المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

معتقلو الحركة الاسلامية متهمون بتحويل أموال لحركة حماس * القيادات الامنية والسياسية الاسرائيلية: حان الوقت لـ "مواجهة مباشرة " مع الحركة الاسلامية * في موازاة الاعتقالات، المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، اليكيم روبنشطاين والمدعية العامة للدولة، عدنه أربيل، ينويان استئناف بحث موضوع إخراج الحركة الاسلامية خارج القانون * مصادر أمنية تقدّر بأنه من غير المنتظر اتخاذ قرارات فورية بهذا الصدد، وربما يدور الحديث فقط عن إخراج <<الجناح المتطرف>>، الشمالي، على القانون.

يتهيأ الجهاز الأمني الاسرائيلي للقيام بخطوات إضافية ضد الجناح الشمالي للحركة الاسلامية، على إثر اعتقال 15 من كبار الناشطين في الحركة (12-13/5). ومن بين المعتقلين أيضاً، رئيس الجناح، الشيخ رائد صلاح ومدقق حسابات الحركة الاسلامية وناشطون آخرون، من بينهم نائب رئيس بلدية ام الفحم وأعضاء مجالس محلية.

وتتعلق التهم الموجهة لنشطاء الحركة الاسلامية بتحويل اموال لمنظمات وجهات فلسطينية في المناطق المحتلة، من ضمنها حماس والجهاد الاسلامي. وفي قرار التوقيف الذي اصدرته، كتبت قاضية محكمة الصلح في تل أبيب، التي قرّرت تمديد اعتقال صلاح بـ 12 يوماً، بأن نشاطه يتمثل على ما يبدو في "تبييض أموال بشكل متقن".

وبالتوازي مع الاعتقالات ينوي المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، اليكيم روبنشطاين والمدعية العامة للدولة، عدنه أربيل، استئناف بحث موضوع إخراج الحركة الاسلامية خارج القانون. بينما تقدّر مصادر أمنية بأنه من غير المنتظر اتخاذ قرارات فورية بهذا الصدد، وربما أن الحديث يدور فقط عن إخراج <<الجناح المتطرف>>، الشمالي، خارج القانون.

ويشار الى ان حملة "عمل النمل" التي أعتقل خلالها الناشطون إنطلقت بعد منتصف ليل الثلاثاء، فور انتهاء التحقيق الذي استغرق نحو سنتين. وإقتحم حوالي الف شرطي في ساعات الفجر مكاتب الحركة وبيوت ناشطين في أم الفحم وفي بلدات أخرى في الشمال. وتقول المصادر الاسرائيلية ان جزءًا من المعلومات التي أوصلت الى الاعتقالات وصلت من مصادر مخابراتية غربية.

وقدّرت مصادر أمنية اسرائيلية بأنه من المتوقع القيام باعتقالات إضافية، فالحديث حتى الآن يدور فقط عن موجة اعتقالات أولى، كما قال وزير الأمن الداخلي تساحي هنغبي. وأضاف أنه حتى الآن عثر خلال الحملة على مواد كثيرة، ستضاف الى الادلة الأساسية للقضية. وقال أن الرسالة التي توجهها الدولة في هذه العملية هي انه <<لا يوجد أحد فوق القانون>>.

ومن الجهة الثانية يقول قادة الجماهير العربية، من جميع الحركات السياسية، أن الحديث هنا هو عن ملاحقة جمهور كامل، الأمر الذي يشكل خطرأً على العلاقات بين العرب واليهود. وفي اختتام الاجتماع الطارىء لأعضاء الكنيست العرب ولجنة المتابعة صدر "استنكار شديد"، إعتبر أن "الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عن الاعتقالات، ونحن نطالب بإطلاق سراح كل المعتقلين وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح".

وتخطط القيادات العربية لسلسلة خطوات احتجاجية في اعقاب الاعتقالات، ومن ضمنها مظاهرة ضخمة ستنطلق في أم الفحم يوم السبت القادم.

وكتبت "يديعوت احرونوت" ان وفاة والد الشيخ رائد صلاح، ادت إلى مفاقمة التوتر القائم في كل ما يتعلق باعتقال قياديي الحركة الإسلامية في إسرائيل. وانتشرت الشرطة الاسرائيلية بقوات معززة في منطقة مدينة أم الفحم خشية وقوع مظاهرات ومواجهات عنيفة خلال تشييع.

وتوفي صلاح سليمان أبو شقرا، والد الشيخ رائد صلاح، عن عمر يناهز الخامسة والسبعين. وقررت الشرطة بعد مباحثات متواصلة، السماح له ولأحد محاميه، بمغادرة مركز الشرطة لمدة أربع ساعات والعودة إليه دون مرافقة شرطية، قائلة انها محاولة <<لتخفيف الأجواء ومنع اندلاع المواجهات>>.

وكانت رئيسة محكمة الصلح في تل أبيب، القاضية عِدنا بكنشتاين، قد قررت، تمديد اعتقال الشيخ رائد صلاح، بـ 13 يومًا. وكتبت القاضية في حيثيات قرارها: "يُستدل من مواد التحقيق التي عرضت أمامي، أنه منذ أواسط التسعينيات، كان هناك نشاط مالي واسع النطاق للحركة الإسلامية مع مؤسسات إسلامية أجنبية، نـُقلت في إطاره أموال إلى نشطاء حركة حماس في الداخل وفي الضفة الغربية".

ورجحت تقديرات مصادر في الأجهزة الأمنية والقضائية الإسرائيلية، بحذر، أن هناك أدلة كافية ضد قادة الحركة الإسلامية المعتقلين، وعلى رأسهم رئيس الحركة، الشيخ رائد صلاح، لمحاكمتهم بشبهة الاتصال بمنظمات معادية. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن التحقيقات التي بدأت بعد حملة الاعتقالات ستستمر وقتـًا ما، وسيتم تقديم لائحة الاتهام ضد المعتقلين خلال أسابيع، وفق ما ذكرته مصادر أمنية اسرائيلية.

وكتبت القاضية في قرارها أن حجم النشاطات التي قامت بها الحركة الإسلامية تصاعد في السنوات الأخيرة. وقالت ان الشرطة بدأت بمعالجة الموضوع منذ آذار 2001. وأضافت أن التحقيق في القضية معقد بطبيعته، وأنه تم استكمال جمع الأدلة في الآونة الأخيرة فقط. ونوهت إلى أن المقصود عملية غسل للأموال، يبدو أنه تم تنفيذها بشكل منظم، وأن من شأن أي بديل للاعتقال أن يؤدي إلى تشويش التحقيق وإخفاء أدلة؛ ولذلك، يجب تمكين الشرطة من استكمال تحقيقها في وقت يتواجد فيه الشيخ رائد في السجن.

ويستدل من طلبات تمديد الاعتقال التي قدمتها الشرطة، أن الشبهات ضد المسؤولين في الحركة الإسلامية تشمل النشاط والعضوية في تنظيمات تم إخراجها عن القانون، مخالفات تتعلق بتنظيم غير معروف، الاتصال بعميل أجنبي، منع غسل الأموال والتصرف بأملاك ممنوعة.

وادعى الرائد عِـران كـَمين، من وحدة الشرطة القطرية للتحقيق في أعمال الغش والخداع، أن "المشتبه بهم تورطوا في نشاطات مالية محظورة". وقال "لقد حصلوا على أموال من صناديق دعم تابعة لحركة حماس، وحولوها لاستغلالها في البنية الاقتصادية المدنية لحماس. وقد تم تحويل هذه الأموال إلى جمعيات ونشاطات وتنظيمات لها علاقة بحماس، في البلاد وفي الخارج. لقد أعدّت هذه الأموال لخدمة البنية المدنية لحماس، التي تشكل أرضية خصبة للنشاطات المعادية لإسرائيل – حيث تقوم بتجنيد الانتحاريين ودعم عائلاتهم بعد تنفيذ العمليات. وتوجد بين تلك التنظيمات تنظيمات تم إخراجها عن القانون الإسرائيلي".

وأضاف الرائد كـَمين: "نحن بصدد تحقيق مركب ومتشعب ومشترك، تقوم به الشرطة وجهاز الأمن العام ("الشاباك")، منذ فترة طويلة. وهو تحقيق يضاف إلى العالم الغربي في حربه ضد التنظيمات التي تسعى إلى المساس بالنسيج الحيوي للأنظمة الديمقراطية. ونحن نريد أن نكون مثل كل الشعوب في هذه المسألة".

واكد محامو صلاح لدى سماعهم هذه التصريحات، أنها سياسية موجهة إلى الصحفيين الذين تواجدوا داخل القاعة. وقد بدأ النقاش في قضية الشيخ رائد صلاح بالاستماع إلى أقوال المرافعين عنه، الذين ادعوا أن القاضية، عِدنا بكشتاين، التي وقعت أمر الاعتقال ضد الشيخ رائد صلاح قبل أكثر من شهر (في الأول من نيسان/أبريل)، لا يمكنها أن تتولى رئاسة الجلسة والنظر في طلب تمديد الاعتقال. وصاحت القاضية بالمحامي توفيق جبارين، أحد المرافعين، وكتبت في محضر الجلسة: "كل ما يفعله المحامون إنما يهدف إلى تأخير النقاش. لقد تحدد النقاش للساعة الثالثة بعد الظهر، وقد مضى الآن ساعتان على هذا الموعد، حيث تطرح ادعاءات يعرف طاقم المرافعين الجواب عليها. فالمحكمة التي تناقش طلبات تمديد الاعتقال هي ليست تلك التي ناقشت الأدلة الأولية. إنني أرفض الادعاء بأنه لا يمكنني أن أكون القاضية التي تترأس هذه الجلسة".

القيادات الامنية: حان الوقت لـ "مواجهة مباشرة " مع الحركة الاسلامية

"الامر لا يعدو كونه "بالونا" آخر من صنع جهاز الامن العام الاسرائيلي (مخابرات "الشين بيت") والشرطة الاسرائيلية "..، هذا هو الادعاء الذي تكرر على لسان الساسة العرب في اسرائيل من مؤيدي الحركة الاسلامية ومعارضيها على حد سواء.

واعرب هؤلاء عن تقديرهم انه، وكما حصل في مرات سابقة، سرعان ما سيتضح ان الاتهامات الموجهة لرؤساء وقادة الحركة المعتقلين (الثلاثاء) ليست مدعومة بادلة كافية تتيح ادانتهم قضائيا.

وكما في كل القضايا المشابهة، تعامل قسم كبير جدا من وسائل الاعلام الاسرائيلية مع كل اتهام توجهه الجهات الامنية الاسرائيلية، كانه حقيقة دامغة، طالما كان الامر يتناول "عربا اسرائيليين" ومخالفات امنية، كما لو لكن الانطباع الذي تولد حتى الان يشير الى ان "رصيد" الجهات الامنية الاسرائيلية في هذه المرة يبدو قويا اكثر مما كان عليه في الجولات السابقة من الخلافات الموسمية التى تعتري صفوف الطبقة السياسية الحاكمة بشأن مدى شرعية الحركة الاسلامية في اسرائيل.

وفيما خلا المعلومات الاستخبارية الموجودة في حوزة جهاز "الشاباك"، والتي ينتظر الكشف عن جانب منها في القريب، فانه يمكن الاعتماد ايضا في هذا الافتراض على حجم حملة الاعتقالات الليلية التي طالت العديد من قادة الحركة. فالجهات الامنية والسلطوية الاسرائيلية لم تقدم في اي وقت على التصادم مع الحركة بمثل هذه القوة. وفي ذلك يكتب عاموس هرئيل (هآرتس 14/5): "لعل الحملة الاخيرة تدل على ان رئيس الوزراء، ارئيل شارون، وغيره من كبار المسؤلين الاسرائيليين قد توصلوا الى استنتاج بانه قد حان الوقت للمواجهة المباشرة مع الحركة الاسلامية". وكانت هذه "المواجهة" بمثابة مشكلة خلافية في اوساط صانعي القرارات في اسرائيل طوال سنوات عديدة خلت.

وانتهج رئيس جهاز مخبارات "الشاباك"، آفي ديختر، خلال السنوات الاخيرة تحولا تدريجيا في موقف جهازه، لجهة التصدي بشكل اوسع واشد حزما للحركة، او على الاقل لـ "جناحها الشمالي" الذي يعتبر "اكثر تشددا".

لماذا جرت الاعتقالات الآن بالذات؟!

يجيب عاموس هرئيل في مقاله المذكور: "احد الاسباب الرئيسية تتمثل في ازدياد عدد "العرب الاسرائيليين" المطرد – وبضمنهم عدد غير قليل من نشطاء الحركة في المراتب الدنيا - الذين جرى اعتقالهم منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية بتهمة الضلوع في هجمات مسلحة. وخلافا لما كان عليه الحال في السابق، لم يعد الحديث يدور عن مجرد "ناقلي" منفذي هجمات (الى اهدافهم داخل الخط الاخضر..)، اعتقدوا بحسن نية انهم يساعدون عمالا يمكثون بدون تصاريح في اسرائيل، بل ويدور عن متهمين خططوا لتنفيذ هجمات انتحارية بايعاز من حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، او قاموا بجمع معلومات استخبارية لصالح منظمة "حزب الله" اللبنانية".

ويضيف: "وهناك تعليل اخر اكثر اهمية يتمثل في البعد او الجانب المالي. وكانت اسرائيل قد منيت حتى الآن بالفشل في محاولاتها وجهودها الرامية الى سد قنوات المساعدات المالية المتدفقة من الخارج.. وبحسب ما اتضح فقد شكل "عرب اسرائيل" قناة مركزية لنقل هذه الاموال. وتعتقد محافل اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ان من ينجح في سد واقفال مصادر التمويل، سوف يصعب على رجال حركة "حماس" تجنيد المزيد من الانتحاريين وممارسة <<التحريض>> لدى الجمهور الفلسطيني وشراء الوسائل القتالية لمقاومة اسرائيل".

مع ذلك فان المسافة بين اعتقالات تحظى بطنطنة اعلامية واسعة وبين ادانة فعلية بالتهم، لا تزال بعيدة.

فقد صرح مصدر قضائي رفيع انه يعتقد ان النيابة العامة الاسرائيلية سوف تواجه صعوبات جمة في محاولتها لادانة قادة الحركة الاسلامية بتهمة " نقل اموال لاغراض ارهابية". اذ سيتعين على النيابة العامة اثبات ان "اموال دعم الارامل و الايتام" التي توزعها الحركة الاسلامية لم تكن بمثابة "صدقات" فقط، وانما ساهمت فعليا في تشجيع ودعم "الارهاب"، وهذه لن تكون مهمة سهلة. والسؤال الذي لا يزال مطروحا هو: ما هي الخطوات والاجراءات الاخرى التي ستتخذها الدولة ضد الحركة الاسلامية؟ مصادر امنية اسرائيلية قالت ان من المرتقب شن اعتقالات اخرى في نفس القضية.

هناك سؤال اخر، جديد – قديم وهو: مسألة الاعلان عن الحركة الاسلامية كحركة خارجة عن القانون.

جهاز مخابرات "الشاباك" عبر قبل سنتين عن تآييده لمثل هذه الخطوة، لكنه جرى تجميدها. ومن المحتمل ان يتم في نهاية المطاف اللجوء الى خطوة وسط، من قبيل اخراج الجناح الشمالي للحركة فقط عن القانون، اي الجناح الذي يتزعمه الشيخ رائد صلاح.

المصطلحات المستخدمة:

تساحي هنغبي, الكنيست, هآرتس, آفي ديختر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات