كثيرة هي الأوصاف التي يمكن إعطاؤها للقمة الرباعية المنعقدة في شرم الشيخ. وهي تختلف بإختلاف الزاوية التي ينظر منها الى هذا الحدث السياسي الاول من نوعه منذ مدة. فالقمة قد تكون في منظار منظمات الرفض الفلسطينية إعلان نهاية الإنتفاضة المسلحة من دون مقابل سياسي واضح أللهم غير تعهدات إسرائيلية بوقف التصفيات وعمليات التوغل العسكرية، وربما إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين لم تلطخ أيديهم بدماء اسرائيلية، ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك بالنسبة الى هذه التنظيمات كما بالنسبة الى سائر الفلسطينيين من سكان غزة والقطاع فإن إزالة الحواجز الاسرائيلية عن مداخل المدن الفلسطينية والسماح لهم بحرية التنقل لن يحدث الآن، ولن تشهده القمة الحالية.
والقمة أيضاً في منظار الإسرائيليين المعارضين لخطة الانفصال عن غزة وتفكيك المستوطنات اليهودية هناك هي من أجل تعزيز موقع شارون الداخلي ومنحه الزخم المطلوب للبدء بتنفيذ خطته والتغلب على إحتجاج المعارضين، ولحشد التأييد العربي لها بعد التأييد الأميركي الذي حظيت به أثناء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس للمنطقة.
هناك أيضاً الأطراف المبالغة في تفاؤلها لدى الطرفين والتي ترى القمة بداية مرحلة جديدة أو قمة الأمل وتحاول ألا ترى إلا الإيجابيات دون سواها.
ولكن بين هذه المواقف ثمة أمور أساسية لا يمكن التغاضي عنها وكلها تشير الى أن ثمة شيئاً جوهرياً بدأ يتغير سواء داخل اسرائيل أم وسط الفلسطينيين، وأن الحائط المسدود الذي وصل إليه الطرفان بعد أكثر من أربع سنوات على إندلاع إنتفاضة الأقصى بدأ يتزعزع.
وبغض النظر عن القرارات التي أسفرت عنها قمة شرم الشيخ فإن إنعقادها هو تراجع صريح من جانب اسرائيل التي كانت طوال السنين الماضية ترفض العودة الى المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين إلا بعد الوقف الكامل للعمليات وتفكيك بنية التنظيمات العسكرية لمنظمات الرفض الفلسطينية.
والعودة الاسرائيلية للتفاوض مع أبو مازن ومع السلطة الفلسطينية هي خطوة غير قابلة للتراجع، بمعنى أن وقوع هجمات فلسطينية لن يشكل سبباً لوقف العملية السياسية كما كان يحدث من قبل ولسحب الغطاء عن الرئيس الجديد للسلطة الفلسطينية محمود عباس. فالقيادتان السياسية والعسكرية في اسرائيل تدركان أن الوقف الكامل للإنتفاضة لا يمكن أن يتم بين يوم وآخر، وأن الرئيس الفلسطيني بحاجة الى وقت، وكل الدلائل تشير الى أنه سيحظى به وسيعطى الفرصة المطلوبة. في المقابل تدرك هاتان القيادتان أن ذلك لا يمكن أن يكون من دون ثمن أو مقابل، من هنا مقولة اللجم المتبادل للعنف من جانب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
إن عودة التفاوض المباشر بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية معناه أيضاً العودة الى المسار السياسي للتسوية الذي رسمته خطة خريطة الطريق وتفعيل العملية السلمية التي تتبناها كل من أوروبا والولايات المتحدة. وهذه العودة ستتم اليوم برعاية أميركية لا سيما بعد تعيين الخارجية الاميركية منسقاً أمنياً لها لمتابعة تنفيذ تعهدات الطرفين بالتهدئة.
ربما كل ما يحدث اليوم في شرم الشيخ لا يبدو مختلفاً تماماً عما حدث في قمم أخرى بدأت هي أيضاً بتوقعات كبيرة وإنتهت بخيبات أمل وفشل. ولكن هذه المرة هناك معطيات سياسية مشجعة لدى كل من اسرائيل والسلطة الفلسطينية . ففي اسرائيل هناك زعيم يقول للمستوطنين بأن عليهم الخروج من غزة الآن وبسرعة؛ وفي الجانب الفلسطيني هناك زعيم يقول لشعبه بأن عليه محاولة إستخدام الطرق السلمية لتحقيق أهدافه السياسية وحلمه في الدولة الفلسطينية وأنه آن الاوان لترك سبيل العنف من دون التخلي عن النضال و الكفاح السياسيين والأهم أن هناك غالبية شعبية كبيرة لدى الطرفين ترغب في العودة الى التفاوض والحوار لحل النزاع بينهما.
(*) رندة حيدر- محررة الشؤون الإسرائيلية في صحيفة "النهار"- بيروت