المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1374

هذا ما يقوله الدكتور رعنان غيسين، مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أريئيل شارون، لـ "المشهد الإسرائيلي" ويضيف: سيتم تحويل اتفاق السلام النهائي إلى اتفاق لوقف القتال يشمل تطويرًا اقتصاديًا وسيطرة أمنية إسرائيلية في الضفة الغربية، من دون تواجد عسكري فعلي، ويتيح إمكان خفض مستوى العنف والاحتكاك بين الشعبين. وبعدها يتم التوصل إلى اتفاق نهائي شيئًا فشيئًا

 

 كتب بلال ضاهر:

 نشرت صحيفة هآرتس، الأسبوع الماضي، تفاصيل اتفاق قالت إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، قدمه إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يتعلق بتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. كما نشرت أن أولمرت يقترح عودة عشرين ألف لاجئ فلسطيني إلى إسرائيل خلال عشرة أعوام، معتبرا أنه بذلك يتم تطبيق رمزي لحق العودة وسيتعين على من يرغب بالعودة إلى فلسطين من بين ملايين اللاجئين العودة إلى مناطق الدولة الفلسطينية بعد قيامها في المستقبل. [اقرأ مادة منفصلة عن ذلك في مكان آخر].

 

تجدر الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية رفضت اقتراح أولمرت، مشددة على أنه لا يستند إلى قرارات الشرعية الدولية.

 

من جهة أخرى أصدر مكتب أولمرت بيانا، نفى فيه الموافقة على عودة عشرين ألف لاجئ. رغم ذلك، أكد الدكتور رعنان غيسين، مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، أريئيل شارون، في مقابلة أجراها معه "المشهد الإسرائيلي"، أن اقتراحات بخصوص تطبيق رمزي لحق العودة، يكون على شكل "لمّ شمل عائلات"، كانت مطروحة دائما على مكاتب رؤساء الحكومات الإسرائيلية. ولفت غيسين إلى أنه حتى حكومات حزب الليكود اليمينية، التي ترأسها بنيامين نتنياهو وأريئيل شارون، لم تمنع لم شمل عائلات، وأن شارون أوقف لم الشمل فقط في العام 2003 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى اقتراح أولمرت لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني؟

 

- غيسين: "إن الأمر الأساس في الاقتراح هو أن إسرائيل ستستوعب عشرين ألف لاجئ فلسطيني من خلال لم شمل عائلات. وبالمناسبة فإن هذا ليس اقتراحا جديدا. فقد ورد اقتراح مشابه في مفاوضات شرم الشيخ وطابا، وكانت هناك اقتراحات مشابهة موضوعة على مكاتب رؤساء حكومات إسرائيليين سابقين. وتقضي جميع هذه الاقتراحات بأن توافق إسرائيل بصورة مبدئية على استيعاب عودة عدد قليل من اللاجئين، عدد رمزي، من أجل حل موضوع حق العودة. فهذه القضية كانت حجر عثرة بالغ الأهمية في جميع محاولات التوصل إلى تفاهم بين إسرائيل والفلسطينيين. فإسرائيل لا يمكنها الموافقة على تنفيذ حق العودة الشامل للاجئين الفلسطينيين إلى الدولة اليهودية، ولكن إسرائيل تطرح في المقابل عودة اللاجئين إلى دولة فلسطينية تقام في المستقبل. وعدد 20 ألفا هو محاولة للتوصل إلى تسوية في هذا الموضوع. فقد قال لنا أولئك الذين أرادوا إقناعنا بمسألة حق العودة إنهم يريدون اعترافا إسرائيليا بحق العودة وإن اللاجئين لا يعتزمون العودة بشكل جماعي. من جهة ثانية، فإن أريئيل شارون أوقف لم شمل العائلات في العام 2003 في أعقاب الانتفاضة والعمليات التفجيرية، التي كان أفراد من الذين حصلوا على لم شمل عائلات وعادوا للسكن في إسرائيل ضالعين فيها. وما يحدث الآن هو استئناف لم الشمل بشكل محدود، لإظهار استعداد إسرائيل للتقدم نحو اتفاق. لكن هناك ادعاءات في اليمين الإسرائيلي بأن الموافقة على حق العودة سيشكل سابقة، ولن يحل القضية وإنما سيفتح هذا الجرح من جديد وسيؤدي بالطبع إلى تقويض شرعية وجود دولة يهودية، في العالم وفي العالم العربي".

 

(*) هل وافق حزب الليكود أيضا، عندما تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة، على تطبيق حق العودة بالشكل الذي يقترحه أولمرت؟

 

- غيسين: "نعم. فهو لم يمنع استمرار تطبيق مبدأ لم شمل العائلات الفلسطينية داخل إسرائيل. ولم يكن عدم تنفيذ لم الشمل، أو منع لم شمل عائلات، في حينه، مسألة مبدئية أو أيديولوجية. لكن بعد الانتفاضة الثانية أصبح هذا المنع أمرا مبدئيا. من جهة أخرى، فإنه في حال السماح للاجئين بالعودة إلى إسرائيل فإنه يتوقع أن يحضر إليها عدد كبير جدا، لأن إسرائيل هي مكان عمل جذاب. وسيكون الوضع شبيها بالوضع في الولايات المتحدة والمكسيك. ورغم أن الدولة الفلسطينية عندما تقوم ستكون كيانا مستقلا، لكن مما لا شك فيه أن إسرائيل هي دولة متطورة اقتصاديا، وسيكون هناك نزوح فلسطيني إلى إسرائيل بهدف العمل. وخبراء الديمغرافيا في إسرائيل يرون أنه في حال نشوء هذه الثغرة فإن العمال الفلسطينيين سيُغرقون إسرائيل، وبعد ذلك سيطالبون بالحصول على جنسية إسرائيلية، ما سيؤدي إلى انتهاء إسرائيل كدولة يهودية. رغم ذلك هناك توجه في إسرائيل للسماح بعودة عدد محدود من اللاجئين، من خلال لم الشمل. وهؤلاء يرون أنه بذلك سيكون بالإمكان التوصل لحل الصراع وإنهائه. وخلال مفاوضات واي ريفر وكامب ديفيد، في العام 2000، كانت هناك محاولات للتوصل إلى اتفاق لا تكون لدى الجانبين مطالب بعده. وعندها أكد الفلسطينيون أنهم لا يستطيعون التنازل عن حق العودة. وظهرت بعد ذلك اقتراحات حلول، في اليمين الإسرائيلي، على شكل تنازل إسرائيل عن المثلث. وقد سحرت هذه الحلول شارون أيضا. وبالطبع فإن العرب سكان المثلث رفضوا بالمطلق مثل هذه الحلول. وبالمناسبة فإني لست واثقا أيضا من أن سكان القدس الشرقية سيوافقون على الانضمام للدولة الفلسطينية في حال تم التوصل إلى اتفاق على تقسيم القدس. فهم يحصلون هنا على امتيازات، مثل مخصصات التأمين الوطني والهوية الإسرائيلية وما شابه ذلك. لذلك أنا أقول إن الموضوع معقد".

 

(*) هل بالإمكان النظر بجدية إلى اقتراح تسوية تاريخية، مثلما يقترح أولمرت، من دون أن يشمل قضية القدس؟

 

- غيسين: "قضية القدس هي أكثر قضية مؤلمة لدى الحديث عن اتفاق. وهناك عدة توجهات حيالها. إن أحد التوجهات يقضي بأن يتم أولا التفاوض على القدس وفي حال كان هناك اتفاق سيكون بالإمكان التقدم. إن القدس مشحونة من الناحية التاريخية والدينية والسياسية بالنسبة للجانبين. وياسر عرفات قال مرة خلال المفاوضات إنه لا يستطيع التوصل لاتفاق حول القدس، لأن موضوع القدس تابع للعالم العربي كله، لا للفلسطينيين فقط. ولذلك تم طرح فكرة أخرى، تعكس توجها آخر، هي التوصل لاتفاق رف من خلال الخوض في القضايا الأخرى وإرجاء موضوع القدس، وذلك مع تأكيد إسرائيل على أنها ستضطر إلى التفاوض على القدس والتوصل إلى صيغة اتفاق معينة، مثل الأحياء العربية للعرب والأحياء اليهودية لليهود. وهناك توجه يقضي بأن تبقى القدس موحدة، من أجل عدم رسم خط حدودي داخل مدينة، بسبب عواقب ذلك والتجربة التاريخية في مدن مثل برلين وبلفاست وبيروت، أي ماذا يحدث عندما ترسم خطا حدوديا داخل مدينة. وعلى الرغم من أن العلاقات اليهودية- العربية ليست جيدة إلا أن رسم خط حدودي كهذا من شأنه أن يصعد التوتر وسفك الدماء".

 

(*) أنت تقول إن الفلسطينيين سيواصلون المطالبة بتطبيق حق العودة، وفي المقابل تطالب إسرائيل بإرجاء المفاوضات حول القدس. هل تلمح هنا إلى أن الجانبين قد يتركان هاتين القضيتين الآن، ويؤجلان التفاوض حولهما، من أجل التوجه نحو حل مرحلي؟

 

- غيسين: "فلنفترض أن الجانبين توصلا إلى اتفاق. لكن الحكومتين، الإسرائيلية والفلسطينية، ضعيفتان ولا يمكنهما تنفيذ اتفاق. لذلك فإن الحل الآن هو على شكل التوصل إلى اتفاق رف، يضع قضيتي القدس وحق العودة جانبا، في هذه الأثناء. وعندما تتحسن الظروف السياسية في كلا الجانبين سيكون بالإمكان استئناف البحث في هاتين القضيتين. ما أقوله هو أنه سيتم تحويل اتفاق السلام النهائي إلى اتفاق لوقف القتال، يشمل تطويرا اقتصاديا وسيطرة أمنية إسرائيلية في الضفة الغربية، من دون تواجد عسكري فعلي، ويتيح إمكان خفض مستوى العنف والاحتكاك بين الشعبين. وبعدها التوصل شيئا فشيئا إلى اتفاق نهائي. هذا الأمر لن يعلن عنه الجانبان. فمن أجل التغلب على ضعف الجانبين يجب التوصل إلى اتفاق يكون بإمكان كل جانب أن يقول لجمهوره إن هذا ما يمكن تحقيقه في الوقت الراهن، ولم ننه الصراع، لكن سنبدأ بإنشاء علاقات مختلفة عن الماضي. والآن بإمكانك أن تسمع بنيامين نتنياهو وإيهود باراك يقولان إنه ينبغي الآن دفع مبادرات اقتصادية تخلق وضعا جديدا في المنطقة، ومن خلال واقع كهذا سيكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق نهائي واتفاق سلام، ولن يكون بالإمكان الآن التوصل لاتفاق نهائي لا يمكن تنفيذه. هذه هي الفكرة التي تقف خلف اتفاق رف".

 

(*) ما هو هدف أولمرت من طرح اقتراحه للتسوية الآن، في هذا التوقيت، وهو في نهاية ولايته؟

 

- غيسين: "الهدف هو التوصل إلى اتفاق رف، بموجب المسار الذي تم الاتفاق عليه مع الرئيس الأميركي، جورج بوش، ووزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، حتى نهاية ولاية بوش، على أمل أن يتم التوصل لاتفاق، يكون بإمكان الرئيس الأميركي القادم أن يواصل التدخل من نقطة الاتفاق التي توصل إليها الجانبان، لا العودة إلى الوراء وإلى البداية".

 

(*) المقصود هنا أن يتم تسجيل الاتفاق كإنجاز حققه أولمرت؟

 

- غيسين: "أن يتم تسجيل اتفاق كهذا كإنجاز لأولمرت ولبوش. نعم بالطبع. فالرؤساء والزعماء في نهاية ولاياتهم لا ينظرون إلى حكم الناخب وإنما إلى حكم التاريخ. وبوش وأولمرت موجودان الآن في قارب واحد، رغم أن مآزقهما مختلفة. واتفاق كهذا من شأنه أن يشكل وديعة، مثل وديعة إسحق رابين بخصوص هضبة الجولان. فقد تحولت وديعة رابين إلى حجر الزاوية. ويطالب السوريون الآن بتنفيذ وديعة رابين، وليس مهما أن الحكم في إسرائيل قد تغير. فإذن، اتفاق رف يمكنه أن يتحول إلى وديعة. ووديعة كهذه ستتحول إلى حجر ثقيل جاثم على صدر إسرائيل. ولذلك يوجد تخوف في إسرائيل من اتفاق رف. وتنفيذ اتفاق الرف منوط بقوة الحكومات التي ستأتي بعد ذهاب الحكومتين الحاليتين في الجانبين. وسنحتاج عندها إلى زعماء، مثل الرئيس المصري السابق أنور السادات أو أريئيل شارون، يكونون قادرين على القيام بخطوات لا تحظى بتأييد واسع، لكن في الوقت ذاته يتمتع الزعماء بقدر من القوة يمكنهم من تنفيذ هذه الخطوات. اليوم لا أرى أنه يوجد زعماء في إمكانهم تلبية هذا الأمر. الأمر الآخر هو أن اتفاق رف يجب أن يكون مدعوما من جانب الأميركيين. وفي جميع الأحوال فإنه ينبغي على إسرائيل الاتفاق مع الأميركيين على مسار اتفاق كهذا، حتى قبل أن تتفق مع الفلسطينيين عليه. وهذا الأمر أدركه شارون، ولذلك فإنه عندما أقدم على تنفيذ فك الارتباط اتفق عليه مع الأميركيين قبل أن يطلب موافقة إسرائيلية عليه. على كل حال، الهدف الآن هو خلق واقع يتم فيه وقف استخدام القوة والعنف، مثلما هو حاصل في أوروبا، حيث لا يوجد اتفاق على جميع القضايا لكن هناك واقع يتجه باستمرار نحو التطور وهناك حتى اتحاد أوروبي. وأعتقد أن هذا ما سيحدث هنا. أي ليس التوصل إلى مرحلة إنهاء الصراع، وإنما التوصل إلى فترة مرحلية مبكرة من إنهاء القتال".

 

(*) لكن إسرائيل لا تقوم بخطوات تساعد على التوصل حتى إلى مرحلة كهذه. فهي مثلا مستمرة في التوسع الاستيطاني خصوصا في القدس وحول القدس وفي الضفة الغربية.

 

- غيسين: "نعم يوجد هنا عدم اتفاق كبير بين الجانبين. لكن إذا تحدثنا عن اتفاق رف، مع تبادل أراض، فإنه سيكون هناك أساس لحالة عدم قتال. وبخصوص القدس والبناء (الاستيطاني) في القدس، فإني لا أرى أن الشعب الساكن في صهيون، الشعب اليهودي، سيوافق على تقديم تنازلات في القدس وهو مصرّ على أن تبقى القدس عاصمة الشعب اليهودي. من الجائز أن يتم التوصل إلى اتفاق معين حول القدس بما في ذلك حول البلدة القديمة ومحيطها، لكن المبدأ في إسرائيل هو أن تبقى البلدة القديمة وجبل الزيتون ومحيط البلدة القديمة تحت السيادة الأمنية الإسرائيلية المطلقة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات