كثف رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، نشاطه لإقناع أعضاء حزبه "الليكود" بوجوب دعم خطته للانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين, ملوحاً بأن غير ذلك قد يطيح بالحزب عن سدة الحكم. والتقى شارون، الأحد، ثلاثة من أركان حزبه وحكومته، وزراء الخارجية والمال والتعليم سيلفان شالوم وبنيامين نتنياهو وليمور لفنات, لحضهم على لعب دور فاعل في حشد التأييد للخطة بعد أن أعلنوا رسمياً دعمهم لها, لكن مصادر قريبة من شارون ذكرت أنه في حين أبدى هذا موقفاً ايجابياً, رفض نتنياهو ولفنات, اللذان يتعرضان لضغوط وانتقادات كبيرة في أوساط اليمين المتشدد على موقفهما, التجاوب مع شارون ( إقرأ التعليق الخاص في هذا الشأن بقلم محلل الشؤون الحزبية في جريدة "هآرتس"، يوسي فيرتر، في مكان آخر).
وكتبت صحيفة "معاريف" ان شارون, وفي حال رأى أن الفجوة بين نسبة المؤيدين والمعارضين لخطته تتضاءل أكثر فأكثر, فإنه سيستل "ورقة يوم الحساب" ويهدد أعضاء حزبه بالاستقالة من منصبه إذا فشل في تمرير الخطة ليحملهم من جديد مسؤولية التماهي مع اليمين المتطرف وقادة المستوطنين, ما سيؤدي إلى فقدان "الليكود" الحكم كما حصل في تسعينيات القرن الماضي, حين تسبب اليمين في اسقاط حكومتي اسحق شامير ونتنياهو اليمينيتين.
ويأمل شارون من خلال ادعاءاته في أن يغير اعضاء بارزون في "الليكود"، يخشون فقدان كراسيهم في الحكومة والكنيست، موقفهم ويكفوا عن المعارضة أو التردد ويعلنوا دعمهم الخطة.
وتزداد، في هذه الأثناء، التقديرات الذاهبة إلى أن تتويج أريئيل شارون سياسياً أو نعيه يبدو أمراً سابقاً لأوانه قبل ان ينجز الاستفتاء الذي سيُجرى، في الثاني من أيار/مايو المقبل، بين أعضاء "الليكود" لتحديد اتجاه خطة "فك الارتباط" سواء نحو تطبيقها او التخلي عنها. لكن آخر نتائج استطلاعات الرأي التي نُشرت يومي الجمعة والخميس، تعيد خلط الاوراق، لاسيما انها اظهرت وجود فارق ضئيل بين مؤيدي الخطة ومعارضيها. وادخل هذا الأمر القلق إلى قلوب المقربين من شارون بعدما ساد انطباع مفاده أن النتيجة باتت محسومة لصالح الخطة في أعقاب النجاح الذي حققه رئيس الوزراء الاسرائيلي خلال زيارته إلى واشنطن في تجنيد الموقف الأميركي لمصلحته، وبعد اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وما اعقب ذلك من تأييد عدد من كبار وزراء "الليكود" المعارضين لخطته، فضلاً عن التأييد شبه المضمون لها في الكنيست.
وفضلاً عن المخاوف الناشئة من تقارب نسبة المؤيدين والمعارضين بين منتسبي "الليكود"، يتخوف المقربون من شارون من استخدام المعارضين كل الاسلحة الممكنة لمنع تمريرها، لا سيما الأسلحة الدينية ـ التوراتية، وسلاح التخوين. ونقلت وسائل الإعلام العديد من الدعوات الصادرة عن كبار الحاخامات اليهود والهيئات الدينية التي تحذر من تأييد الخطة وتصف مؤيديها بأشنع الأوصاف والصفات. فقد نُقل عن الزعيم الروحي لحركة "شاس"، عوفاديا يوسف، قوله ان خطة فك الارتباط "بمثابة هدية للإرهابيين من دون مقابل". كما أصدرت لجنة حاخامات "يهودا والسامره" (الضفة والقطاع) رسالة علنية إلى منتسبي "الليكود" هاجمت فيها وزراء "الليكود" الذين أيدوا الخطة، ودعت أعضاء الحزب إلى معارضة الخطة.
وشرعت حركة "حباد" الدينية المتشددة في حملة مناهضة للخطة، متعهدة بحصول المعارضين للخطة على البركة من الحاخام ملوففيتش. كما أصدرت جمعية الحاخامين، التي تطلق على نفسها اسم "انقاذ النفس" والتي تضم نحو 300 حاخام ، بيانا شديدا ضد وزراء "الليكود" المؤيدين لخطة شارون، متهمة إياهم بالخيانة.
اما المؤشر الأكثر خطورة فتمثل في استطلاع للرأي نشرته صحيفة "هآرتس" وأظهر أن 44% من منتسبي الليكود الذين سيشاركون في الاستفتاء يؤيدون الخطة، مقابل 40% يعارضونها، وهو ما قلص الفارق إلى اقل من 4% بعدما كان الفارق وصل بداية الأسبوع إلى نحو 15% لصالح المؤيدين. وهذه النتيجة أعادت خلط الأوراق ودقت ناقوس الخطر مجددا لدى أوساط شارون، الأمر الذي دفع البعض منهم إلى الدعوة لإلغاء الاستفتاء.
ويستدل من استطلاع "يديعوت احرونوت"، الذي نشر الجمعة، ان الفارق يصل إلى قرابة 10%، فيما وصل في الاستطلاع السابق، الذي نشر في 15 نيسان الجاري، الى 22%.
وحسب الاستطلاع يدعم خطة الانفصال، اليوم 49% ، مقابل 54% في استطلاع 15 نيسان، فيما يعارضها، اليوم 39.5%، مقابل 32% في الاستطلاع السابق. وقال 11.5% انهم لم يقرروا بعد.
ويشير الاستطلاع الى ان 11% من المنتسبين الى "الليكود" غيروا موقفهم في الأيام الاخيرة، في ضوء الحملة الاعلامية الواسعة التي يخوضها المعارضون للخطة، خاصة المستوطنين الذين يقومون بزيارة بيوت المنتسبين الى "الليكود" لاقناعهم برفض الخطة.
وثمة دلالات على قدر كبير من الأهمية إلى جانب الدلالة الاحصائية، التي يحملها الفارق الضئيل بين المؤيدين والمعارضين للخطة، وتتمثل هذه الدلالات في سقوط الفرضيات الأساسية التي كان معسكر شارون يبني عليها توقعاته في ان الاستفتاء سيكون في مصلحة رئيس الوزراء.
وكانت الفرضية الأولى تفيد أن نسبة التصويت العالية ستكون لمصلحة شارون، لكن تبين من الاستطلاع أنها غير صحيحة. فعلى الرغم من أن 67% من الذين سُئلوا قالوا انهم واثقون من مشاركتهم في الاستفتاء، فإن الفارق بين المؤيدين والمعارضين لا يتجاوز 4%.
اما الفرضية الثانية فكانت تقوم على أساس أن نجاح زيارة شارون إلى واشنطن والدعم الذي تلقاه من الرئيس الاميركي جورج بوش من شأنه أن يحث المترددين على تأييد الخطة، لكن هذا الأمر لم يحصل.
والفرضية الثالثة كانت تشير إلى أن تأييد كبار الوزراء مثل بنيامين نتنياهو وليمور لفنات وسيلفان شالوم للخطة سيحسم بوضوح نتيجة الاستفتاء لصالح شارون، وهذا ما لم يحصل ايضا.
أما الفرضية الرابعة فأشارت إلى أن اغتيال الرنتيسي سيساعد بدوره على زيادة التأييد لشارون الذي سيظهر بصورة "المحارب الذي لا يتوانى عن ضرب العدو"، لكن لم يظهر أثر ذلك أيضا على نتائج الاستطلاع.
ومن هنا يرى محللون إسرائيليون ان نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة خلطت الأوراق من جديد ودفعت الجانبين المؤيد والمعارض في "الليكود"، إلى إعادة إجراء حساباتهما. وشكلت حافزا ودفعا قويا لكلا المعسكرين لمضاعفة الجهود لكسب نتيجة المعركة التي "لا يجوز الهزيمة فيها"، لا سيما أن الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات.