فاجأت بلدية مدينة هامر في النرويج، بقرارها رفض منح الحافلة الإسرائيلية رخصة وقوف في وسط المدينة التجاري، القائمين على حملة تبييض وجه إسرائيل في المملكة. إذ يعتبر هذا الرفض ضربة لمساعي الذين قاموا بشحن حافلة إسرائيلية كانت تعرضت لانفجار فدائي قبل عامين، من القدس الى اوسلو لعرضها كمثال حي على ما يسمونه "الإرهاب الفلسطيني" وترويجا للدعاية الصهيونية، فبقرارها منع الحافلة من التوقف في مركز المدينة بحجة أن الأرض مستأجرة من قبل التجار ووجود الحافلة هناك سيعيق حركة التبضع، تكون البلدية حسمت أمر الحافلة بالضربة القانونية القاضية.
مهما كان سبب المنع فقد كان قرار البلدية وجيها وجريئا بنفس الوقت، لأنه منع وجود " نفايات" إعلامية تحريضية بغير وجه حق، والقرار يعتبر انتصارا للمنطق والحق اللذين كانا غائبين عن الحكومة النرويجية يوم وافقت على دخول الحافلة المذكورة إلى النرويج، فالشعب الفلسطيني الضحية الدائمة للمجزرة الصهيونية المستمرة بحاجة لقطار طويل جدا يمتد من القدس حتى اوسلو كي يتمكن من عرض ضحاياه ، كما جاء في التعليق الجريء والوصف المعبر للصحافي النرويجي "آري نوردبي".
بقرار المنع المذكور يكون النرويجيون في بلدية هامر قد انتصروا من حيث يدرون أو لا يدرون للضحية الفلسطينية على جلادها ، الوحش الذي يقتلها ويدخل في جسدها ليرتدي ثوبها، وكذلك نعتبر ذلك نصراً للقضية الفلسطينية التي تتألق هذه الأيام في النرويج وتأخذ مداها الأقصى ، ويزداد التعاطف الشعبي معها بشكل واضح وجلي.
في نفس الوقت الذي منعت فيه الحافلة من الوقوف في "هامر" كانت فرقة "إبداع" الفلسطينية القادمة من منطقة بيت لحم ومخيم الدهيشة تنشد لفلسطين الماضي والحاضر والمستقبل في مدينة" كونغسفينغر"، وكان أطفال الفرقة في طريقهم لمدينة هامر حيث تمت دعوتهم لزيارة المدينة وعدة مدن نرويجية أخرى، ليسافروا بعدها الى السويد لأحياء حفلات فلسطينية هناك.
كما حضرت بدعوة من أصدقاء وأبناء فلسطين في النرويج، السيدة سعاد حجو، جدة الطفلة الشهيدة ايمان حجو، حيث شاركت في ندوة إلى جانب رئيس وزراء النرويج السابق العمالي" تور بيورن ياغلاند " في مدينة هامر أيضا، وسوف تكون لها مجموعة فعاليات ونشاطات في اوسلو ومناطق أخرى، منها لقاء مع الجالية الفلسطينية في اوسلو يوم الجمعة القادم.
هذا وكانت مدينة هامر شهدت ندوة موسعة تحت عنوان " لقاء ضد الإرهاب ". وقد تحدث في اللقاء شخصيات سياسية معروفة وهامة في النرويج مثل العمالي ياغلاند، رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان النرويجي، و كارلي هاغي، رئيس حزب التقدم المسيحي ذي الميول العنصرية والسياسات المعادية للأجانب في النرويج وكذلك جون ليلتون، رئيس الكتلة النيابية للحزب المسيحي الشعبي النرويجي. وكما هو واضح من اسماء المشاركين فإن الشخصيات المدعوة للحديث تعتبر من أنصار إسرائيل باستثناء ياغلاند الذي يعتبر أقل انحيازا من الآخرين للسياسة الإسرائيلية ، هذا بالرغم عن انه صديق لليسار الإسرائيلي ممثلا بحزب العمل بقيادة الصهيوني المخضرم بيريس. أما هاغي و ليلتون فهما من المؤيدين لإسرائيل بلا تردد.
على كل حال فان كافة المؤشرات تشير إلى عدم نجاح اللقاء لأن معظم الناس اعتبروه دعاية لإسرائيل و قالوا انه ليس نزيها ولا منصفا، لذا لم يكن مستغربا أن عدد البطاقات التي بيعت للقاء بلغ ألف بطاقة فقط لا غير، مع أن القاعة التي استأجرت للندوة تتسع للآلاف وهي قاعة رياضية اوليمبية كبيرة وواسعة. وبحسب مراسل التلفزيون الرسمي النرويجي القناة الأولى فإن عمال متجر "ريما1000" الذي يقع على بعد أمتار من القاعة الاوليمبية عبروا عن عدم اكتراثهم واهتمامهم بالندوة المذكورة. وأضاف المراسل التلفزيوني أن الندوة ضد الإرهاب تواجه مقاطعة وأن الذين ينتقدونها يعتقدون أنها تخدم الدعاية الحكومية الإسرائيلية فقط لا غير، بينما الصمت يلف ما يجري في فلسطين.
العاصمة الثانية، مدينة بيرغين، قامت ايضا باستقبال الحافلة لكن انصار فلسطين تظاهروا وتفاعلوا ضد الحافلة بالصوت والصورة، كما حصل في اوسلو الاسبوع الماضي. وكانت اوسلو خلال وجود الحافلة الإسرائيلية فيها مسرحا لنشاطات مكثفة.
ومن حكايات النرويج نقص لكم هذه الحكاية : أقامت مدرسة للتصوير الفني معرضا في مجلس المدينة نهاية شهر مايو/أيار الفائت. وتعود ملكية المدرسة لرجل يهودي من اصول مغربية يدعى "اميل فاديدا"، وقد فاجأ فاديدا الجميع بقيامه بحذف صورتين تمثلان عملا فنيا للطالبة الشابة ماري كريستيانسن (ابنة الممثلين النرويجيين المعروفين تاري كريستيانسن وفيبيكا لوكيبيرغ). واحدة منهما تمثل امرأة فلسطينية تجلس عارية وهي تدير ظهرها للمصور وعلى رأسها الكوفية الفلسطينية وقد كتب على ظهرها إسرائيل، وعند تقاطع حرف السين مع حرف راء ظهر الحرفان وكأنهما صليب معقوف. أما الصورة الأخرى فتظهر شابا يهوديا يعزف على البيانو وهو يرتدي القلنسوة اليهودية وأمامه على البيانو يظهر العلم الأمريكي، وقصدت الفنانة الشابة بالصورة المذكورة إظهار و إيضاح اللعبة الأمريكية الإسرائيلية المحكمة.
طبعا تصرف فاديدا له تفسيره الخاص للصورتين، وتفكيره محدود ومحصور في نقطة واحدة فقط لا غير، هي الدفاع عن إسرائيل وجرائمها وعنصريتها، ولا يخلو الأمر من الإثارة والسخرية فهذا الرجل فاديدا، الذي يدير المدرسة المعروفة، كان جنديا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، لذا فعمل فني مثل أعمال ماري كريستيانسن يرمز للقمع والإجرام الإسرائيلي ويظهر الضحية الفلسطينية لن يلقى ترحيبا من فاديدا وأمثاله من الصهاينة.
هذا واعتبرت ماريا وعائلتها ما قام به فاديدا عملا ارعن وسياسيا منحازا بالدرجة الأولى. وقالت ماري انها حصلت على موافقة لمتابعة دراستها في غلاسغو في اسكتلندا بناء على تلك الصور التي نالت إعجاب المدرسة الاسكتلندية ولم تنل إعجاب فاديدا. والجدير ذكره أن مدرسة فاديدا تتلقى دعما ماليا من الحكومة النرويجية، فما هو موقف هذه السلطات من أفعال فاديدا المفضوحة ؟
(أوسلو)