المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1250

كان ذلك يوم الاثنين 56/10/29، يوم العدوان الثلاثي، البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي، على مصر في أعقاب تأميم قناة السويس من قبل مصر بقيادة جمال عبد الناصر. في ذلك الوقت كان دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وكان موشيه ديان رئيس الأركان وكان الجنرال تسفي تصور قائد قيادة المركز والمسؤول عسكريًا عن المنطقة التي وقعت فيها جريمة كفر قاسم. وفي صباح ذلك اليوم قام تصور بإبلاغ المقدم يسسخار شدمي، قائد لواء الجيش، وغيره من قادة الألوية في قيادة المركز عن السياسة المقررة تجاه الأهلين العرب في منطقة الحكم العسكري خلال العدوان وأكد أنه يجب ضمان الهدوء التام على الجبهة الأردنية لصالح " العملية في الجنوب"، أي في سيناء.

 

عمّمت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي في إسرائيل رسالة على جميع رؤساء السلطات المحلية العربية ومديري أقسام التربية والتعليم في هذه السلطات، وبواسطتهم على جميع المدارس والمؤسسات التعليمية العربية في البلاد، بخصوص إحياء ذكرى نصف قرن على مجزرة كفر قاسم التي ارتكبتها قوة من "حرس الحدود" الإسرائيلي يوم 29 تشرين الأول 1956 والتي راح ضحيتها (49) شهيدة وشهيدا.

 

ومما جاء في الرسالة: "انطلاقا من مفصلية هذا الحدث وتشكيله جزءا لا يتجزأ من روايتنا التاريخية وذاكرتنا الجماعية، نهيب بكم إحياء ذكرى المجزرة في مدارسكم ومؤسساتكم التعليمية، بالوقوف دقيقة صمت حدادا على أرواح الشهداء، وتنظيم فعاليات تربوية وتثقيفية للحديث حول المجزرة وإحياء الذكرى".

 

وأعدّت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي نبذة حول المجزرة ووقائعها ومحاولات التعتيم السلطوية عليها. كما أعدّت فعالية صفيّة، لتكون عونا للمربين والمربيات، بالإضافة إلى الأدبيات والإصدارات المتعدّدة حول الموضوع.

 

يذكر أن لجنة متابعة قضايا التعليم العربي كانت توجّهت في هذا الصدد إلى وزيرة التربية والتعليم، يولي تامير، قبل أسبوعين، وطالبتها بإحياء ذكرى المجزرة الرهيبة في جميع مدارس البلاد، العربية واليهودية. وقامت الوزيرة تامير بإصدار تعليمات لإحياء الذكرى.

 

وفيما يلي المعلومات التي أعدتها هذه اللجنة عن المجزرة:

 

"الله يرحمه" و"بدون عواطف"!

 

كان ذلك يوم الاثنين 56/10/29، يوم العدوان الثلاثي، البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي، على مصر في أعقاب تأميم قناة السويس من قبل مصر بقيادة جمال عبد الناصر.

في ذلك الوقت كان دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة ووزير الدفاع، وكان موشيه ديان رئيس الأركان وكان الجنرال تسفي تصور قائد قيادة المركز والمسؤول عسكريًا عن المنطقة التي وقعت فيها جريمة كفر قاسم، منطقة القرى الحدودية مع الأردن المعروفة بالمثلث والممتدة من أم الفحم شمالا إلى كفر قاسم جنوبًا. ففي صباح ذلك اليوم قام الجنرال تسفي تصور بإبلاغ المقدم يسسخار شدمي، قائد لواء الجيش، وغيره من قادة الألوية في قيادة المركز عن السياسة المقررة تجاه الأهلين العرب في منطقة الحكم العسكري خلال "عملية قاديش" أي "العملية المقدسة"- وهو الاسم الإسرائيلي للحرب ضد مصر. والمقصود بالسياسة المقررة تجاه العرب تلك التي قررها وزير الدفاع بن غوريون. وأكد تسفي تصور أنه يجب ضمان الهدوء التام على الجبهة الأردنية لصالح " العملية في الجنوب"، أي في سيناء.

وعلى أثر أوامر تسفي تصور قام المقدم شدمي بإعلان منع التجول على القرى العربية في المنطقة، وكان منع التجول عمليًا مفروضًا على قرى هذه المنطقة منذ ضمها لدولة إسرائيل (بموجب اتفاقية رودس في أيار 1949) من الساعة التاسعة مساءً على الطرق ومن العاشرة مساءً في داخل القرى، حتى الصباح، أي أن شدمي أمر بزيادة ساعات منع التجول بحيث تبدأ من الخامسة مساءً بدل التاسعة.

وفي حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم نفسه (56/10/29) قام المقدم شدمي باستدعاء الرئيس الأول شموئيل مالينكي، الذي كانت سرايا حرس الحدود التابعة له قد ضمت إلى لواء الجيش بقيادة شدمي، وأبلغه بأنه قرر أن ينيط به وبفرقته (حرس الحدود) مهمة فرض منع التجول في القرى العربية: كفر قاسم وكفر برا وجلجولية والطيرة والطيبة وقلنسوة وبير السكة. وأن منع التجول سيفرض ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً ذلك اليوم حتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي.

وقام شدمي بإبلاغ مالينكي أن منع التجول هذه المرة سيكون من نوع خاص، بمعنى أنه سيكون شديدًا جدًا ويطبق ((بيد قوية)). وليس عن طريق الاعتقالات بل عن طريق إطلاق النار.

وأضاف شدمي: قتيل واحد أو عدد من القتلى أفضل من التورط باعتقالات. وحين سأله مالينكي عن مصير العائدين إلى قراهم بعد ساعات منع التجول، أجابه ((الله يرحمه)). قال ذلك باللغة العربية وأضاف: (( بدون عواطف)).

وعلى الفور عقد مالينكي اجتماعًا مع ضباط فرقته (14 ضابطًا برُتب مختلفة) وبينهم الملازم غبرئيل دهان (قائد السرية المسؤولة عن قطاع كفر قاسم) وأبلغهم بأمر منع التجول وأنه يجب عدم أخذ معتقلين. فكل من يخالف يطلق عليه الرصاص ويقتل. وإذا وقع قتلى فإن هذا سيساعد على فرض منع التجول في الليالي القادمة. وأضاف أن: ((كل من يرى خارج البيت يطلق عليه الرصاص من أجل قتله)).

وسأل الضابط آريه منشس: ماذا سيكون مصير النساء والأطفال؟ فأجابه مالينكي: ((مصيرهم مثل مصير الآخرين: بدون مشاعر)). وعاد منشس سائلا عن مصير العمال العائدين إلى قراهم ليجيبه مالينكي ((الله يرحمه))! فهكذا قال قائد اللواء، أي شدمي.

وقرر مالينكي وضباطه في الاجتماع المذكور تبليغ مخاتير القرى بأمر منع التجول فقط في الساعة 4:30 من مساء ذلك اليوم 56/10/29.

وجاء في بروتوكول الجلسة المذكورة: ((ابتداءً من هذا اليوم في الساعة 17:00 يفرض منع التجول على قرى الأقليات حتى الساعة السادسة صباحًا. جميع مخالفي منع التجول يطلق الرصاص عليهم من أجل قتلهم)).

وأنيطت بالملازم دهان وبسريته (حرس الحدود) مهمة تنفيذ منع التجول في قرية كفر قاسم. فعقد حالا اجتماعًا لرجال سريته وأبلغهم بالمهمة وأوضح لهم أنه يجب إطلاق الرصاص من أجل القتل على كل إنسان يشاهد بعد الساعة الخامسة مساءً خارج البيت دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والعائدين من خارج القرية وقال إن هذا ((عمل مشروع)).

وفي الساعة 4:30 من مساء الاثنين 56/10/29 قام العريف يهودا زشنسكي بتبليغ مختار كفر قاسم السيد وديع صرصور ( وكان في الـ74 من عمره آنذاك) بأمر منع التجول.

فسأله المختار عن مصير أهالي كفر قاسم الذين يعملون خارج القرية، وقال إن عددهم حوالي 400 نسمة وإنهم موجودون في أماكن متعددة وبعيدة في بيتاح تكفا واللد ويافا وغيرها. فأجاب العريف بأنه (( سيهتم بهم)).

وفي الساعة 4:50 من مساء ذلك اليوم أتم ّ الملازم دهان استعداداته، فقام بإبلاغ قيادة الكتيبة بكلمة السر التي تعلن أنه أتمّ استعداداته لفرض منع التجول ولبدء المذبحة. وكانت كلمة السر هذه هي ((أخضر)).

وما إن اقتربت الساعة الخامسة حتى كانت وحدات حرس حدود منتشرة على مداخل القرية وبشكل خاص على المدخل الرئيس وهو المدخل الغربي للقرية (حيث أقيم فيما بعد النصب التذكاري لشهداء المجزرة).

خلال ساعة واحدة أوقف ((رجال الأمن)) كل عائد للقرية، بعد يوم عمل مجهد. أوقفوا كل عائد يسير على قدميه، كل راكب دراجة، كل راكب عربة وكل سيارة. تأكدوا من هويتهم بأنهم من سكان كفر قاسم وأمروهم جماعة بعد الأخرى بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا النار عليهم تنفيذًا لأمر ضابطهم أن ((احصدوهم)). وبعد كل عملية ((حصاد)) كانت فرقة حرس الحدود تبتعد عن الطريق غربًا عن الجثث حتى لا تثار مخاوف القادمين الجدد قبل وصولهم إلى موقع الفرقة.

وصل عدد القتلى إلى 49 ضحية من النساء والرجال والأطفال، 43 منهم قتلوا على المدخل الرئيس للقرية- المدخل الغربي.

 

 

التعتيم والمعركة لكشف الستار عن المجزرة

 

منذ أن ارتكبت الجريمة البشعة في عصر يوم الاثنين 1956/10/29 تميز سلوك السلطة، حكومة بن غوريون وكافة أجهزتها، بإسدال ستار التعتيم على الجريمة البشعة.

منعت السلطة الخروج والدخول من وإلى كفر قاسم. أما الرقابة العسكرية فقد فرضت صمتًا مطبقًا ومنعت نشر أي إشارة الى الجريمة قد تكون تسللت إلى الصحافة والإعلام، ومن عرف بالجريمة خلال الأيام الأولى فقد بلع الحدث وأطبق عليه، بين غير مصدق وبين ملتزم بالصمت.

وعلى أثر وصول النبأ الى النائب توفيق طوبي قامت الكتلة الشيوعية في الكنيست بطلب إدراج الموضوع على جدول الأعمال استفسارًا ومحاسبة . إلا أن رئاسة الكنيست عطلت كل مبادرة في هذا المجال.

أول إشارة الى الجريمة البشعة كان صدور بيان ملفق مشوّه من قبل مكتب رئيس الحكومة في 1956/11/11 جاء فيه:

((في 29 أكتوبر 1956، وعلى أثر تصاعد نشاط الفدائيين، أعلن نظام منع التجول في عدد من القرى القائمة على الحدود الشرقية، وذلك للمحافظة على حياة الناس. وهذه المحافظة أنيطت بوحدة من وحدات حرس الحدود. وأهالي القرى تقيدوا بنظام منع التجول، الذي تقرر من الساعة 17:00 مساء حتى الساعة 6:00 صباحًا. وفي بعض القرى عاد السكان الى بيوتهم بعد البدء بساعات منع التجول. فأصيبوا على أيدي حراس الحدود)).

واستمر الإغلاق والتعتيم ومنعت الرقابة العسكرية نشر أية معلومات.

لكن في 1956/11/20 قام عضوا الكنيست ماير فلنر وتوفيق طوبي بالتسلل عبر الطوق الذي كان وما زال مفروضًا على البلدة المكلومة لاستقصاء الحقائق مباشرة من شهود المجزرة والمصابين.

وكانت الزيارة وكأنها زيارة إلى مقبرة لا حياة فيها. فأهل القرية حتى ذلك اليوم كانوا لا يزالون متسترين في بيوتهم، لا أحد في الشوارع إلا المتنقل من بيت إلى آخر على عجالة. وأول الأمر التقى عضوا الكنيست مع صبيين تخوفا في البداية من الكلام حتى اطمئنا لمن يقابلهما، فساعداهما على الاتصال ببعض الأهلين داخل البيوت حيث انطلقت الألسن تتحدث عن الجريمة البشعة.

وقام توفيق طوبي بتدوين شهادة للأحياء الناجين والذين شهدوا مسرح الجريمة ونجوا، وسجلت الحقائق في مذكرة مفصلة وزعت في 1956/11/23 بالمئات بالبريد وباليد، وبالعبرية والعربية والانجليزية. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات