المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في أوساط المواطنين العرب في اسرئيل لا يتصورون بأن خطة توحيد 200 سلطة محلية مجاورة ستسري أيضاً على بلدات يهودية. ومن ناحيتهم، خطة تجميع 77 سلطة محلية عربية وتقليصها الى حد النصف، 38 سلطة، هي بمثابة "اعلان حرب" ضدهم وجزء من مؤامرة لسلب اراضيهم وطمس هويتهم التاريخية. كما انهم يتخوفون هناك من عملية تمدين قد تفرض عليهم، ومن اضعاف مكانة الحمولة ومن مواجهات قد تنشب بين المسلمين والمسيحيين والدروز...

بقلم: يئير اتينغر

في الشهرين الاخيرين، بعد جولة صدامات عنيفة بين شبان دروز ومسيحيين، اودت بحياة بشر وحرقت بيوتاً وسيارات، تعود شرائح المجتمع في قرية الرامة للعيش بحسن جوار، بطريقة او اخرى. لقد اصبح الوضع لا يطاق منذ زمن، ولكن في شهر شباط، عندما انفجر صاروخ مضاد للدبابات قرب جدار الكنيسة في مركز القرية، وفقط بأعجوبة لم تصب الراهبات هناك بأذى، اقتنع ممثلو المسيحيين والدروز والمسلمين في القرية بالمصالحة. وفي الشهر الماضي، على خلفية الخطة الحكومية الداعية الى توحيد الرامة مع قريتين مجاورتين، ساجور وعين الأسد - حلّ مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية، اوري بوروفسكي، ضيفاً على القرية الجميلة الواقعة على سفح جبل ميرون. من محتدثاته هناك خرج "بانطباع متفائل". ويطمئن المستشار بوروفسكي: "اكتشفت أن هناك عدداً من الامور الصغيرة فقط يجب جسرها، وحينها سنسير على الطريق الرئيسي".

لكن المسيحيين في الرامة (يشكلون اليوم نسبة 53% من حوالي 7600 مواطن)، الذين سيخسرون رئاسة المجلس في التوحيد مع القريتين المجاورتين، يحذرون من أن هذا الطريق الرئيسي سيلطخ بالدم. "توحيد هذه البلدات الثلاث هو بمثابة استدعاء الحريق"، يقول ممثلوهم. "يوجد في القرية كمية سلاح تكفي للهجوم على العراق، وهذا التوحيد فقط سيضاعف الحساسيات، وسيشعل جمراً لم ينطفىء. غباء وانغلاق الحكومة ليس أقل سوءاً من الشرور". حتى ان ممثلي الدروز في القرية (30%)، الذين سيشكلون الاغلبية في السلطة الموحدة (57% من 12.6 ألف مواطن)، رفعوا ايديهم ضد التوحيد في التصويت في مجلس القرية المحلي، كما ان عين الاسد وساجور عارضتا ايضاً، وهناك حوالي 200 بلدة اخرى، يهودية وعربية، مرشحة للتوحيد في خطة وزارة الداخلية، جميعها تخشى من مشاكل اجتماعية صعبة، ومن هبوط مستوى الحياة والمستوى التعليمي، ومن فقدان الهوية والصبغة التاريخية للبلدات.

خطة وزارة الداخلية لتوحيد السلطات المحلية هي حديث الساعة في الوسط العربي، وانصب معظم الانتقاد للخطة الاقتصادية حولها. "اعلان حرب ضد الوسط العربي"، "سلب الاراضي"، "طمس الهوية التاريخية"، "خطر على الوجود المادي للعرب في اسرائيل" – هذه تعابير دارجة في الاحاديث مع رجالات المجتمع والخبراء العرب، وفي مقالات الصحف العربية.

في المقال الرئيسي في صحيفة "كل العرب" جاء ان توحيد السلطات المحلية يتساوق مع جهود الحكومة لمصادرة و"ابتلاع الاراضي العربية". وورد هناك ايضاً: "لا نعتقد بأن ما تحتاجه اسرائيل الآن هو تأجيج النزاع مع اكثر من مليون عربي فلسطيني" يعيشون داخلها. وتتساءل لجنة العمل المشترك لدالية الكرمل وعسفيا، وهما قريتان درزيتان مرشحتان للدمج، في مقال بصحيفة "بانوراما"، هل سيسامحنا اجدادنا على ترك قرانا؟. هل تريدون ان تحولونا من مجتمع تقليدي الى مجتمع مدني؟ هل فحصت الحكومة بواسطة بحث احتمالات نجاح هذه الخطة؟"

الآلاف سيُفصلون

وفق خطة وزارة الداخلية، 192 مجلساً وبلدية من كل الاوساط مرشحة للتقلص الى 70 سلطة، وسيكرس هذا التوحيد في اطار قانون. السلطات العربية الـ 77 (يشمل السلطات الدرزية والبدوية والشركسية) القائمة اليوم - 65 سلطة محلية وعشر بلديات ومجلسان اقليميان - ستتقلص الى النصف: 38 سلطة. وهذا العدد يشمل 15 مجلساً وبلدية عربية غير مشمولة في الخطة، مثل أم الفحم، ستبقى لوحدها. طوفه الينسون، الناطقة باسم وزارة الداخلية، تقول انه في مراحل اعداد الخطة "كان هناك الكثير من التخبط والتردد حول الكثير من الاماكن ومن منظورات كثيرة. وفي الوسط العربي نحن نعي الحساسيات المختلفة ونحاول ان نأخذ هذا بعين الاعتبار، ولكن فليفكر أحد ما بمنطق - لماذا كل ألف، ألفين، ثلاثة آلاف مواطن يحتاجون الى سلطة منفصلة؟ الجميع يتفق أن الوضع اليوم غير معقول، وهناك تبذير كبير للاموال العامة".

ولكن لا يوجد هناك رئيس سلطة يتطوع بالتنازل عن الوظيفة. فور طرح الخطة أعلن مركز السلطات المحلية بأنه سيناضل ضدها، وانضمت اليه السلطات العربية، التي تشكل نحو 30% من العضوية فيه، فيما وصف بـ "النضال اليهودي – العربي". ولكن شوقي خطيب، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، اتهم قبل اسبوعين المركز بـ "العنصرية". وعلى حد زعمه، اهمل المركز النضال ضد الخطة، التي تمس بالاساس بالسلطات العربية.

في مركز السلطات المحلية يرفضون هذه التهم، ويذكرون بأن معظم السلطات المرشحة للتوحيد هي سلطات يهودية، هي أيضاً ثائرة لأنه تم بلورة الخطة دون أن يتشاور معها موظفو الحكومة. على أي، حال يخشون حدوث مشاكل اجتماعية وفقدان الهوية المميزة ويحتجون على نية تكريس توحيد السلطات في القانون. لكن د. حنا سويد، رئيس مجلس عيلبون، يقول: "هذا أكثر اهمية في الوسط العربي، الذي يفهم ذلك فوراً على انه استغلال ضعفه السياسي. في كل بلدة عربية يتخوفون من امكانية انه في المستقبل، إذا كانت هناك رغبة في تفكيك السلطة الموحدة، سيكون ذلك مناطاً بتغيير القانون، وهذا امر غير ممكن إن لم تكن لديك القوة السياسية في الكنيست".

متحدثون من امثال سويد، الذي يرئس ايضاً "المركز العربي للتخطيط البديل"، يكررون دون انقطاع معارضتهم للخطة - بالمقالات وفي اجتماعات الطوارىء وفي جلسات لجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية، وسيقومون بذلك ثانية في اللقاء الخاص في الكنيست في الاسبوع القادم. لديهم سلسلة طويلة من الادعاءات: الخطة تتجاهل البعد الجغرافي بين بلدات صغيرة والمبنى الاجتماعي المميز والفوارق الاقتصادية والطائفية. وستتسبب الخطة بضرر اجتماعي ثقيل نتيجة لعملية التمدين التي ستفرض على القرى. وسيعمق تقليص ميزانيات التطوير المشمول في الخطة الاقتصادية الفجوات بين العرب واليهود وسيؤدي الى انهيار السلطات العربية المثقلة الآن بديون متراكمة باهظة. ويقول سويد بأن السلطات التي هي بمثابة "المشغل الأكبر في كل بلدة عربية" ستضطر الى فصل آلاف المستخدمين، والذين سيزيدون من صفوف العاطلين عن العمل في الوسط العربي.

وفي وزارة الداخلية يقولون بأن رؤساء السلطات الفاشلة، اليهودية والعربية، يجب أن يسحبوا الخشبة من اعينهم وأن يباركوا على هذه الفرصة المتاحة الان للسكان للحصول على خدمات بمستوى اعلى، مع اضافات للسلطات التي ستتغير مكانتها الى الأفضل.

ولكن في البلدات العربية، تبقى مكانة السلطة المحلية متينة حتى عندما لا يُخلون النفايات في الوقت وكذلك عندما يجد المستخدمون صعوبة في تذكّر متى رأوا آخر مرّة قسيمة راتب على اسمهم. وحسب أقوال سويد، الجماهير التي كان الجسم التمثيلي الأول لها لجنة رؤساء السلطات العربية - وهو الجسم الذي يشكل اليوم أيضاً لب لجنة المتابعة - فإن السلطة المحلية هي "أكثر بكثير من مجرد تقديم الخدمات"، ومكانتها أكبر أيضاً من مكانة أعضاء الكنيست العرب. ويضيف سويد: "الجماهير العربية تعتز كثيراً بسلطاتها المحلية، بسبب انعدام وزنها في المؤسسة القطرية. معظم النخب، الاكاديمية والصحفية، لها علاقة بالسلطات المحلية. وتوجد للسلطة مكانة سياسية - تمثيلية، وإذا كنت تنوي المس بها فإن التفكير هو بأنك تريد المس بالسكان العرب، وحينها يتحول الامر الى نوع من الخطر القومي. هكذا يفهم الامر".

الرفض الشديد جداً في الوسط العربي للخطة لا يكمن فيما هو مكشوف منها فحسب، وانما بدرجة كبيرة ايضاً في النوايا من ورائها، وفق قناعات الخبراء والصحفيين. د. راسم خمايسي، من قسم الجغرافيا في جامعة حيفا، يقول ان "هناك خشية من انك عن طريق دمج السلطات فإنك تطمس بلدات عربية، هي أقدم من البلدات اليهودية. في قسم من البلدات التي سيتم توحيدها لا يوجد تواصل للبناء، وهناك تخوف من تقليص منطقة النفوذ. هناك تخوف من ان يأتوا ليقولوا "نوحدكم باتجاه واحد ونقتص منكم الاراضي من الناحية الثانية".

ويقصد خمايسي بهذا قرية عين ماهل، وهي قرية مجاورة لـ "نتسيرت عيليت" وكجيب لها ووفق الخطة سيتم توحيدها مع أربع بلدات عربية من شمالها وغربها، بدل أن توحد مع دبورية وإكسال جنوباً أو مع "نتسيرت عيليت" نفسها. بعض الخبراء، وكذلك مركز "مساواة" لحقوق العرب في اسرائيل، يزعمون ان هذا البند في الخطة يدل على نوايا لتوسيع "نتسيرت عيليت" اليهودية جنوباً، على الاراضي الموجودة بين عين ماهل ودبورية وإكسال ومشمولة في خططها الشاملة. "التاريخ الطويل يشهد على امور كهذه قد حدثت"، يقول خمايسي. "لا اعتقد ان هذا تخوف حقيقي في كل الحالات، ولكن في ترتيبات معينة يمكن على سبيل المثال، أن تحصل مجالس اقليمية على اراض هي جزء من خطة شاملة لبلدات عربية. جزء من تصور السلطة المحلية هو تهويد المنطقة. أضف الى ذلك أيضاً موضوع الاسماء التي ستمنح للسلطات التي ستتوحد. اليوم لا يوجد أي عربي في لجنة التسميات، وهذه الحقيقة تثير تخوفاً من ضياع الطابع التاريخي للبلدات".

وتقول الينسون انه لا توجد في وزارة الداخلية خطة واقعية لتوسيع او تقليص مناطق النفوذ للسلطات التي ستتوحد. "حالياً هذا الموضوع غير مطروح. هنالك اشكاليات في هذا الموضوع، لكنني أعتقد ان جزءاً من الاماكن ستضطر بالتأكيد في نهاية الامر الى تغيير حدودها. وفيما بعد ستكون هناك مشاكل عديدة في السلطات التي ستوحد، وسنحتاج الى حلها".

الاحزاب ستربح

تغيير آخر سيحتاج المجتمع العربي الى هضمه وهو الثورة السياسية المنطوية في خطة توحيد السلطات. منذ أن أجريت لأول مرّة انتخابات محلية في بلدة عربية، في 1954، قادت السياسة المحلية قوائم حمائلية، والعديد من رؤسائها كانوا شركاء مريحين للاحزاب التي سيطرت على وزارة الداخلية عن طريق "صفقات" متنوعة، لكي تستخدمهم هذه الاحزاب كمقاولي أصوات لهم في انتخابات الكنيست. واليوم أيضاً، في كل مجالس البلدات العربية تقريباً، يشغل منتخبو جمهور مناصبهم من خلال قوائم حمائلية، وفي أماكن عديدة يترأسون السلطة. وفي وضع تتوزع فيه كل سلطة على ثلاث أو اربع بلدات، في كل واحدة منها عدد من العائلات، فإن التنافس الديمقراطي سيخفي جزءاً كبيراً من تلك القوائم.

ستكون الاحزاب والحركات السياسية العربية التي ستتخطى حدود البلدة المنعزلة هي الرابحة الكبرى، بالطبع، كما انها اليوم أيضاً تسيطر على عدد من المدن والسلطات المحلية المركزية. الحركات ورؤساؤها يشاركون في نشاط ضمن النضال ضد خطة التوحيد، لكن سويد يذكر ان "السلطات المحلية هي منطقة انتخاب أعضاء الكنيست العرب، لذا من المؤكد بأنهم يحاولون التعبير عن الغضب الجماهيري في موضوع التوحيد". وهو يعتقد أنه بالاضافة الى سياسة حزبية، "متطورة اكثر"، سيطرأ تغيير ايجابي على المجتمع العربي، ولكنه يحذر من انه في اماكن مثل الرامة – ساجور - عين الاسد، قد تتحول السياسة الحمائلية فيها الى سياسة طائفية.

في الناصرة، مثلاً، يوجد منذ زمن تماثل كبير بين الجبهة الديمقراطية للسلام، بقيادة رئيس البلدية (المسيحي القديم) رامز جرايسي، وبين المصوتين المسيحيين. في الانتخابات المحلية الاخيرة تفوقت الجبهة بالكاد على الحركة الاسلامية في المدينة، وكثيرون هم الذين يقدرون بأنه في الانتخابات التي ستجري خلال السنة سينتخب في الناصرة، رئيس بلدية مسلم. وهذه التقديرات تتعزز حيال نية توحيد المدينة مع قريتي يافة الناصرة وعيلوط، حيث نسبة المسيحيين فيهما أقل مما هي في الناصرة.

في الشهر الماضي، وفي ظل التخوفات في اوساط الاقلية المسيحية في اسرائيل من أن خطة التوحيد ستضعف قوتها، جاء رؤساء سلطات مسيحيون الى القدس للقاء عاجل مع المدير العام لديوان رئيس الحكومة افيغدور يتسحاقي ومع المستشار بوروفسكي. رؤساء السلطات - اليوم في سبع قرى هنالك اغلبية مسيحية، وجزء منها، مثل الرامة وعيلبون، سيفقد هذه الاغلبية بعد التوحيد - طلبوا بإصرار عدم المس بالبلدات المسيحية أو بتلك التي تعتبر العلاقات بين الطوائف فيها حرجة. وبعد اللقاء فضل بوروفسكي الرد بشكل غير ملزم: "بالطبع يجب الجلوس والتحدث مع الناس. فكرة توحيد السلطات صحيحة، ولكن بالتأكيد نحن ملزمون بسماع الردود على الخطة وربما نقتنع".

"في الوسط العربي"، يقول مستشار وزير الداخلية، طيبي ابراموفيتش، "إذا كنت تريد أن تعمل توحيداً جيداً، يجب إقامة سلطة محلية منفصلة لكل بيت. هنالك الكثير من النزاعات، ولكننا نحاول ان نسير بين النقاط. سياسة الوزير هي الامتناع عن توحيد سلطات لديها استعداد للنزاع - عدم توحيد مسلمين ومسيحيين، اغنياء وفقراء، متزمتين وعلمانيين. لا توجد نية هنا للقيام بتمييز مصحح، ونحن لا نريد أن نوفر الاموال بثمن سفك دماء".

من مكتب صغير في قلب قرية الرامة، غطيت جدرانه بصور البابا والاسقف اليوناني - الكاثوليكي لشمال البلاد، يبذل رجل الدين جريس منصور جهوداً لاحباط خطة التوحيد. منصور، الذي يدير من هذا المكتب أيضاً شركة لهندسة البناء، يتصل بجيرانه الدروز ويحثهم على ان يتحدثوا للصحفيين الضيوف عن معارضتهم للتوحيد.

احدهم، يوسف فرهود، مدرس وعضو في القيادة الدرزية المحلية، يتفق مع منصور بأن التوحيد سيسبب مشاكل اجتماعية، لكنه يذكرأنه "إذا انضممنا الى الوسط الدرزي سيكون هناك الكثير من التحسينات. كمواطنين، في سلطة درزية سنحظى جميعاً، المسيحيون والمسلمون أيضاً، بتحسينات منطقة تطوير "أ". في الطريق لجنازة احد الدروز في القرية يقول منصور: "يوجد هنا إجماع عام ضد التوحيد. لدينا مشاكل داخلية تغلبنا عليها مؤخراً، ولكن كل شيء على نار هادئة. لماذا ندخل فيها سكاناً من الخارج"؟ ويقترح على رئيس الحكومة ان يوحد الرامة مع كرمئيل المجاورة. "لماذا لا يعطي نموذجاً حسناً لكل العالم، ويثبت ان اليهود والمسيحيين والمسلمين يستطيعون العيش معاً؟"

هآرتس 13 ايار

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الكنيست, تهويد, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات