في بداية نيسان القادم سيتسلم مجلس الشورى في الحركة الاسلامية ـ الجناح الجنوبي، تقرير مراقبة هو الأول من نوعه، ويعلق أعضاؤه آمالا ثورية عليه. <لجنة التحقيق> الخاصة التي شكلها المجلس لتقصي أسباب الفشل الذريع الذي منيت به الحركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ـ قائمتها الأنتخابية، <القائمة العربية الموحدة>، هبطت من خمسة نواب الى اثنين ـ تبحث، هذه الأيام، عمل الحركة في كل المجالات وتجمع شهادات عديدة، ومن المتوقع ان توجه ـ في التقرير الذي ستقدمه في نيسان ـ نقدًا شديدا لقيادة الحركة، السياسية والدينية، وربما توصي ايضاً بعزل بعض اعضاء القيادة، على خلفية الإدارة الفاشلة للمعركة الانتخابية. والأهم من ذلك، ان اللجنة قد توصي امام الحركة بتبني أساليب عمل جديدة. وربما توصي ايضًا بالتخلي عن قرارها السابق، الأكثر اهمية في تاريخها، بشأن المشاركة في انتخابات الكنيست.
في بداية نيسان القادم سيتسلم مجلس الشورى في الحركة الاسلامية ـ الجناح الجنوبي، تقرير مراقبة هو الأول من نوعه، ويعلق أعضاؤه آمالا ثورية عليه. <لجنة التحقيق> الخاصة التي شكلها المجلس لتقصي أسباب الفشل الذريع الذي منيت به الحركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ـ قائمتها الأنتخابية، <القائمة العربية الموحدة>، هبطت من خمسة نواب الى اثنين ـ تبحث، هذه الأيام، عمل الحركة في كل المجالات وتجمع شهادات عديدة، ومن المتوقع ان توجه ـ في التقرير الذي ستقدمه في نيسان ـ نقدًا شديدا لقيادة الحركة، السياسية والدينية، وربما توصي ايضاً بعزل بعض اعضاء القيادة، على خلفية الإدارة الفاشلة للمعركة الانتخابية. والأهم من ذلك، ان اللجنة قد توصي امام الحركة بتبني أساليب عمل جديدة. وربما توصي ايضًا بالتخلي عن قرارها السابق، الأكثر اهمية في تاريخها، بشأن المشاركة في انتخابات الكنيست. اعضاء لجنة التحقيق الستة، بعضهم من خارج صفوف الحركة ايضاً، طولبوا بتقديم خطة لانقاذ التيار الأسلامي الذي يعتبر معتدلا، مما يصفه بعض المعلقين بأنه حشرجات الموت. وقد اعلن أعضاء مجلس الشورى وكذلك رئيس الحركة، الشيخ ابراهيم صرصور، بأنهم سيتبنون التقرير وجميع توصياته.
<اذا توصلت لجنة التحقيق الى الاستنتاج بأن المجال البرلماني لم يعد يؤد دوره التكتيكي في دفع أهدافنا الى الأمام، فانني أقول لك اننا لن نخوض انتخابات بعد الآن>، يقول صرصور في مقابلة مع "هآرتس" (2 آذار). <نحن جديون جدا في هذا الموضوع. أعضاء الجنة سيغوصون عميقا، وكل القضايا مفتوحة أمامهم للبحث. باستطاعتهم ان يطلبوا معلومات من أي شخص ومن أي جسم في داخل الحركة وخارجها>.
ويضيف صرصور انه <ستكون هنالك ايضا، دون شك، استنتاجات شخصية>، ومن الممكن ان يكون هو نفسه هدفا (رغم انه هو الذي اقر تركيبة اللجنة). <كل الاستنتاجات محتملة ونحن سنتبناها بالكامل>، يتعهد صرصور.
رئيس القائمة العربية الموحدة، عضو الكنيست عبد المالك دهامشة، يعتقد ان اداءه في المعركة الأنتخابية كان <فوق المطلوب>، لكنه يدرك، هو ايضا، ان اللجنة قد توصي بعزله. <انا لا اعتبر نفسي مالكاً لمقعدي البرلماني، وانما هو أمانة بين يدي ... واذا ما طالبني مجلس الشورى بالتنحي واخلاء موقعي، فسأفعل ذلك>.
بقائمة تناوشتها النزاعات الداخلية وحملة اعلامية تشاجرية مع خصومها من الخارج، فقدت القائمة العربية الموحدة أكثر من نصف مصوتيها الذين توجوها في الانتخابات قبل الأخيرة باعتبارها القوة العربية الأقوى في تاريخ الكنيست: من 114 الف صوت في انتخابات 1999 تراجعت الى 55 ألفا فقط في هذه الانتخابات. صفعة مدوية تلقتها الحركة الأسلامية الجنوبية في ساحاتها البيتية . في الطيرة، مثلا ( 30،5% مقابل 29،3% للجبهة ـ العربية للتغيير)، وفي مهد ولادتها ، كفرقاسم، حيث حصلت على 23،8% ( الجبهة ـ العربية للتغيير: 36،7%). خيبة أمل اكبر كانت لها في الناصرة: على الرغم من ضم نائب رئيس البلدية عن الحركة الأسلامية، سلمان ابو أحمد، الذي يعد من رجال ابراهيم صرصور (كثيرون يقولون انه بسبب ضمه، حصراً)، تخلفت القائمة العربية الموحدة في عاصمة الوسط العربي مع نسبة 18%، عن الجبهة ـ العربية للتغيير (45،7%) وعن التجمع الوطني الدمقراطي (22،3%).
* عِبَرُ الأيام الستة
ليست ثمة حاجة الى لجان تحقيق لتسجيل اللامبالاة في الشارع العربي حيال الانتخابات والحركة الشعبية لمقاطعتها، التي أثرت اساسا على المسلمين ( فقط 48% من المسلمين شاركوا في الانتخابات، مقابل 85% من المسيحيين و90% من الدروز)، كأحد الأسباب التي ادت الى هزيمة القائمة العربية الموحدة؛ اضافة الى الصراع، العلني والخفي، الذي شنه الجناح الخصم، الشمالي، بقيادة الشيخ رائد صلاح؛ والمناوشات الداخلية في القائمة العربية ذاتها والتي بسببها انفصل في الدورة السابقة اثنان من ممثليها الخمسة في الكنيست وأقاما حزبين محافظين جديدين؛ وعشية الانتخابات انفصل ثالث هو هاشم محاميد الذي خاض المعركة بقائمة منفردة فأضعف قوتها؛ وكذلك تركيبة قائمة المرشحين للكنيست الأخيرة (<تحالف اشخاص تدور بينهم حروب دامية>، كما يقول صرصور) والتي لم تضمن تمثيلا لمنطقة المثلث؛ وقرارات لجنة الانتخابات المركزية شطب بعض المرشحين العرب، الأمر الذي ترك القائمة العربية الموحدة في ظل القوائم العربية الأخرى. وغير ذلك من الأسباب.
وأيا تكن الأسباب الحقيقية، فان الحركة الإسلامية تنظر الى النتيجة باعتبارها <حدثاً تاريخياً مصيرياً>، وليس مجرد أزمة سياسية. ففي مقال نشرته صحيفة الحركة الجنوبية (<الميثاق>) بعد الانتخابات، عاد الشيخ صرصور - 36 عاما - الى الوراء، الى حرب الأيام الستة، لكي يحذر زملاءه من مغبة تمويه هزيمتهم والتعتيم عليها، كما فعل زعماء الدول العربية آنذاك. <منينا بهزيمة تامة، لا مجرد نكسة او تراجع بسيط>، كتب في المقال. <هذه هي المرة الأولى التي نصاب فيها بوهن كهذا، ينبغي تنظيف الأجهزة. لقد هزمنا، بالتأكيد>، يوضح، ويضيف: <الحكام العرب في القاهرة ودمشق استخدموا كلمة "نكسة"، وكان ذلك تمثيلا بكرامة الشعوب العربية. كان ينبغي عليهم الأعتراف علنا: "هزمنا بصورة كارثية"، وهذا ما نقوله نحن اليوم>.
في الحركة الإسلامية يعلنون الندم والتوبة، ويتحدثون عن <عقاب> يلزم قيادتها باجراء حساب للذات.
في أحاديث منفردة اجرتها "هآرتس" هذا الأسبوع (2 آذار)، عاد اربعة من القادة الدينيين في الحركة على هذه الكلمات نفسها، مرات عديدة، لكن ايا منهم لم يقل ان العقاب هو الهي. ثمة اتفاق بينهم على ان الناخبين هم الذين قرروا معاقبة الحركة على قراراتها الخاطئة.
ولذلك، يجري الحديث في الحركة الأسلامية الآن عن اصلاحات سياسية ـ حزبية وتنظيمية ينبغي ان تبدأ في جميع مؤسساتها وان تشمل ايضا الرسالة التي تحملها الحركة، التي تعتبر نفسها ممثلة لجمهور المسلمين عامة في اسرائيل. <نحن ملزمون بتلبية طموحات جمهورنا>، يقول موسى ابو رومي، رئيس بلدية طمرة وعضو مجلس الشورى. <يتوجب علينا تغيير أسلوب مخاطبتنا للجمهور العربي. برنامجنا يجب ان يكون اكثر جماهيرية، لا ان يلبي فقط توقعات من يعتبرون انفسهم جمهور الحركة الأسلامية. في الوسط العربي، خلافا للوسط اليهودي، ليس هنالك خط فاصل واضح بين المتدينين والعلمانيين. ينبغي مخاطبة كل من هم ذوو قيم حياتية اسلامية، حتى لو كان بينهم من لا يلتزم بكل الفرائض. لا ينبغي قصر خطابنا على المتدينين فحسب>.
في الحركة الأسلامية قلقون، بشكل خاص، من التغيرات الحاصلة في السلوك السياسي لدى جمهور المسلمين، والتي تكشفت في الأنتخابات الأخيرة. وفي الخلفية ينتصب الأنشقاق الذي حصل من قبل الجناح الشمالي، الراديكالي، بقيادة الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال خطيب. ففي العام 1996 انشق الأثنان حين وجدا نفسيهما أقلية في مجلس الشورى الذي قرر مشاركة الحركة في انتخابات الكنيست. ومنذ ذلك اصبحت المجموعتان ـ كلتاهما تحمل اسم <الحركة الأسلامية> وتدعي تمثيل المسلمين في اسرائيل ـ حركتين مستقلتين لكل منهما مؤسسات دينية وسياسية وجماهيرية مستقلة: تخوضان، كل على حدة، انتخابات السلطات المحلية، ولكل منهما لجان خيرية وصحيفة اسبوعية. وكما في السابق، كذلك في الأنتخابات الأخيرة، امتنع الشيخ رائد صلاح عن دعوة مؤيديه، صراحة، الى مقاطعة الأنتخابات. اكتفى فقط بنشر تسويغات مفصلة لمعارضته المشاركة العربية في الأنتخابات وفي الكنيست. وبعد الانتخابات، التزمت صحيفة الحركة الشمالية (<صوت الحق والحرية>) جانب الحذر في التطرق الى هزيمة الجناح الجنوبي. ولكن حين سئل الشيخ كمال خطيب عن ذلك قال : <كنت واثقاً، دائمًا، ان الجماهير العربية سوف تعاقب من ادّعوا تمثيلها في الكنيست>.
* غاضبون على درويش
قادة الجناح الجنوبي يرفضون الاعتقاد القائل بأن الجناح الشمالي تغلب عليهم، سواء في صناديق الأقتراع او في الشارع، ويكفرون بالتحليل القائل ان غياب المسلمين عن صناديق الأقتراع يدل على ازدياد قوة التيار الأسلامي الراديكالي عن قوة التيار المعتدل. <كل شيء من شأنه ان يولد الأنطباع بأننا نضعف بالمقارنة مع الجناح الجنوبي، لكن هم لم يوضعوا اية مرة في ختبار حقيقي امام الجمهور؛ نحن أقوى في كل المستويات والمجالات>، يصوب صرصور، <لا شك في ان تراجع التأييد لنا حصل في داخل المعسكر الأسلامي، لكن هذا ليس لأن الشيخ رائد دعا الى مقاطعة الأنتخابات. تلك الدوة كان تأثيرها ضئيلا ومحدودا جدا. وانني اعلن هنا اننا نحن الذين نتحمل كامل المسؤولية عن عدم خروج المسلمين الى صناديق الأقتراع. كان علينا ان ندخل الى كل البيوت، بيتا بيتا، كل الوقت وليس قبل الأنتخابات فحسب. انه امتحان صعب للغاية، وهو عقاب اراد الجمهور المسلم انزاله بنا لكي يضيء لنا الضوء الأحمر. انني اعرف ان المسلمين يرغبون في التصويت لنا>.
<رؤياي، في اساسها، هي رؤيا الجناح الشمالي>، يواصل صرصور، <نحن ايضا نطمح الى مجتمع اسلامي خالص، مكون من مسلمين فخورين يؤمنون بأن الأسلام هو مصدر القوة وهو مستقبلهم؛ مجتمع حديث، لكن ذي قيم، مؤسس على ايديولوجية ومنقطع عن العالم المادي الذي تتزايد وتستشري أعراضه الجانبية. ربما كان الفرق بيننا وبين الجناح الشمالي اننا نريد ان نكون جزءا لا يتجزأ من المجتمع الأسرائيلي وبناء جسور مع المسيحيين واليهود والدروز،ان نكون شركاء اكثر ومؤثرين اكثر، بينما الجناح الشمالي يفضل القطيعة مع كل مسارات الحياة في الدولة>.
الشيخ عبدالله نمر درويش، الذي اسس الحركة الأسلامية في العام 1972 وأرسل دهامشة الى الكنيست في العام 1996، وصف الظروف التي حصل فيها الأنشقاق في الحركة، وذلك في معرض الشهادة التي قدمها امام <لجنة اور> قبل بضعة اشهر. درويش، الذي كان آنذاك زعيم الحركة، قال ان الشرخ بينه وبين رائد صلاح حصل على خلفية القرار بخوض الأنتخابات، لكن الخلاف لم يكن حول موقف الشريعة الأسلامية في الموضوع، وانما حول الموقف البراغماتي ـ العملي وما اذا كانت الظروف قد نضجت لتلك المشاركة. وقد فاجأ درويش الحاضرين بشهادته ـ وأثار الغليان بين زملائه في قيادة الجناح الجنوبي ـ حين اضاف قائلا: <اليوم، عندما ارى كيف تسحق مكانة اعضاء كنيست (عرب) في وسائل الأعلام، بل ويحرضون ضدهم، أبدأ بالتفكير بأنه ربما كانت كلمة الشيخ رائد بأن الوقت غير مناسب بعد، ربما كان علي ان اتمعن فيها بشكل اكبر وأعمق>.
أقوال درويش (الذي رفض اجراء مقابلة معه في "هآرتس") كانت واحدة من محاولات كثيرة جرت خلال السنوات الماضية لرأب الصدع بين الجناحين، رغم ان ايا من قياديي الحركتين لم يعتقد بشكل جدي، ابدا، بأن اعادة اللحمة بينهما هي امر ممكن. ليس فقط لأن الحديث يجري عن حركتين لكل منهما مواقف سياسية ومؤسسات مستقلة، وليس فقط بسبب العلاقات العكرة بين بعض القياديين في كلتيهما، وانما ايضا لأن في الوسط بينهما شرط الجناح الشمالي بأن يتخلى الجناح الجنوبي عن الكنيست.
هل من الممكن ان توصي لجنة التحقيق الآن، اذن، بالأنسحاب من البرلمان فتمهد الطريق بذلك لأعادة توحيد الجناحين؟
الجواب النظري ايجابي، لكن ليس ثمة محللا سياسيا او مسؤولا رفيع في الجناح الجنوبي يلمح في هذا الأتجاه. <انا لا اعتقد ان الخروج من الكنيست مطروح على بساط البحث اليوم>، يقول ابو رومي، الذي يتحدث تحديدا عن تأسيس وتدعيم الحزب السياسي التابع للحركة الأسلامية، كعبرة ضرورية من الأنتخابات الأخيرة. <كانت ثمة مواضيع طويلة المدى لم تعالجها الحركة الأسلامية وأثرت على النتائج. كان على حركتنا ان تتحرك منذ الأمس، وليس اليوم، لتجديد وبناء الحزب السياسي الخاص بها، وتشكيل لجنة مركزية ولجنة تنفيذية له، ومنحه حرية القرار في القضايا السياسية>. كذلك الشيخ ابراهيم صرصور يتنصل من هواجس الشيخ درويش التي أشرك <لجنة أور> بها. <نحن نعتقد ان الشيخ درويش ارتكب خطأ فادحا جدا>، يقول. اما الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الجناح الشمالي ، فيقول بشأن امكانية اعادة توحيد الحركة: <لم نتحدث معهم بعد الأنتخابات، ولن نتحدث معهم الآن>.