المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

دعا الوزير السابق عوزي لنداو، الذي بات يتزعم معسكر اليمين المتطرف في حزب "الليكود" الحاكم، في الاسبوع الماضي، الى تقديم موعد الانتخابات لرئاسة الحزب، وإجرائها خلال فترة قصيرة، لا أن ينتظر الحزب موعد الانتخابات البرلمانية.

وقد شرع لنداو في جمع تواقيع من أجل عقد جلسة للجنة المركزية للحزب (مركز الحزب) التي تضم حوالي 2900 عضو، من أجل اتخاذ قرار بهذا الشأن.

وكان لنداو قد بدأ حملته المكثفة في الايام الماضية باجتماع لأنصار معسكره، قال فيه "إن شارون لم يعد جزءا من المعسكر الوطني، وليس باستطاعته ان يمثل حزب الليكود، علينا الاسراع بالانتخابات الداخلية من أجل انتخاب قيادة جديدة بإمكانها أن تمثل الليكود وتعبر عن مواقفه".

وتظهر هذه الدعوة بعد أسبوعين من بدء تحركات في حزب "الليكود"، من قبل مجموعة " النواب المتمردين" على زعيم الحزب ورئيس الحكومة، اريئيل شارون. وأعلنت هذه المجموعة أنها ستقوم بحملة انتسابات للحزب بين صفوف اليمين المتطرف المعارض لخطة فك الارتباط، من أجل فرض أغلبية واضحة بامكانها ان تطيح بشارون، واختيار رئيس آخر يعارض الخطة. ولا يقف، حتى الآن، أمام شارون سوى وزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي من الصعب ضمان تأييد اليمين المتطرف له، علما ان هذا اليمين ساهم في اسقاط نتنياهو عن سدة الحكم في العام 1999، على خلفية الاتفاقيات التي أبرمها مع منظمة التحرير الفلسطينية.

وبهدف التوضيح نذكر أن أكبر الأحزاب الصهيونية في اسرائيل، ومنذ 13 عاما، تتبع أسلوبا أميركيا بشأن الانتساب للأحزاب، إذ لم يعد يسري الاسلوب التقليدي، الذي يحتم على الشخص الانتساب للحزب على أساس فكري وعقائدي سياسي ويدفع رسوم الاشتراكات، وفقط بعد فترة زمنية يحق له المشاركة في اتخاذ القرار والتصويت في هيئات الحزب. ووفق الأسلوب الجديد فإنه قبل كل انتخابات داخلية للحزب تجري حملة انتسابات، ويحق لكل مواطن لا ينتمي لحزب آخر ان ينتسب للحزب مقابل دفع رسوم انتساب، ومباشرة تحق له المشاركة في الانتخابات الداخلية.

وقد أفسح هذا المجال أمام مجموعات صغيرة، ذات تنظيم قوي، لاختراق أحزاب كبيرة من أجل قلب موازين قوى داخل حزب معين لتخدم اهدافها السياسية. وهذا ما جرى بوضوح في آخر حملة انتسابات في حزب "الليكود"، التي جرت في العام 2002، حين انتسب للحزب أكثر من 250 الف منتسب، اتضح أن غالبيتهم من مجموعات يمينية متطرفة شاركت في انتخاب رئيس الحزب شارون، ثم شاركت في الانتخابات لتشكيل قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية، ولكن في الانتخابات البرلمانية ذاتها، ووفق تقارير حزب "الليكود"، فإن الغالبية الساحقة من هؤلاء الاعضاء من اليمين المتطرف، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، لم يصوتوا "لليكود" في تلك الانتخابات، وكان في كثير من التجمعات السكانية والمستوطنات الصغيرة ان عدد الأصوات التي حصل عليها "الليكود" أقل من عدد المسجلين لديه كأعضاء في نفس المستوطنة.

وعلى الرغم من الهزّة التي ضربت الليكود نتيجة هذه الانتسابات المزيفة، إلا أن مجموعة المتمردين تعلن بوضوح أن الجمهور الذي ستجنده لحملة الانتسابات هو نفس الجمهور الذي انتسب للحزب وشارك في انتخاباته الداخلية وانسحب منه قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام 2003.

موازين القوى الحالية في الليكود لا تميل لصالح شارون، أصلا، فهناك أغلبية واضحة ضده، وقد شهدنا هذه الاغلبية في الكثير من القرارات التي اتخذها الحزب ضد ارادة شارون، مثل رفض خطة فك الارتباط، ورفض ضم حزب "العمل" الى الحكومة، وقرار مطالبة كتلة الليكود بالعمل على اجراء استفتاء شعبي عام حول خطة الفصل، إلا ان شارون لم يلتزم بجميع هذه القرارات، معتمدا على أجواء عامة في الشارع الإسرائيلي، خاصة وان استطلاعات الرأي حتى تلك التي يجريها اليمين المتطرف لا تزال تعطي أغلبية واضحة جدا تأييدا لخطة فك الارتباط.

ولهذا فإذا نجح المتمردون، او جناح اليمين المتطرف، في تجنيد جمهور ليس من مصوتي الليكود، تماما كما حصل في المرّة السابقة، فإن شارون قد يواجه خطرا حقيقيا ويفشل في الاستمرار في رئاسة الحزب.

ولكن الصورة ليست بهذه الخطورة، لأن الأمر لا يعتمد فقط على المتمردين، فمن الممكن جدا أن نشهد من جهة "حرب" انتسابات لليكود، بمعنى ان نرى معسكرا آخر مؤيدا لخطة فك الارتباط، ينضم لليكود لدعم شارون ثم يخرج منه. ولكن شارون بإمكانه من جهة أخرى الاعتماد على الانشقاق غير المعلن في المعارضين له، حول مسألة المنافس الأقوى لشارون.

من ينافس شارون

حتى الآن لا نرى في ساحة المنافسة لشارون على رئاسة الحزب سوى وزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي عالجنا امر منافسته في عدد المشهد الإسرائيلي الصادر يوم 14 حزيران/ يونيو الماضي. ولكن يوما بعد يوم تتضح صورة ان معسكر اليمين المتطرف في الليكود لا يرى في نتنياهو ممثله، خاصة وأن هذا المعسكر هو الذي اسقط نتنياهو عن سدة الحكم على خلفية الاتفاقيات التي وقعها مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وخاصة اتفاقيتي الخليل وواي بلانتيشن.

وأكثر من هذا فإن اليمين المتطرف الذي يقوده لنداو، يرصد لنتنياهو أنه أيد خطة فك الارتباط في مراحلها المتعددة في الحكومة والكنيست، وأنه فقط في الاسابيع الأخيرة فطن ليعلن عن معارضته للخطة، التي حسب المعطيات السياسية والميدانية الراهنة فإن حكومة اسرائيل لم يعد بامكانها التراجع عنها او تجميدها، بمعنى ان معارضة نتنياهو هي معارضة كلامية ولا قيمة لها.

لكن نتنياهو الذي يقرأ الصورة بشكل كامل يحاول إثارة الصدامات مع شارون في محاولة للتميز عنه، واثبات انه انتقل الى صف المتمردين. مثلا في الأسبوع الماضي انشغلت الحكومة الإسرائيلية بمسألة مشروع قانون قدمه نائب من اليمين المتطرف، يدعو الى تأجيل تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة الى شهر شباط (فبراير) القادم. وفي التصويت على القانون في الحكومة، كان نتنياهو واحدا من ثلاثة وزراء فقط أيدوا القانون، مقابل 18 وزيرا عارضوه، ولم يكتف نتنياهو عند هذا الحد، بل أعلن انه سيتغيب عن جلسة الكنيست حين سيعرض عليها القانون للتصويت، لتتبع ذلك سلسلة من بيانات التهديد المتبادلة بين مكتبي شارون ونتنياهو.

وهذه ليست المعركة الأخيرة بين الاثنين، لا بل سنشهد منها الأكثر حدّة خاصة مع اقتراب موعد تنفيذ خطة فك الارتباط واخلاء المستوطنات، لأن هذا التنفيذ سيقرب تلقائيا موعد الانتخابات العامة في إسرائيل.

لكن في هذه الزوبعة على نتنياهو ان يقرأ الخارطة جيدا، على ما يقول أكثر من مراقب. ففي التصويت المذكور على القانون برز تصويت الوزراء الثلاثة، الخارجية سلفان شالوم، والتعليم ليمور ليفنات، وتساحي هنغبي (من دون حقيبة). هؤلاء الثلاثة كانوا بشكل أو بآخر يحومون في فلك نتنياهو، وعدم انخراطهم في مناورة نتنياهو الأخيرة إنما هو رسالة واضحة له بأن "اللعبة باتت مكشوفة".

وكان نتنياهو قد تلقى صفعة كهذه عند التصويت على خطة الفصل، حينما اعتقد ان بإمكانه أن يحدث تمردا على شارون في داخل الحكومة، من خلال ستة وزراء، الذين سرعان ما ابتعدوا وتركوه وحيدا امام شارون.

وكما يظهر في الآونة الأخيرة فإن مسألة مرشح معسكر اليمين المتطرف باتت مطروحة بقوة، ويقول مقربون من عوزي لنداو انه سيحسم قريبا جدا مسألة إعلان ترشيحه لرئاسة الحزب، وعلى الأغلب سيرشح نفسه، لعلمه ان نتنياهو ليس مقبولا على اليمين المتطرف، على الأقل في الجولة الأولى من الانتخابات، وعلى الأغلب فإن لنداو سيكون المرشح الثالث، ولن يكون مرشحون أكثر، بسبب سخونة المعركة.

إن ترشيح لنداو سيضع نتنياهو في معضلة كبيرة، فهو ليس معنيا بتسجيل هزيمة جديدة أمام شارون، وفي نفس الوقت يعلم ان لنداو سيحصل على غلّة كبيرة من الأصوات التي يعتمد عليها نتنياهو وسيقلل من فرص نجاحه.

من الضروري أن نذكر أنه في الجوهر العام فإن التمايز السياسي الجوهري غائب عن هذه المعركة، على الأقل من ناحية القضية الفلسطينية. فالصراع يدور بالأساس بين من يريد خدمة اليمين المتطرف الفوضوي (نتنياهو)، وبين من يريد تحقيق الاطماع الصهيونية التقليدية (شارون)، الذي بات بالامكان اعتباره من "آباء إسرائيل"، لديه طموحه الايديولوجي الصهيوني الذي يريد تطبيقه، للسيطرة على أكثر ما يمكن من أرض، واقل ما يمكن من العرب، وهذا ما يجعله يسرّع مشاريعه الاستيطانية في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية المحتلة.

المستفيدون من سقوط شارون

الخارطة السياسية في اسرائيل متجهة في الأشهر القليلة القادمة إلى عواصف حقيقية ستنعكس كثيرا على مستقبل السياسة الاسرائيلية، وخاصة في الحزبين الاكبرين، "الليكود" و"العمل"، فإذا نجح شارون في تجاوز المنافسة وبقي رئيسا للحزب فإن هذا سيتم بصعوبة بالغة، ولكن إذا تحقق سيناريو سقوطه، فإن هذا سيلقي بحزب "الليكود" في أحضان اليمين المتطرف المعارض لأي اتصال مع الفلسطينيين.

وهذا يعني ان "الليكود" ستنحصر منافسته في قطاع أقل من 40% من مجمل المصوتين في اسرائيل، لينافس هناك احزاب اليمين المتطرف والمتدينين على انواعهم، وهذا ما سيضرب الحزب ويخفّض عدد مقاعده البرلمانية، اعتمادا على استطلاعات رأي كثيرة تؤكد أن الليكود بزعامة شارون سيتراجع الى 34 او 35 مقعدا، بدلا من 40 مقعدا اليوم (من أصل 120 مقعدا)، ولكن بقيادة نتنياهو فإن الليكود سيتراجع الى دون خط المقاعد الثلاثين، فكيف ستكون الحال لو حدثت "أعجوبة" وفاز لنداو المتشدد، الذي يعتبر شخصية غير جذابة في الشارع الاسرائيلي.

لن نستبق الأحداث كثيرا، ولكن لا بد من الإشارة إلى انه ليس فقط حزب "العمل" اليساري الصهيوني غارق في أزمة، بل ايضا حزب الليكود، ففوز شارون سيقود الى انشقاق في الحزب، بخروج مجموعة المتمردين ليشكلوا قائمة منفصلة مع قوى يمينية متطرفة، وفوز نتنياهو سيبعد جمهورًا كبيرًا من المصوتين عن الليكود، وكذا الأمر بالنسبة للنداو..

أمام صورة كهذه فإن الرابح من هذا سيكون على ما يبدو أحزاب اليسار الصهيوني خاصة "العمل"، وأحزاب الوسط، خاصة "شينوي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات