المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 2015

يؤكد رئيس الموساد الإسرائيلي السابق، إفرايم هليفي، في كتاب جديد،  أن إسرائيل لن توافق أبدا على تنفيذ خطة خريطة الطريق التي بادر إليها الرئيس الأميركي جورج بوش.

ورأى هليفي، في كتاب من تأليفه بعنوان "رجل في الظل- الأزمة في الشرق الأوسط عبر عيني من وقف على رأس الموساد" صدرت مؤخرا نسخته العبرية في إسرائيل، أن "موافقة إسرائيل على خريطة الطريق تعتبر موازية لموافقة إسرائيل على تقسيم القدس".

 

ويُعتبر هليفي، الذي أشغل منصب رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية- الموساد- بين الأعوام 1998 و2002 وبعدها منصب رئيس مجلس الأمن القومي لمدة عامين، إحدى الشخصيات المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أريئيل شارون.

 

وقال هليفي إن شارون "آمن بأن خريطة الطريق تمس بشكل كبير بالمصالح الإسرائيلية لدرجة أنه أمر بعدم التعليق عليها بتاتا، وقرر أن إسرائيل لن تتعامل مع الوثيقة بكونها أساسا للحوار".

 

وعدّد هليفي الأسباب التي تجعل إسرائيل تعارض الخطة التي أصبحت خطة دولية وأولها أنها تتعارض مع تصريح بوش لدى لقائه شارون في البيت الأبيض في حزيران 2002.

 

وجاء في تصريح بوش أنه "عندما تكون للشعب الفلسطيني قيادة جديدة ومؤسسات جديدة وترتيبات أمنية جديدة مع جيرانهم، فستؤيد الولايات المتحدة قيام دولة فلسطينية تكون حدودها وعدة جوانب من سيادتها مؤقتة إلى حين تحديدها من خلال اتفاق نهائي في الشرق الأوسط".

 

ووصف هليفي هذا التصريح بـ"الانجاز الكبير" الذي حققه شارون كونه "يرجئ الحل الدائم (للصراع) إلى أجل غير مسمى في المستقبل".

لكن خريطة الطريق التي تم الإعلان عنها لأول مرة في نهاية صيف 2002 تحدثت عن توقعات بالوصول إلى مرحلة الحل النهائي حتى العام 2005 وهو ما كان شارون يرفضه بشدة.

كذلك رفضت إسرائيل البند المتعلق بالقدس. وكتب هليفي أن "جميع رؤساء وزراء إسرائيل منذ حرب الأيام الستة (1967) تعهدوا بأن تبقى المدينة موحدة وغير مقسمة وتحت السيطرة الإسرائيلية".

 

وأضاف هليفي أن إسرائيل استهجنت ما جاء في خريطة الطريق من "مساواة بين المصالح السياسية لكلا الجانبين في القدس".   

 

واستطرد أن "هذا هو انحراف واضح عن السياسة الإسرائيلية المعلنة وموافقة إسرائيل على خريطة الطريق (تبعًا لذلك) موازية لموافقة إسرائيل على تقسيم القدس".

 

وشدّد هليفي على أن موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود باراك على دخول شارون، الذي كان رئيس المعارضة البرلمانية في حينه، للحرم القدسي في نهاية أيلول 2000، جاءت "للتعبير عن المطلب الإسرائيلي غير القابل لأي تراجع عن السيادة في القدس كلها وبضمن ذلك المنطقة التي تتواجد فيها المساجد المقدسة" في الحرم القدسي.

 

يذكر أن دخول شارون إلى الحرم أشعل الشرارة الأولى لاندلاع انتفاضة الأقصى.

 

وتكمن أهمية ما كتبه هليفي في كتابه بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ايهود أولمرت وقبله شارون أعلنا طوال الوقت أن خريطة الطريق هي الخطة السياسية الوحيدة المطروحة وأن إسرائيل لن توافق على أية خطة أخرى وذلك في وقت ترفض فيه إسرائيل نفسها هذه الخطة.

 

كذلك فإن أولمرت كان قد أعلن عشية الانتخابات الإسرائيلية العامة الأخيرة عن نيته تنفيذ "خطة التجميع" الأحادية الجانب لترسيم حدود جديدة لإسرائيل تسيطر من خلالها على مزيد من الأراضي في الضفة الغربية.

 

وبعد سلسلة زيارات بدأها في الولايات المتحدة ومصر والأردن وعدد من الدول المركزية في أوروبا واستمع خلالها لمعارضة المجتمع الدولي لخطوات أحادية الجانب وللمطالبة بالتفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن أولمرت أنه سيمضي في خريطة الطريق وفي حال لم يجد "شريكا للسلام" في الجانب الفلسطيني فإن إسرائيل "ستأخذ مصيرها بيديها" وتتوجه لتنفيذ خطوات أحادية الجانب.

 

وأشار هليفي في كتابه في هذا السياق إلى أنه "اعتقدت عندها وما زلت أعتقد اليوم أيضا بأن جعل خريطة الطريق أداة لفرض حل للصراع يحمل بذور الصراع القادم وليس فجرا جديدا للسلام"، ما يعني أن إسرائيل تفضّل المواجهة على التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين من خلال خريطة الطريق.

 

الجدير بالذكر أن هليفي عمل مع خمسة رؤساء وزراء في إسرائيل هم: إسحق شمير وإسحق رابين وبنيامين نتنياهو وايهود باراك وأريئيل شارون وكان مقربا منهم جميعا.

 

وأكد هليفي أن جميع رؤساء الحكومات الإسرائيليين يتخذون القرارات فيما يكون نصب أعينهم اعتبار واحد أساسي وهو "ليس فقط اتخاذ القرارات الصائبة وإنما التأكد أيضا من أن يحكم عليهم التاريخ بشكل صحيح وبالإيجاب".

 

وأضاف أنه "عندما نريد العثور على الجذور الحقيقية لمواقف حالية لسياسيين إسرائيليين فإنه يتوجب البحث عنها في المواقف المبدئية التي بلوروها في ماضيهم البعيد.

"وحتى عندما يبدو أحيانا وكأنهم غيّروا سياستهم وعبروا الخطوط وتبنوا مواقف مناقضة تناقضا قطبيا مع مواقفهم السابقة، فإنه يتضح في نهاية المطاف بأن التغييرات كانت خطوات تكتيكية أملتها اعتبارات قصيرة المدى ولم يكن هذا تغييرا حقيقيا في الأفكار".

 

ولفت هليفي إلى أن هناك تيارا في إسرائيلي "وفيه شخصيات هامة" يقترح حل الصراع من خلال استبدال النظام الهاشمي في الأردن بكيان فلسطيني تحت شعار "الأردن هو فلسطين" مذكرا بأن هذا الشعار تبناه شارون.

 

ويتحدث هليفي بإسهاب في كتابه عن العلاقات الحميمة التي كانت تربطه بالعاهل الأردني الملك حسين على مدار سنوات طويلة وأنه أقنع رئيس الوزراء رابين بالتوقيع على معاهدة سلام مع الأردن في الوقت الذي كان رابين يركز على المفاوضات مع سورية في أعقاب مؤتمر مدريد للسلام.

 

وبعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذها عملاء الموساد الإسرائيلي بحق القيادي في حماس خالد مشعل من خلال دسّ السم في جسده قال هليفي إن مبعوثين إسرائيليين "بينهم مسؤول في الموساد كان الملك يحبه كثيرا" لم ينجحوا في إقناع الملك حسين بالسماح لأفراد الموساد الذين لجأوا إلى السفارة الإسرائيلية في عمان بمغادرة الأردن وأن وحدة عسكرية أردنية كانت تستعد لاقتحام السفارة الإسرائيلية.  

 

وأضاف هليفي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه بنيامين نتنياهو طالبه بالعودة لإسرائيل من مهمة في الخارج لكي يتوجه إلى الأردن ويقنع الملك حسين بحل الأزمة بين الدولتين. وتمكن هليفي من حل الأزمة بعد أن تم الاتفاق على إنقاذ حياة مشعل من خلال مادة تبطل مفعول السم وإطلاق سراح زعيم حماس الشيخ أحمد ياسين من السجن الإسرائيلي.

 

على صعيد آخر يتناول هليفي سعي إسرائيل إلى إقامة علاقات وطيدة مع دول في العالم بينها دول في أفريقيا وشرق آسيا. وأوضح أن الإستراتيجية الإسرائيلية في هذا الصدد تقضي "بإقامة وتنمية تفاهمات وتحالفات مع دول وثقافات ليست إسلامية أو أنها كانت في حالة صراع أو تعارض مصالح مع دول مجاورة أقامت علاقات مع دول إسلامية متطرفة أو مع مجموعات متطرفة وليست دولا".

 

ولفت إلى أنه "في سنوات الـ70 والـ80 وبداية الـ90 بحثت إسرائيل ووجدت شريكة مفيدة هي جنوب أفريقيا" التي حكمها المستعمرون البيض ومارسوا فيها نظام التفرقة العنصرية ضد السكان الأصلانيين السود.            

 

من جهة أخرى يتطرق هليفي في كتابه إلى علاقاته مع عدد من الشخصيات التي تمسك بمقاليد الحكم في إسرائيل وخصوصا المستشار الخاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي دوف فايسغلاس الذي لم يذكره بالاسم في الكتاب وإنما بلقب "الموظف".

 

وقال هليفي إن "الموظف" فايسغلاس كان المسؤول في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي دفعه، أي دفع هليفي، إلى الاستقالة من منصبه في رئاسة مجلس الأمن القومي بسبب خلافات في وجهات النظر بينهما وتسريب فايسغلاس معلومات لوسائل الإعلام لإحباط مهام كان يعمل هليفي على تنفيذها بصورة سرية.

 

ومن هذه المهام التوجه إلى دول عربية "معتدلة" لتضغط بدورها على الفلسطينيين. لكن شارون رفض توجهات هليفي هذه فيما سرّب فايسغلاس معلومات حولها إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية.

 

ويذكر هليفي في كتابه الألقاب التي أطلقها فايسغلاس على القادة الأمنيين الإسرائيليين مثل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون زئيفي فركاش، الذي لُقب بـ"المهجري" ورئيس الأركان السابق موشيه يعالون، الذي لقب  بـ"البقّار"، أي العامل في حظيرة الأبقار، ورئيس الشاباك السابق، آفي ديختر، الذي لقب بـ"الساعاتي" فيما كان لقب هليفي "المرحوم".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات