في الوقت الذي ينشغل فيه الاسرائيليون والفلسطينيون بمترتبات التهدئة التي فتحت، للمرة الاولى منذ اربع سنوات، نافذة فرص حقيقية للعودة الى المفاوضات، ينسى الكثيرون الوضع الاسرائيلي الداخلي. وفي ظل ذلك ينسى الجميع ان حكومة شارون المقبلة خلال اسابيع قليلة على قرارات مصيرية وحاسمة ما زالت حكومة اقلية تتوسل الألاعيب من أجل كسب الوقت في سدة الحكم. ومن الجائز ان عودة المستوطنين مساء الأحد الى محيط الكنيست في تظاهرة كبرى للمطالبة باستفتاء عام يشكل محاولة للتذكير بهشاشة الحكومة الاسرائيلية الراهنة والمصاعب التي تعترضها.
تكشفت في الايام الأخيرة معلومات جديدة حول تحركات شبه سرية في اثنين من احزاب اليمين الاسرائيلي، "الليكود" الحاكم والمفدال المتدين، قد تقود الى انشقاقين متوقعين منذ عدة اشهر. إلا ان التحركات الأخيرة تدل على اقتراب التنفيذ الفعلي لهذين الانشقاقين، واللذين سيؤثران على كل واحد في حلبته. فالانشقاق في "الليكود" سينعكس بشكل مباشر على حجم الحزب ولكن بشكل محدود، فيما سيؤدي الانشقاق في "المفدال" الى تراجع قوته بين جمهور المستوطنين واليمين المتطرف.
التأمت الحكومة الاسرائيلية المصغرة للشؤون الأمنية والسياسية بتشكيلتها الكاملة أمس الأربعاء لتدارس الخطط التي قدمها قادة الجيش الاسرائيلي لرئيس الحكومة أريئيل شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز «الكفيلة بوقف اطلاق القذائف الفلسطينية» الى مستوطنات القطاع وبلدات محاذية داخل «الخط الأخضر»، وسط توقعات باختيار «الخطة الأنسب» وفقاً لنتائج زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) للقطاع و«متابعة جدية الأنباء» عن تنفيذ خطة أمنية جديدة تشمل نشر عناصر الاجهزة الأمنية الفلسطينية في أنحاء القطاع للعمل على منع اطلاق الصواريخ.
يصعب تخيّل إقدام أريئيل شارون على إعلان تجميد الاتصالات مع رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب محمود عباس (أبو مازن)، قبل يوم واحد من تولي الأخير مهام منصبه لولا إحساسه بمأزق شديد آخر. ومن البديهي تقدير أن شارون كان سيعمل في كل الأحوال للرد على عملية كارني بطريقة أخرى. ففي نظر الجمهور والحلبة السياسية الإسرائيلية المرتكزة على نزعة الانتقام، كان يكفي إعلان إغلاق المعابر وتنفيذ عدد من الاقتحامات وتسييل دماء عدد كبير من الفلسطينيين سواء في اجتياحات أو اغتيالات. ولكن شارون بادر الى إعلان "قطع" العلاقات مع أبو مازن.
الصفحة 27 من 56