المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1142

 *كي يفوز المرشح في الانتخابات الداخلية (البرايمريز) في الأحزاب الكبيرة عليه أن يصرف عشرات آلاف الدولارات *المرشحون يلهثون وراء التبرعات وخاصة من أصحاب رأس المال وليست كل الأموال معلنة *هذا النمط قصّر الطريق نحو فساد الحكم وعشرات الملفات فتحت في العقدين الأخيرين* البرايمريز فتحت الباب أمام تأثيرات أصحاب رأس المال ولكن أيضا أمام تأثيرات سياسية من خارج الأحزاب *أصوات تنادي بترك هذا النمط*

 

 جرت وتجري في الأسبوع الجاري الانتخابات الداخلية في حزبي الليكود الحاكم، و"العمل" المرشح ليعود للمرتبة الثانية من بين الأحزاب، وهي انتخابات مفتوحة ويصل عدد ذوي حق الاقتراع في كل حزب الى عشرات الآلاف، ولكن كي يفوز المرشح في مقعد متقدم وواقعي، عليه أن يصرف عشرات آلاف الدولارات، ولكن ليست كل الأموال معلنة، وكل انتخابات كهذه تقصّر الطريق نحو فساد الحكم، كما علّمت تجربة 20 عاما من إتباع هذا الأسلوب في إسرائيل.

 

وقد أظهر تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أن الحد الأدنى الذي يحتاجه المرشح في الانتخابات الداخلية في حزبه، يتجاوز 26 ألف دولار، ولكن هذا يبقى مبلغا متواضعا جدا، وكلما ارتفع المبلغ زادت احتمالات الفوز بمقعد متقدم أكثر، ولهذا نسمع عن ميزانيات أبعد بكثير مما ذكر، ومنها ما يتجاوز 100 ألف دولار.

 

البدايات

 

وكان أول حزب في إسرائيل استخدم أسلوب الانتخابات المفتوحة لاختيار مرشحي الحزب، هو حزب "العمل" في العام 1992، حينما فتح باب الانتساب على وسعه، أمام كل من يرغب في المشاركة في الانتخابات الداخلية، وحتى التنافس فيها، ورأينا تدفق عشرات آلاف المنتسبين، الذين ليس بالضرورة أن يصوتوا للحزب ذاته في الانتخابات البرلمانية، فيكفي أن يحصل المنتسب على وعد من مرشح بوظيفة في مكان ما، أو على مقابل آخر، حتى تراه ينتسب للحزب وحتى يجند غيره من الأعضاء.

 

وفي تلك الانتخابات تكسرت حواجز كثيرة في حزب "العمل"، تتعلق بالشكل السابق لتركيب لائحة الحزب، وجرى انتخاب رئيس الحزب في حينه إسحق رابين بهذه الطريقة، ومن ثم أعضاء الحزب المرشحين على لائحة الحزب في الانتخابات البرلمانية.

 

وفي انتخابات العام 1996 اتبع حزب الليكود الأسلوب ذاته، الذي اصطلح على تسميته، وفق التسمية الأميركية، بـ "البرايمريز"، وظهر لاحقا أن آلافا من الإسرائيليين انتسبوا لكلا الحزبين، ما استوجب اتخاذ تدابير كثيرة، ومن بينها قوانين وتبادل معلومات كي يمنعوا هذه الظاهرة.

 

لكن اتضح للمرشحين في هذين الحزبين أن عليهم صرف الكثير من الأموال كي يكون بإمكانهم تسويق أنفسهم بين عشرات آلاف المنتسبين، وهنا فتحت الأبواب على مصراعيها أمام تلقي التبرعات، التي كانت بداية من دون ضوابط قانونية، لتأتي القوانين متأخرة بعض الشيء، بعد أن تكشفت سلسلة من قضايا الفساد.

 

فالكثير من كبار أصحاب رأس المال، وحتى أولئك الذي ارتبطت أسماؤهم بعالم الاجرام المالي وحتى الجنائي، ينفقون الملايين على مرشحين، كي يكونوا لاحقا رسلهم في المؤسسة الحاكمة.

 

ولم تمر انتخابات واحدة، إلا وتكشفت فيها حالات فساد، قادت المتورطين فيها الى المحاكم، أو للاضطرار للنزول عن الحلبة السياسية، ولكن الكثير من الملفات تم اغلاقها، ومن بين من تم اغلاق ملفاتهم، في قضايا تأسيس جمعيات وهمية لجمع التبرعات، الرئيس الحالي شمعون بيريس، ووزير الدفاع الحالي إيهود باراك، ورئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، والوزير السابق إسحق هيرتسوغ، في قضية مرتبطة بزميله السابق إيهود باراك.

 

وقد فلت أريئيل شارون بغيبوبته المستمرة منذ نحو سبع سنوات، من واحدة من أكبر قضايا الفساد، أما إيهود أولمرت، فكان "حظه" أقل من غيره، فقد برأته المحكمة من قضية فساد مرتبطة بجمع أموال تبرعات بصورة غير مشروعة، إلا أن النيابة قررت الاستئناف على قرار التبرئة.

 

وهناك قائمة طويلة من أعضاء الكنيست السابقين، الذين تورطوا في قضايا من هذا النوع، وخاصة من حزب الليكود، وعدد منهم مثل للقضاء، ومن بينهم من فرضت عليهم أحكام بالسجن أو خلافه.

 

ميزانيات ضخمة... مقابل ثمن!

 

ونشرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا مطولا، حول ما يحتاجه المرشحون في حزبي "الليكود" و"العمل" للانتخابات الداخلية التي جرت وتجري هذا الأسبوع، علما أن حزب "كاديما" الذي بات في النزع الأخير، وفق استطلاعات الرأي، قرر الغاء الانتخابات الداخلية.

 

وحسب التقرير، فإن الحد الأدنى الذي يحتاجه المرشح، خاصة في حزب الليكود الذي فيه نحو 125 ألف ناخب، هو 26 ألف دولار، كحد أدنى، ولكن هذا مبلغ لا يمكن أن يقود المرشح نحو مقدمة اللائحة الانتخابية.

وفي حزب الليكود يحتاج كل مرشح الى دفع رسوم بقيمة 2600 دولار، وبعد ذلك سيحتاج المرشح للصرف على سفرياته وعقد الاجتماعات مع جمهور المنتسبين للحزب، وقد يحتاج أيضا الى إصدار منشورات وملصقات، ومنهم، من ذوي الامكانيات المالية، أو المدعومين ماليا، ينشرون إعلانات في الصحف والمواقع الالكترونية، أو حتى عبر الهواتف الخليوية، وغيرها من الوسائل.

 

ونقرأ في التقرير أن نوابا من كلا الحزبين جمعوا "تبرعات" تتراوح ما بين 50 ألف دولار الى 100 ألف دولار وأكثر، ويقول التقرير إن أعضاء الكنيست الحاليين يتمتعون بمصاريف تغطيها ميزانية خاصة من الكنيست، مثل السفر وعقد اجتماعات واتصالات وتعيين مستشارين اعلاميين، ما يعفيهم من ميزانيات كثيرة كان عليهم تجنيدها من أموال التبرعات.

 

لكن ما غاب عن التقرير، وليس صدفة، هو الأموال الخفية، و"التبرعات" غير المعلنة وغير المسجلة، التي أحيانا تصل الى يد مراقب الدولة العام، ليكشف عن خيوط فساد متشابكة، فهذه أموال تبقى مجهولة من حيث حجمها.

 

وبطبيعة الحال فإن تبرع الأموال لسياسيين يجب أن يكون له مردود، فباستثناء الحلقة الضيقة حول المرشح من افراد عائلة واصدقاء مقربين، فإن باقي المتبرعين سيطلبون لاحقا ثمنا، وخاصة إذا كانوا من كبار أصحاب رأس المال، ونرى كيف أن أعضاء كنيست كثيرين يتجندون في كثير من الأحيان لاتخاذ موقف من قانون أو اجراء اقتصادي ينعكس سلبا أو ايجابا على جانب من الاقتصاد والقطاع الخاص.

 

وهذه الظاهرة لا تسري فقط على أعضاء الكنيست، بل على الحكومة ورأسها، فبعد الانتخابات الداخلية في الحزبين الكبيرين، يأتي دور "التبرع" للحملة الانتخابية الكبرى، ولا يمنع القانون الإسرائيلي من تلقي أموال من أشخاص من الخارج، وهذا كي لا يكون قانون كهذا حاجزا أمام تبرع أصحاب رأس المال والأثرياء اليهود في العالم، من غير مواطني إسرائيل.

 

وقد عززت ظاهرة البرايمريز تأثير أصحاب رأس المال على السلطة الحاكمة، بشكل خاص في العقدين الأخيرين. فمثلا في الأشهر الأخيرة تكشفت أسماء كثيرة من الاثرياء الذين يدعمون حملات بنيامين نتنياهو ماليا، ودعموا المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية ميت رومني.

 

ويشار إلى أنه في الأحزاب الصغيرة لا توجد ظاهرة كهذه، فهناك أحزاب ترتكز على انتخابات داخلية اعتمادا على قاعدة انتخابية واسعة نسبيا، على شكل المجلس العام للحزب أو مؤتمر الحزب العام، بينما هناك حركات، خاصة الأصولية، تتشكل فيها اللوائح الانتخابية في دوائر ضيقة، وفي أحزاب أخرى يتركز القرار في شخص واحد، كما هي الحال في حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وهو ليس الأول، فقد سبقته في ذلك أحزاب لم تعمّر طويلا على الساحة السياسية، ويجري الحديث في هذه الانتخابات أن حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) برئاسة الصحافي يائير لبيد، تم تشكيل لائحته أيضا بقرار أساسي منه شخصيا.

 

تأثيرات خارجية

 

شكلت الانتخابات الداخلية- "البرايمريز"- منذ أن ظهرت فاتحة لتأثيرات خارجية على الأحزاب، وليس فقط المالية، بل أيضا السياسية، وهذه ظاهرة برزت أساسا في حزب الليكود منذ أن بدأ في إتباع أسلوب الانتخابات الداخلية المفتوحة، ولكن ليس فقط الليكود.

 

فقد رأت مجموعات سياسية صغيرة، أو حتى مجموعات نفعية وخاصة مقاولي أصوات في قطاعات مختلفة، مثل اليهود الشرقيين والمهاجرين الجدد وأوساط بين العرب، أن هذه الانتخابات هي فاتحة لتحقيق مكاسب ذاتية وحتى مالية.

 

لكن الظاهرة الأبرز رأيناها بين مجموعات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، الذين تغلغلوا جهارا بين عشرات آلاف المنتسبين وشكلوا مراكز قوى في داخل القاعدة الواسعة للحزب، من أجل الدفع بمرشحين يدعمون أشد عصابات اليمين تطرفا، مثل الليكودي موشيه فايغلين، وغيره، ولاحقا بينت معطيات مثبتة، أن حزب الليكود حصل في الانتخابات البرلمانية في بعض المستوطنات على عدد أصوات تقل عن عدد المنتسبين اليه.

 

وفي العمل البرلماني والحزبي لاحقا، نرى أن أعضاء في الليكود، وحتى من بينهم وزراء، يهتمون بإظهار الولاء المفرط للمجموعات الصغيرة المتشددة في الحزب، رغم أنها أقلية، من أجل الفوز بدعمها في كل الانتخابات الداخلية في الحزب.

 

وفي مطلع العام الجاري، أقدم بنيامين نتنياهو على سلسلة من التغييرات في تركيبة المؤتمر العام ومجلس الحزب العام، بشكل يقلل من وزن هذه المجموعات الاستيطانية الصغيرة في القرار العام، ولكنه لم ينجح كليا في خطوته، رغم انه كان لها تأثيرات، ولأن القاعدة تقول إن أقلية منظمة وملتزمة تغلب أغلبية مبعثرة.

 

كذلك من الأمثلة والنماذج الأخيرة التي شهدناها هذا العام، هو ما جرى في حزب "كاديما"، ففي حملة الانتساب للحزب انتسب الآلاف له، وهم ليسوا بالضرورة من مصوتي الحزب، وبشكل خاص من العرب ومن اليهود الشرقيين، وكانت النتيجة أنه على الرغم من أن استطلاعات الرأي كانت تشير الى أن رئيسة الحزب تسيبي ليفني تحظى بتأييد غالبية أعضاء "كاديما" الأساسيين، إلا أنه في الانتخابات المفتوحة خسرت رئاسة الحزب لصالح شاؤول موفاز.

وبالإمكان التقدير أن ما جرى في الانتخابات الداخلية في "كاديما" ساهم هو أيضا بشكل كبير في ظهور حالة إحباط من الحزب، وبدأ الكثيرون يتركون صفوفه، أو يتراجعون عن تأييده، أيضا نتيجة خيبة أمل من نهج الحزب أصلا، حتى حينما كان برئاسة ليفني.

 

ونقرأ اليوم في استطلاعات الرأي الأخيرة أن حزب "كاديما" أكبر الأحزاب في الكنيست وله 28 مقعدا، يصارع لعبور نسبة الحسم، كي يحصل على 3 مقاعد، بينما ترك عدد من النواب الحاليين فيه صفوف الحزب مسبقا، ومنهم من تنافس في حزب الليكود للفوز بمقعد في لائحته الانتخابية.

 

أصوات تنادي

بترك هذا النمط

 

وأمام هذا الواقع، ليس صدفة أن عدة أصوات في كلا الحزبين تنادي منذ سنوات بترك نمط الانتخابات المفتوحة، والعودة الى الانتخابات الداخلية في هيئات الحزب، وخاصة مجلس الحزب العام، أو المؤتمر العام، حسب كل حزب وتسميته، وهذه أطر يصل عدد الأعضاء فيها في الليكود الى نحو 4 آلاف عضو، وفي حزب "العمل" الى ما يقارب 2500 عضو، وهؤلاء بغالبيتهم أعضاء منتدبون عن فروع الحزب والهيئات المختلفة.

 

ومن غير المستبعد أن يقرر أحد الحزبين الكبيرين، أو كلاهما، بعد الانتخابات القريبة، ترك هذا النمط، والعودة الى الشكل التقليدي، أو الأكثر منطقيا حزبيا وتنظيميا، ولكن قرارا كهذا سيكون منوطا بنتائج الانتخابات الداخلية، ومن ثم بنتيجة الانتخابات البرلمانية، وأيضا سيكون منوطا بمصلحة من سيكون رئيسا للحزب قبيل الانتخابات البرلمانية بعد المقبلة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات