المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

استغلت “الديموقراطية” الاسرائيلية حالة الحرب المعلنة ضد الفلسطينيين فاقدمت على التمهيد لمجزرة سياسية ضد الاقلية العربية داخل الخط الاخضر. وكما حدث عام 1956 اثناء الاعداد للعدوان الثلاثي على مصر عندما ارتكبت القوات الاسرائيلية وبدم بارد مجزرة كفرقاسم، تستعد الحلبة السياسية الاسرائيلية، وفي ظل العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني لتنفيذ المجزرة السياسية الكبرى

بقلم: حلمي موسى

استغلت “الديموقراطية” الاسرائيلية حالة الحرب المعلنة ضد الفلسطينيين فاقدمت على التمهيد لمجزرة سياسية ضد الاقلية العربية داخل الخط الاخضر. وكما حدث عام 1956 اثناء الاعداد للعدوان الثلاثي على مصر عندما ارتكبت القوات الاسرائيلية وبدم بارد مجزرة كفرقاسم، تستعد الحلبة السياسية الاسرائيلية، وفي ظل العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني لتنفيذ المجزرة السياسية الكبرى.

فللمرة الاولى منذ بداية “الديموقراطية” الاسرائيلية تتعرض جميع القوائم العربية في الكنيست الى مطالبة من جانب قوى اسرائيلية بحظر مشاركتها في الانتخابات. وللمرة الاولى منذ بداية “الديموقراطية” الاسرائيلية يتحقق مثل هذه الدرجة العالية من الاجماع في الصف الصهيوني حول ضرورة استبعاد قوة عربية. وللمرة الاولى يعمل الاعلام الاسرائيلي “المتنور” على اعتبار مطالبة المستشار القضائي بحظر التجمع الوطني الديموقراطي، بزعامة الدكتور عزمي بشارة عملا مشروعا.

والواقع انه وبمعزل عن المطالبة بحظر الاحزاب العربية عموما او التجمع تحديداً، ثمة من يؤمن في اسرائيل بأن الحلبة السياسية دخلت مرحلة الجنون. ويشيرون الى ابرز اعراض هذه الحالة بالحديث عن التأييد المتواصل لارييل شارون رغم كل مثالبه، وربما بسبب هذه المثالب. فهو العاجز حتى الآن عن الوفاء بأي من تعهداته ووعوده للناخبين، سواء لجهة الأمن، القمع او السلام يحظى بدعم متعاظم يفوق الدعم الذي يحظى به حزبه، الليكود. ولهذا السبب كان هناك معلقون سياسيون بارزون اشاروا الى وجوب الكف عن تحليل الواقع الاسرائيلي سياسيا ومطالبة الاخصائيين النفسانيين بالشروع بتحليله. وربما لهذا السبب ايضا اختار زعيم حزب العمل الجديد، عميرام متسناع الى جانبه اخصائيين نفسانيين وليس خبراء في الرأي العام كما اعتاد الزعماء الآخرون. ومع ذلك لا يعفي هذا التوضيح من اهمية محاولة قراءة الاسباب الحقيقية الكامنة وراء محاولة استبعاد الاحزاب العربية عموما والتجمع الوطني الديموقراطي على وجه الخصوص.

فمع بداية الانتفاضة ومشاركة الفلسطينيين في مناطق 48 فيها بنشاط في الاسابيع الاولى شعر الاسرائيليون بزيف تصوراتهم عن الواقع، وادركوا ان حرب 48 لم تنته بعد، وانه يصعب وضع نهاية لها من دون الاقرار بأسسها الاولية. ولان اسرائيل لم تحدد حقيقة، حتى الآن صورة تعاملها النهائي لا مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967 ولا مع الفلسطينيين في المناطق المغتصبة عام 1948، شعرت ان عدوها الابرز، في اللحظة الراهنة، هو فلسطينيو 48. وفرض الاسرائيليون اشكالا متعاظمة من المقاطعة على هؤلاء، فضلا عن زيادة اشكال القهر والقمع لهم تحت عنوان حماية الأمن. ولكن هذه الصورة وجدت تجلياتها الابرز ايضا داخل الحلبة السياسية عندما عمل اليمين الاسرائيلي على استغلال الشعور الاسرائيلي العام تجاه العرب فعمد الى ادخال تعديل قانوني على البند الدستوري المتعلق بالترشيح للكنيست. وللمرة الاولى ادرجت في هذا البند نصوص ترمي الى توفير الارضية لحرمان اي قائمة عربية من الترشح للانتخابات بدعوى انها تناضل من اجل ازالة الطابع اليهودي للدولة. وحظي هذا التعديل في حينه بأغلبية كبيرة كان واضحا لكل من شارك فيها ان المستهدف الاساس منها هو كل صوت عربي يعتبر وجوده على ارض فلسطين حقا وليس منة من احد. ولذلك آمن المعلقون ان القصة بأسرها هي ان اليمين لم يعد يطيق وجود اعضاء الكنيست العرب في الكنيست، إلا اذا كانوا مثل ايوب قرا من الليكود الذي يحمل حتى على اعضاء الليكود لانهم ليسوا مثله في الحرص على سلامة “أرض اسرائيل”.

ومن الناحية الجوهرية تعامل اليمين، ومعه اليسار المكتشف لذاته القومية ان العرب في اسرائيل سرطان يحسن التخلص منه. ولذلك تعاظم تأييد الطرد “القسري او الطوعي” للعرب، بل باتت قوى يسارية تتحدث عن خطط لنقل فلسطيني من مناطق 48 الى الدولة الفلسطينية حرصا على “النقاء اليهودي”. واسهم هذا الجو في دفع المستشار القضائي للحكومة لتقديم توصية برفض السماح للتجمع بالمشاركة في الانتخابات.

والواقع ان القوى الصهيونية جميعا، خاصة تلك التي كانت ترى في الجماهير العربية داخل الخط الاخضر مجرد خزان للاصوات لم يرق لها وجود كتل عربية. ورأت ان هذه الكتل العربية ضيعت عليها فرصة اظهار “قدرتها التعايشية” مع الاقلية العربية. ولذلك ساهمت هذه الاحزاب، بشكل ما في تأييد اليمين الاسرائيلي، بصمتها، ازاء تعديل القانون اولا، وبصمتها ازاء تدخل المستشار القضائي ثانيا.

ولا ادل على ذلك من موقف حزب العمل كما تجلى في تصريحات عميرام متسناع الذي وصف التجمع بأنه حزب متطرف.

عموماً، ورغم انه من السابق لاوانه الجزم باستبعاد التجمع وبشارة عن الانتخابات، إلا ان حظر التجمع قد يشكل نقلة نوعية في استبعاد العرب عموما عن الحياة السياسية في اسرائيل ومن الجائز ان خطوة كهذه تمهد الطريق امام اعلان نوع من الفصل العنصري، جراء ردة الفعل العربية هناك والداعية للمقاطعة، او نوع من التوتر الجديد في العلاقة بين العرب واليهود داخل مناطق 48.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, الليكود, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات