المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حتى الأمس كانت القضية المطروحة على أجندة الهيئات التمثيلية العربية في إسرائيل تتمحور حول كيفية إحياء ذكرى هبة القدس والأقصى بمختلف دلالاتها. غير أن إعلان تقرير وزارة القضاء الإسرائيلية (الذي يسمونه تقرير "ماحش") قلب هذه الأجندة رأسا على عقب ووضعنا أمام موقف سياسي خطير يستحق التعامل معه بالمستوى والحجم اللائقين وفق خطة مدروسة. منذ إعلان التقرير- الفضيحة نكاد نغرق بالتعليقات والاقتراحات التي تعكس حالة الغضب والاحتقان لدى المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، الذين أعلنت استباحة دمهم رسميا بفظاظة غير مسبوقة.

ويخطىء من يظن ان توصيات وزارة القضاء نمت عن رغبة بالدفاع عن بعض رجال الشرطة او رموز المؤسسة الحاكمة فقط، مثلما لا يصيب الهدف من يرى انه تجسيد لوجهة نظر غبية لمن وقف وراءه. هذا التقرير له أكثر من أب وهو نتاج مشاورات مختلف دوائر صناع القرار في المستويات الإسرائيلية الحاكمة كونه ينطوي على دلالة بالغة الأهمية تقول للمواطنين العرب: لا بد ان تنسوا هويتكم الفلسطينية وانسلخوا عن شعبكم واقبلوا بمواطنة عرجاء او خرساء وإلا فالويل والثبور. وهذا يعني ان التقرير هو حلقة إضافية ولكن خطيرة جدا في مسلسل محاولات رسمية لكسر إرادة الجماهير الفلسطينية وتدجينها منذ عقود بمختلف الوسائل المحسوسة والخفية. وتمتاز هذه الحلقة بخطورتها من حيث وضع علامة سؤال كبيرة على مجرد وجود المواطنين العرب ومواطنتهم في وطنهم، فالمجرم الذي جرت تبرئته هو الدولة وليس نتان زادة وأمثاله والفارق واضح. غير أنها تختلف عن ممارسات السلطات الإسرائيلية التقليدية بكونها وضعت في أيدي الضحية ذخائر سياسية وإعلامية وهذه فرصة كبيرة لاستغلالها بالأفعال لا بالأقوال وبموجب رؤيا. لا بأس في سيل البيانات الحانقة من قبل السياسيين العرب لكن التصريحات الإنشائية المبدعة والحادة بحق لا تعفيهم من تغيير إستراتيجية العمل أمام التحدي الكبير الذي يضع مجمل قضايانا القومية والمدنية على كفة الميزان. أمام هذه المقولة الصادرة عن مؤسسة يحكمها الليكود والعمل نتوقع من قيادات الوسط العربي حسم ترددهم وعدم إهدار الفرصة للبدء في معركة واسعة مؤجلة منذ عقود نتيجة استفحال الخوف والجهل والمماحكات الحزبية. ولا بد ان تكون ذكرى أكتوبر الوشيكة علامة فارقة في رؤيتنا التقليدية للعلاقة بين المواطنين العرب والدولة تستدعي تغيير إستراتيجية العمل ورفع سقف مطالبنا ورفع صوتنا عاليا ونقل النضال الى ساحات كفاحية جديدة استنادا الى أهداف واضحة وبأدوات مبتكرة رغم حساسية المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني عشية بدء المعركة على مستقبل الضفة الغربية وسائر قضايا الحل النهائي. الواجب الإنساني والوطني يصرخ مطالبا المواطنين بعدم السكوت على تقرير الأمس ليس انتصارا للشهداء ولدمنا المراق في العام 2000 إنما دفاعا عن حقوقنا السياسية المشروعة بكل المعايير كأقلية قومية وذودا عن دماء الأجيال وبقائها وهويتها. الإضراب العام والندوات والبيانات والمسيرات داخل كافة القرى والمدن العربية لم تعد كافية لانها تستهدف إقناع من هم مقتنعون وموجهة لجمهور العرب أنفسهم. هذه هي الساعة لإسماع صرخة الغضب في آذان الرأي العام الإسرائيلي من خلال حشد المظاهرة المركزية في تل أبيب كي نقول : كفى لن نقبل بعد اليوم بالتهميش والإقصاء والدوس على الحقوق والدماء. وهناك احتمالات جيدة اليوم بأن تساند قطاعات من الإسرائيليين الديمقراطيين نضالنا العادل كوننا نرنو لمجرد مواطنة محترمة في دولة لا لتقويض أعمدتها كـ"طابور خامس" ولا يحزنون. ومثل هذه الفرصة لا تتكرر كل يوم بعد الإطلالة الشنيعة للمؤسسة الحاكمة علينا بالأمس.

إلى جانب ذلك آن الأوان لأن تخرج لجنة المتابعة والأحزاب والجمعيات العربية تهديداتها بالتوجه إلى المنابر الدولية الى حيز التنفيذ فهاتوا أفعالكم لا أقوالكم فحسب يا سادة فالمواطنون العرب جاهزون وهم بحاجة الى قبطان جيد يقود معركتهم العادلة هذه والآن. وتدويل قضية المواطنين العرب ليس لها ان تستهدف محاكمة من رفضت الدولة محاكمتهم رغم جرائمهم المقترفة في وضح النهار بل من أجل فضح زيف الديمقراطية الإسرائيلية بالاعتصام امام مقرات الأمم المتحدة ومحاكمها الدولية والاتحاد الأوروبي. هذا هو حق وواجب أقلية ابتلعت الإهانات وغمط الحقوق ولن نجد أقلية قومية أخرى في العالم تتصرف بأقل من ذلك وترضى دون المواطنة الكاملة بعد فقدان شعبها للوطن. أما السكوت على هذا الصلف الرسمي فيعني أننا بتنا كالخراف المقتادة للذبح وعندها شفاعمرو لن تكون الأخيرة والمواطنون العرب سيحشرون برضاهم في بوتقة صغيرة لأن السكوت علامات الرضا وعيون المؤسسة تترقب ردود فعلنا ومبادراتنا.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات