المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*أوساط أكاديمية: "الوزارة تحاول استبدال التشديد على الديمقراطية في تدريس المدنيات بالتشديد على اليهودية والصهيونية"*

أصدرت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، مؤخرا، تعليمات تقضي بإعادة تأليف الكتاب الأساسي الذي يستخدمه طلاب المدارس في موضوع المدنيات بعنوان "أن نكون مواطنين في إسرائيل". وستستغرق إعادة إصدار الكتاب بصياغة جديدة وقتا طويلا، ولذلك قرر مدير السكرتارية التربوية في الوزارة، تسفي تسَميرت، أن يتم في هذه الأثناء نشر "تعديلات" على مواد التعليم في الموقع الالكتروني للوزارة. وتبين من تقارير إسرائيلية، تم نشرها في الأسبوعين الماضيين، أن غاية تسميرت من تغيير منهاج التعليم في موضوع المدنيات هي غاية سياسية وبضمن ذلك إجراء عملية تزوير للتاريخ والواقع في البلاد، خصوصا فيما يتعلق بتعامل السلطات الإسرائيلية مع المواطنين العرب.

وقالت جهات تعنى بتدريس موضوع المدنيات من خارج وزارة التربية والتعليم وشاركت في الاجتماعات المهنية التي عقدها تسميرت، أن الأخير درج على القول خلال هذه الاجتماعات إن الكتاب "يركز أكثر مما ينبغي على الانتقادات للدولة" وإنه "يخلق شعورا لدى التلاميذ بأن كل شيء سيء" (هآرتس - 29.8.2010).

وبين الأمور التي عبر تسميرت عن معارضته لها كان تناول الكتاب لموضوع الأقلية العربية في إسرائيل. فقد جاء في الكتاب أن "إسرائيل انتهجت منذ تأسيسها سياسة تمييز تجاه المواطنين العرب". وقد اعترف تسميرت أنه شارك في الماضي في كتابة تقرير صادر عن "معهد الإستراتيجيا الصهيونية" وتم فيه توجيه انتقادات لتدريس المدنيات في إسرائيل. والجدير بالذكر أن هذا المعهد أسسته وتديره مجموعة من أقطاب اليمين الإسرائيلي، مثل رئيس مجلس المستوطنات السابق، يسرائيل هارئيل، ونائب رئيس الحكومة الحالية ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، ووزير الدفاع السابق، موشيه أرنس، وغيرهم. وأصدر المعهد تقريرا مؤخرا هاجم فيه أساتذة علم الاجتماع في الجامعات الإسرائيلية ووصفهم أنهم ما بعد صهيونيين لأنهم لا يدرسون الرواية الصهيونية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وهدد إدارات الجامعات بالسعي إلى وقف التبرعات التي تحصل عليها الجامعات إذا لم يتم فصل هؤلاء المحاضرين.

وقالت رئيسة الهيئة الأكاديمية لتدريس موضوع المدنيات، الدكتورة ريكي تيسلر، من الجامعة العبرية في القدس، إن "تسميرت يحاول تغيير التشديد على الديمقراطية في تدريس المدنيات إلى التشديد على اليهودية والصهيونية". وأضافت أن "وزارة التربية والتعليم ليست مهتمة بتدريس المدنيات كتربية مدنية وإنما كتاريخ لأرض إسرائيل وشعب إسرائيل. والرسالة التي تأتي من جانب تسميرت هي رسالة فئوية وليست تعددية".

وقال مصدر في لجنة موضوع المدنيات، التي تقدم المشورة لوزارة التربية والتعليم في تدريس هذا المجال، إن "صورة تسميرت هي لشخص ينتمي لحزب العمل، لكن كل ما يهمه اليوم هو تعزيز الصهيونية والوطنية القومية. والكثير من الضغط يصب في موضوعي التاريخ والمدنيات".

"أن نكون مواطنين

في إسرائيل"

في بداية العام 2010 عيّن وزير التربية والتعليم، غدعون ساعر، تسميرت مديرا للسكرتارية التربوية في الوزارة. ويعتبر هذا المنصب الأرفع بعد منصب مدير عام الوزارة. ويتولى تسميرت في إطار منصبه هذا المسؤولية عن مضامين ومناهج التعليم في المواضيع المختلفة التي يتم تدريسها في جهاز التعليم. وعمل تسميرت في الماضي مديرا لمدرسة في بلدة كريات شمونه في شمال إسرائيل ومنذ العام 1993 وحتى نهاية العام الماضي عمل كمدير عام لمؤسسة "يد بن تسفي"، التي تعنى بتاريخ اليهود والصهيونية.

وتم تأليف كتاب "أن نكون مواطنين في إسرائيل" في نهاية سنوات التسعين وصدر عن دار النشر التابعة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية. وكان هذا الكتاب الأساسي الذي استخدم في تدريس موضوع المدنيات في 90% من المدارس خلال العقد الأخير. وينتهج تسميرت، من خلال مداولات داخلية وخارجية عقدها في الأسابيع الأخيرة، خطا متشددا ضد الكتاب، إلى أن قرر مؤخرا إعادة كتابته وتعديل مضامينه. ونقلت مصادر عدة شاركت في هذه المداولات عن تسميرت قوله إنه من خلال تدريس المدنيات عموما، وكتاب التدريس المذكور خصوصا، "يتم التدريس بصورة أوسع مما ينبغي عن البون والصراعات الاجتماعية [داخل إسرائيل]". ويعتبر تسميرت أنه يجب التشديد بشكل أكبر على تدريس تاريخ الدولة، من خلال مواضيع مثل قيام إسرائيل في العام 1948 أو إنشاء مدن التطوير في سنوات الخمسين والستين.

لكن الذين يعارضون توجهات تسميرت يخشون من أن التشديد على هذه المواضيع وتحييد جانب الصراعات سيجعل موضوع المدنيات شبيها بموضوع التاريخ. وقال أحد أعضاء لجنة تدريس موضوع المدنيات إنه "بالإمكان تدريس موضوع مدن التطوير من خلال مناقشة انعدام المساواة والعلاقة بين الوسط والأطراف، لكن ليس كاستعراض تاريخي زمني". والجدير بالذكر أن مدن التطوير هي البلدات التي أقيمت في أطراف إسرائيل، في الجليل والنقب، البعيدة عن وسط البلاد والتي تتميز بسكانها اليهود الشرقيين وبالفقر ونسبة البطالة العالية.

وعلى ما يبدو فإن أحد الفصول الأولى الذي ستتم إعادة كتابته هو الفصل المتعلق بالدروز في إسرائيل. وكان تسميرت قد انتقد بشدة، مؤخرا، هذا الفصل في كتاب التدريس لأنه يتم من خلاله التشديد أكثر مما ينبغي، برأيه، على التيارات في المجتمع الدرزي التي تعتبر نفسها عربية. ويستعرض كتاب "أن نكون مواطنين في إسرائيل" توجهين لدى الدروز في إسرائيل فيما يتعلق بانتمائهم القومي. التوجه الأول الذي يستعرضه الكتاب هو أن الدروز هم "جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية". بينما يشدد التوجه الثاني على أن هويتهم هي "مدنية إسرائيلية وليست قومية عربية". ويذكر الكتاب في هذا السياق أن التوجه الثاني هو المركزي في المجتمع الدرزي. ووفقا لمصادر مطلعة على هذه القضية، فإن تسميرت حوّل الفصل عن الدروز، الذي لا يحظى بتركيز خاص في دروس المدنيات، إلى "حرب صليبية" ضد كتاب التدريس.

ورأت الدكتور تيسلر، المحاضرة في مدرسة التربية في الجامعة العبرية، أنه "في ظل غياب دستور لإسرائيل، فإن تدريس المدنيات هو المكان الوحيد الذي بقي وبالإمكان إجراء نقاش فيه حول طبيعة الدولة، وإلى أي حد يجب أن تكون يهودية وديمقراطية وصهيونية. والطريقة لتحديد طبيعة التدريس يجب أن تكون بواسطة نقاش عام وواسع، وأن يتم حسم الأمر في نهاية المطاف من خلال ’لجنة الموضوع’، لكن تسميرت يحاول فرض آرائه. وهذا ليس شرعيا. وخلفيته الأكاديمية ليست في موضوع المدنيات وإنما في موضوع التاريخ، وهو ليس مطلعا على القضايا التي تطرحها التربية المدنية على أشكالها بشأن بناء المواطنة المشتركة".

ويشار إلى أنه قبل عام تقريبا نشر "معهد الإستراتيجيا الصهيونية" تقريرا انتقد من خلاله تدريس المدنيات في جهاز التعليم. وادعى معدو التقرير أن المواصفات الحالية لتدريس المدنيات "تمس بالتربية على الصهيونية والوطنية [الإسرائيلية]"، وأن لهذا الخلل المزعوم "انعكاسات أيديولوجية وأخلاقية واجتماعية، من شأنها أن تؤدي إلى وهنٍ في وجودنا كدولة يهودية وديمقراطية". وبعد ذلك ببضعة شهور شارك تسميرت في نقاش أجرته لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست وتطرق إلى عدة مواضيع بينها موضوع المدنيات. وعندما اقترح رئيس اللجنة البرلمانية، عضو الكنيست زبولون أورليف، من كتلة "البيت اليهودي" اليمينية المتطرفة، على تسميرت أن يطالع تقرير "معهد الإستراتيجيا الصهيونية"، رد عليه تسميرت قائلا "لقد شاركت في إعداده".

احتجاج على تعديل

منهاج المدنيات

وفي إطار الاحتجاج على سياسة تسميرت وسعيه إلى تعديل منهاج المدنيات بحيث يتناسب مع أفكاره اليمينية، قدم عضو لجنة موضوع المدنيات والمحاضر في جامعة حيفا، الدكتور أيمن إغبارية، استقالته من اللجنة، قبل نحو ثلاثة أسابيع. ويشار إلى أن مهمة اللجنة، المؤلفة من أكاديميين بارزين ومندوبين عن وزارة التربية والتعليم ومعلمين في المدارس، مرافقة الوزارة وتقديم الاستشارة لها لدى اتخاذ قرارات تتعلق بتدريس موضوع المدنيات، وهي مسؤولة أيضا عن تحديد منهاج التعليم.

وتطرق الدكتور إغبارية في رسالة استقالته إلى اجتماع للجنة عقد مؤخرا بمشاركة تسميرت وتم خلال بحث التغييرات التي يريد مدير السكرتارية التربوية إجراءها. وكتب إغبارية في استقالته التي أرسلها إلى تسميرت أن "الأجواء في الاجتماع تعزز رأيي بأن التغييرات التي تسعى إلى دفعها ليست بمثابة تعديلات بريئة، وهي بحد ذاتها أمر مطلوب بعد عشر سنوات من تشغيل البرنامج الدراسي، وإنما الأمر ينطوي على رفض مبدئي للمنطق النقدي للبرنامج. وعلى ما يبدو فإن رغبتك في ’إعادة كتابة’ البرنامج هي تعبير عن مفهوم سياسي وتربوي مقلق، وهو مفهوم يلغي ويعقر أية محاولة لمواجهة مضمون وحدود طبيعة الدولة، ويرى باستعراض الخلافات حول تعريف الدولة على أنه عمل ينطوي على تآمر".

وشدد الدكتور إغبارية على أن التغييرات التي يحاول تسميرت "إملاءها على برنامج التدريس يتم تنفيذها من دون إجراء بحث مناسب ومن دون وجود شفافية عامة ومحاولة تحويل ’لجنة الموضوع’ إلى جهة هامشية. كما أن تدخلك المباشر خلال اجتماع اللجنة من أجل تنفيذ هذه التغييرات، التي يضاف إليها الضغط الذي مارسته لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست في أعقاب تقرير معهد الإستراتيجيا الصهيونية، يمس بعمل اللجنة واستقلاليتها".

وأضاف إغبارية أنه "في حال نجحت محاولتك في ’إعادة كتابة’ البرنامج الدراسي في هذه الاتجاهات، فإن هذا الأمر سيعزز اغتراب المعلمين والتلاميذ تجاه موضوع المدنيات. كما أن فرض رواية تاريخية صهيونية على المعلمين والتلاميذ العرب هو إقصاء للأقلية العربية وتخريب لمحاولات بلورة ثقافة مدنية مشتركة في الدولة".

وخلص إغبارية إلى أنه "قررت الاستقالة من اللجنة كخطوة احتجاجية ولأني لم أنجح في التأثير أيضا. وقد سمحوا لي بالتحدث، لكني لم أنجح في إجراء تغيير ملموس. ولذلك فإنه لا جدوى من بقائي عضوا في اللجنة".

إعادة كتابة كتب

التاريخ أيضا

يذكر أن قرار وزارة التربية والتعليم إعادة كتابة وإصدار كتاب المدنيات ليس الأول من نوعه. ففي شهر تشرين الأول الماضي أصدرت الوزارة تعليمات غير مألوفة من قبل، تقضي بجمع واستعادة جميع نسخ كتاب التدريس في موضوع التاريخ بعنوان "نبني دولة في الشرق الأوسط"، الذي تم فيه ولأول مرة استعراض الرواية الفلسطينية بشأن التطهير العرقي في فلسطين في العام 1948. وكانت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية قد صادقت على هذا الكتاب قبل إصداره.

وجاء في الكتاب أن "الفلسطينيين والدول العربية ادعوا أن معظم اللاجئين هم مواطنون تعرضوا للهجوم والطرد من بيوتهم من جانب القوات المسلحة اليهودية، التي اتبعت سياسة تطهير عرقي، خلافا لتصريحات السلام التي تضمنها إعلان الاستقلال" الإسرائيلي. واستعرض الكتاب إلى جانب ذلك الرواية الصهيونية. وصادقت وزارة التربية والتعليم على تدريس الكتاب فقط بعد إدخال تعديلات عليه.

إضافة إلى ذلك فإن كتب التاريخ المدرسية في إسرائيل لا تتطرق إلى حرب لبنان الأولى، التي شنتها إسرائيل في حزيران العام 1982، ولا إلى اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تم توقيعها في أيلول العام 1993. وفسرت وزارة التربية التعليم ذلك بأن الأمر يتطلب مرور فترة عدة عقود حتى يتم تدريس أحداث تاريخية معاصرة في المدارس. لكن تبين من تعليمات وزعتها الوزارة على معلمي موضوع التاريخ أن معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، التي تم توقيعها بعد حرب لبنان الأولى واتفاقيات أوسلو، هي بين المواضيع التي يتم تدريسها. وعقبت الوزارة الإسرائيلية على ذلك أنه "بطبيعة الحال فإن برنامج التعليم لا يمكنه أن يشمل كافة المواضيع والأحداث التاريخية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات