نقلت وسائل الاعلام الإسرائيلية، الأثنين 11/8، عن مصادر سياسية وأمنية رفيعة المستوى في القدس الغربية قولها إن إسرائيل سترد بحذر و"بصورة موضِعية" على هجمات منظمة "حزب الله" في الحدود الشمالية (مع لبنان) وسوية، لكنها، مع ذلك، "ستعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة من أجل استنفاد الإجراءات الدبلوماسية الرامية الى ممارسة ضغوط على سوريا لكبح جماح هذه المنظمة". وأضافت هذه المصادر أن إسرائيل ستمتنع، في الوقت الراهن، عن أي رد فعل "حازم" لدرء إحتمال تصعيد زائد عن الحاجة في الوضع "الامني" المتفاقم أصلاً.
وإلى ذلك كله نقلت "هآرتس" عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن "إسرائيل ترى في سوريا ولبنان وإيران جهات مسؤولة عن التصعيد، لكون هذه الدول تشجع الارهاب في الحدود الشمالية وكذلك في المناطق (الفلسطينية) من أجل تخريب الفرصة التي انطلقت لتحقيق السلام"، على حد تعبير هذا المصدر.
جاءت هذه التعقيبات في أعقاب إطلاق منظمة "حزب الله"، الأحد 10/8، صواريخ مضادة للطائرات أصابت بلدة شلومي الاسرائيلية وأدت الى مقتل فتى إسرائيلي (16 عامًا) وإصابة أربعة آخرين بجراح. كما أنها جاءت في أعقاب مشاورات حول تصاعد التوتر في الحدود الشمالية أجراها رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون، مع قيادة الجيش الاسرائيلي، وتمحورت حول طابع الرد الاسرائيلي "المطلوب اتخاذه". وذكرت الصحف الاسرائيلية الثلاث، الاثنين 11/8، أنه على رغم طرح مسألة مهاجمة أهداف سورية في لبنان على طاولة البحث فان "الجهود الرئيسية" ستنصب في "ممارسة الضغوط السياسية على دمشق من أجل أن تلجم حزب الله".
وقد أجمع المعلقون الاسرائيليون، السياسيون والعسكريون سواء بسواء، على أن ثمة جملة أسباب تقف وراء القرار الاسرائيلي الرسمي بمواصلة انتهاج ما يعرف في القاموس المتداول ازاء حالات مماثلة بـ "سياسة المجالدة" أو "ضبط النفس".
ومهما تكن هذه الأسباب فقد كان التركيز أكثر شيء، من جانب هؤلاء المعلقين، على سببين: الأول - الامتناع عن فتح جبهة عسكرية جديدة إضافة الى "الجبهة" المفتوحة مع الفلسطينيين. والثاني - عدم التورط في الساحة الدولية، التي لا تزال منهمكة باسقاطات الحرب على العراق، وبقدر أقل بخطة "خريطة الطريق" الدولية لتسوية الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني.
غير أن المعلق السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، المقرب جداً من رئيس الوزراء أريئيل شارون، يؤكد أن هناك، في العمق، سببًا آخر لا يجري الحديث عنه ويعتبر في رأيه السبب الأقوى لتفسير ما هو حاصل على صعيد الموقف الاسرائيلي من التصعيد الأخير. يتمثل هذا السبب، حسبما يقول، في كون منظمة "حزب الله" قد نجحت، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان، في إنجاز ما يسميه "ميزان الرعب" مقابل إسرائيل. وآية "ميزان الرعب" هذا، في رأي شيفر، "آلاف صواريخ الكاتيوشا ووسائط الإطلاق الأخرى المنصوبة على الحدود الشمالية والتي تغطي مراكز السكان في حيفا وضواحيها وحتى الى الجنوب منها".
ويتفق مع هذا التقييم المعلق العسكري في صحيفة "معاريف"، عمير راببورت، الذي يشير الى أن نقطة الضعف الحساسة من ناحية إسرائيل في الصراع مع منظمة "حزب الله" منذ أكثر من ثلاث سنوات، أي منذ الانسحاب الاسرائيلي من "الحزام الأمني" في الجنوب اللبناني، تكمن في "منظومة مذهلة من عشرات آلاف فوهات الصواريخ والمدافع الموجهة صوب أية نقطة في الشمال الاسرائيلي". ويضيف راببورت: "رغم أنه من غير اللطيف الاعتراف بذلك فان هذه الفوهات التي تتيح لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، الإمكانية لأن يقف في مواجهة إسرائيل باعتباره بطلاً قوميًا عربيًا حتى وهو (ضعيف)"، حسبما سارعت المصادر الاسرائيلية الى التوكيد في شبه إجماع قبل فترة قصيرة، في معرض كيل المديح للضغوط الدولية التي تخضع لها كل من سوريا وإيران من أجل الحدّ من حركاته وسكناته. علاوة على ذلك يشير هذا المعلق، الذي نشر تعقيبه تحت عنوان ذي دلالة هو "فخ لبنان"، الى أن جولة التوتر الحالية هي عملياً بمبادرة إسرائيلية صرفة. فلقد بدأ ذلك – كتب يقول - قبل حوالي عشرة أيام باغتيال علي صالح، أحد الناشطين المركزيين في "حزب الله"، الذي انفجر داخل سيارته في بيروت. وبطبيعة الحال فان إسرائيل لم تتحمل مسؤولية التصفية هذه، لكنهم في لبنان على قناعة أكيدة بأن الحديث دائر عن عملية لجهاز(الموساد) الاسرائيلي!
من ناحيته يرى تسفي بارئيل، معلق الشؤون العربية في "هآرتس"، أن "الاتفاقات" بشأن نشاط "حزب الله" بين سوريا ولبنان (وإسرائيل، بكيفية ما) كانت مطبقة تماماً في الأشهر السبعة الأخيرة حتى وقوع عملية إغتيال علي صالح، التي تزعم منظمة "حزب الله" أن في حوزتها معلومات دقيقة حول ضلوع إسرائيل في تخطيطها وإرتكابها. وقد رأت المنظمة في ذلك خرقاً إسرائيلياً لقاعدة عدم المس بأرواح مدنية في اي من الطرفين، ومن هنا فقد سارعت الى ممارسة "حق الرد" منذ يوم الخميس الماضي.
وفي رأي بارئيل فانه لا مصلحة للبنان وسوريا في "فتح معارك قتالية في هذه الجبهة القديمة – الجديدة" وذلك ليس فقط خوفاً من تهديدات إسرائيل والولايات المتحدة، وإنما لأن "تجدد العنف في الحدود الاسرائيلية - اللبنانية" لا يفيد بشيء في تحسين مكانة سوريا، إلى جهة أخذها في الاعتبار في مشاريع إعادة تأهيل العراق أو على الاقل في تجديد تدفق النفط عبر الانابيب من العراق إليها. أما لبنان فانه موجود في ذروة فترة سياحة مزدهرة.. ولهذه الأسباب، وغيرها، فان لبنان وسوريا تسعيان الآن لضمان أن لا تتجاوز منظمة "حزب الله" إطار "الاتفاقات" معهما وأن لا تملي أصول اللعبة بين سوريا والولايات المتحدة أو مسار العمليات السياسية في المنطقة.
ويعتقد بارئيل أن اللهجة التي يتكلم بها مندوبو المنظمة "تؤكد أنها تتجاوب مع هذه المساعي، جملة وتفصيلاً".