشرقية 1883 غرفة. وكان تقرير سابق أعده معهد القدس للدراسات الإسرائيلية في العام 1994 قد بيّن وجود نقص في الغرف الدراسية بحجم 345 غرفة وبأن هذا النقص سيبلغ 736 غرفة في العام 1998 ما يعني أن النقص في الغرف الدراسية بين العامين 1995 و2005 ارتفع بنسبة 290%.

يشار إلى أن المحكمة العليا الإسرائيلية نظرت في مسألة النقص في الغرف الدراسية في القدس الشرقية عدة مرات من خلال التماس قدمه 117 فتى في العام 2000 بسبب عدم وجود أماكن لهم في مدارس القدس الشرقية بالقرب من أماكن سكناهم. وبعد سنة أنهت المحكمة النظر في هذا الالتماس بعد أن تم تخصيص أماكن للملتمسين. وتم في العام 2001 تقديم التماس ثان حول القضية ذاتها، وتعهدت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية في أعقاب تقديمه ببناء 245 غرفة خلال 4 سنوات فيما تعهدت بلدية القدس بدفع تنفيذ المخططات لبناء هذه الغرف إلى أمام. واعتبرت المحكمة تعهد الوزارة والبلدية بمثابة قرار صادر عنها.

لكن في العام 2005 تقدمت جمعية "عير عاميم" (مدينة الشعوب) وجهات أخرى بالتماس إلى المحكمة العليا ذاتها تبين منه أن الوزارة والبلدية لم تنفذا شيئا من تعهداتهما في الالتماس السابق ما دفع الملتمسين إلى اتهامهما بتحقير المحكمة. وجاء في قرار القضاة الذين نظروا في هذا الالتماس أن "السلطات لم تنفذ تعهداتها بخصوص زيادة عدد الغرف الدراسية" مشيرين إلى أن "مشكلة النقص في الغرف الدراسية تصاعدت منذ صدور القرار السابق" عن المحكمة. وقررت المحكمة أنه على السلطات الإسرائيلية تنفيذ تعهداتها بهذا الخصوص إضافة إلى إجراء مسح لرصد احتياجات جهاز التعليم في القدس الشرقية. لكن السلطات الإسرائيلية لم تفعل شيئا حيث تم تقديم التماس آخر في العام 2006 جاء فيه أنه لم يتم حل المشكلة التي أخذت تتصاعد أكثر فأكثر.

بلدية القدس الغربية ترفض تسجيل طلاب

أدى التزايد الطبيعي في صفوف الفلسطينيين في القدس والنقص في الغرف الدراسية إلى حدوث نقص حاد في المقاعد الدراسية بحيث لم يعد جهاز التعليم قادرا على استيعاب جميع الأولاد الذين يرغبون في الدخول إلى المدارس. وأفادت تقارير صادرة عن جمعية "عير عاميم" خلال العامين 2005 و2006 بأن قسم المعارف في بلدية القدس يرفض تسجيل أعداد متزايدة من الأولاد الفلسطينيين في القدس الشرقية للمدارس. ولفتت الجمعية إلى أن البلدية لا توثق الطلبات التي ترفضها ولذلك فإنه يصعب تقدير عدد الأولاد الذين يريدون التعلم في جهاز التعليم الرسمي.

من جهة أخرى تشير تقارير قسم المعارف في بلدية القدس إلى أن هناك 69 ألف طالب يدرسون في جميع مدارس القدس الشرقية. لكن تقريرا أعدته جمعية "عير عاميم" أظهر أن عدد الأولاد الفلسطينيين في القدس الشرقية في سن التعليم هو 79 ألفا. وخلص تقرير الأبحاث في الكنيست إلى أن هذا العدد الأخير قد ارتفع منذ عامين، ما يعني أن هناك أكثر من عشرة آلاف ولد فلسطيني في القدس الشرقية ليسوا معروفين لسلطات المعارف الإسرائيلية وليس واضحا ما إذا كانوا يتواجدون في إطار تعليمي أم لا. كذلك فإن هذه السلطات لا تعرف شيئا عن وضع جهاز التعليم الخاص في القدس الشرقية ولكن هناك تقديرات لجمعيات ومعاهد أبحاث تشير إلى أن عدد الطلاب فيها يقارب الـ22 ألفا.

ولعل أخطر المعطيات الواردة في تقرير مركز دراسات الكنيست هو أن 50% من طلاب المدارس الثانوية في القدس الشرقية يتسربون من مقاعد الدراسة. وبحسب تقديرات قسم المعارف في بلدية القدس فإن قسما من الطلاب الذين تسربوا من المدارس الرسمية توجهوا للدراسة في المدارس الخاصة، لكن التقرير يؤكد أن هذا هو أمر غير مثبت. ومن أجل المقارنة فإن نسبة تسرب الطلاب من مقاعد الدراسة في الوسط اليهودي في القدس هي 4ر7% فيما أنّ أعلى نسبة تسرب في إسرائيل تم تسجيلها في قرية جسر الزرقاء وبلغت 8ر11% وذلك بحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.

وينعكس التمييز في رصد بلدية القدس الغربية الموارد لجهاز التعليم في القدس الشرقية على نسبة التسرب العالية، حيث تم توظيف ضابطي دوام مدرسي فقط لمراقبة دوام الطلاب في جميع المدارس الرسمية، التي يصل عدد طلابها إلى قرابة 50 ألفا. بل إنّ هذين الموظفين لا يعملان بوظيفتين كاملتين وإنما يعمل كلاهما معا بوظيفة ونصف الوظيفة. والجدير بالذكر أن هناك 5ر11 وظيفة ضابط دوام في القدس الغربية لمراقبة دوام الطلاب اليهود، رغم أن الطلاب العرب في القدس الشرقية يشكلون أقل بقليل من نصف العدد الإجمالي للطلاب في المدارس الرسمية في القدس كلها.

وأدى النقص الحاد في الغرف الدراسية إلى تنفيذ بلدية القدس خطوات وصفها تقرير الكنيست بأنها تأتي في إطار "إخماد حرائق" بمعنى أنها حلول مؤقتة وربما يكون ضررها أكثر من نفعها، مثل استئجار غرف غير مناسبة للتدريس وزج عدد كبير من الطلاب في الغرف الدراسية القائمة وانتهاج سياسة تعليم على ورديتين، واحدة في الصباح وأخرى بعد الظهر.

وتزعم بلدية القدس بأن أحد أسباب النقص الحاد في الغرف الدراسية في القدس الشرقية نابع من عدم توفر أراض لبناء مدارس فيها، علما أن السلطات الإسرائيلية وبينها بلدية القدس صادرت مساحات واسعة من الأراضي في القدس الشرقية من الفلسطينيين من أجل إقامة الأحياء الاستيطانية فيها.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات