المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 937

عاش قادة حزب "العمل" الإسرائيلي ساعات من نشوة الفرح، حين سمعوا للمرّة الأولى أن عدد المنتسبين إلى حزبهم، في حملة الانتسابات التي انتهت قبل أسبوعين، كان حوالي 130 ألف منتسب، وهذه الحملة هي الخطوة الأولى لاستعداد الحزب لانتخاب رئيس جديد له في نهاية شهر حزيران/ يونيو المقبل.

 

لكن لم تمض 24 ساعة على هذه الفرحة، حتى تبين أنها كانت سابقة جدا لأوانها، بعد ان اتضح ان نسبة المنتسبين العرب للحزب هي في حدود 25% (أكثر من 30 ألفا)، في حين ان نسبة العرب من مجمل السكان هي 18% (إحصائيات إسرائيل تقول 20% بعد ضم أهالي القدس)، وان نسبة العرب من مجمل مصوتي حزب العمل في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع العام 2003 كانت 3%، ونسبة الذين صوتوا لحزب "العمل" من مجمل المصوتين العرب في تلك الانتخابات كان في حدود 4.5%.

وحين نقول ان الفرحة كانت سابقة لأوانها، فإن هذا يعود لسببين: الأول أن حزب "العمل" يريد بالأساس قفزة نوعية في الشارع اليهودي حيث يواجه خصومه الأساسيين، وعلى رأسهم حزب "الليكود". والأمر الثاني هو القناعة بأن رقما كهذا ما كان سيتحقق عند العرب لولا أساليب غير سليمة، عرفنا من داخل الحزب أنها نتيجة لتزييفات وانتسابات مصطنعة، لأشخاص انتسبوا فقط من اجل التصويت لرئيس الحزب، دون أي التزام للحزب ابعد من هذا، وان من جمع معظم هذه الانتسابات كانوا يعملون لصالح أحد المرشحين، وهذا ما يدفعهم لإبرام صفقات، وصلت الى حد ان قرية عربية كاملة انتسبت إلى هذا الحزب، على الرغم من ان القرية نفسها لم تمنح حزب "العمل" أي صوت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

وللتوضيح هنا نذكر ان هذه الانتسابات هي على الطريقة المتبعة في الأحزاب الأميركية، وتتبّعها الأحزاب الإسرائيلية الكبرى منذ نحو 13 عاما، بمعنى انه ليس من الضروري ان يكون المنتسب قد انتسب على أساس أيديولوجي، أو قناعة سياسية، وانما فقط من اجل ان يشتري الحق في المشاركة في الانتخابات الداخلية لهذا الحزب أو ذاك، إما على رئاسة الحزب، كما يجري الآن في حزب "العمل"، أو لتشكيل القائمة الانتخابية للحزب في الانتخابات البرلمانية او المحلية، ويحدث ان الكثير من المنتسبين لا يصوتون "لحزبهم" في الانتخابات العامة، بل يصوتون لأحزاب أخرى، او انهم لا يشاركون في التصويت أصلا.

وعلى الرغم من كل هذا فقد سارع عدد من قادة "العمل"، ومن بينهم من يتزعم القطاع العربي في الحزب، للإعلان عن أن الحزب يعيد "أمجاده" بين العرب، لا بل إن احد هؤلاء "القادة" راح يحذر الأحزاب الوطنية الناشطة بين العرب في إسرائيل، من تراجع كبير في قوتها نظرا "لعودة حزب العمل الى الشارع العربي"، حسب ادعائه.

وأيا كان الوضع الذي سنشرح بعض جوانبه في هذه المعالجة، فإن هذه الظاهرة هي مدعاة لقلق الأحزاب الوطنية، فحتى وإن كانت الانتسابات مصطنعة إلا ان هذا لا ينفي وجود تحرك متزايد في داخل الشارع العربي، وان ما امتنع اعضاء "العمل" عن فعله في السنوات الأخيرة، عادوا اليه بقوة أكبر، ولكن لهذا أسباب.

 

لمحة تاريخية

 

منذ بدايات إسرائيل تعاملت الأحزاب الصهيونية مع العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم، كمجتمع حمائلي عشائري فقير، جلّ همه البحث عن مصادر الرزق والوظائف، وكلما زاد الفقر والبؤس، احتد هذا التوجه أكثر. كذلك الأمر فإن تلك الأحزاب، وبشكل أساسي حزب "مباي"، الذي اصبح اسمه لاحقا ولسنوات طويلة "المعراخ"، ومن ثم "العمل"، استغل تفرّده بالحكم من جهة، وفرضه للحكم العسكري حتى منتصف سنوات الستين من القرن الماضي من جهة أخرى، ليفرض أجواء ترهيب وتخويف لمنع العرب من التصويت للقوى الوطنية المشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي كانت تتركز منذ العام 1948 وحتى أوائل الثمانين من القرن الماضي في الحزب الشيوعي ومن ثم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة فقط، إذ كانت حركات وطنية فلسطينية صغيرة أخرى لم تشارك في الانتخابات البرلمانية.

وحتى أوائل سنوات السبعين كان حزب "مباي" بالأساس، وبعض الأحزاب الصهيونية الصغيرة، تجرف ما بين 60% وحتى 70% من أصوات العرب، إذ كانت هذه النسبة تتراجع سنويا مع تقدم السنوات وتطور العرب وظهور أجيال جديدة لم تعايش رهبة النكبة. وكانت هذه الأصوات تصل الى هذا الحزب من قناتين، الأولى مباشرة للحزب نفسه، والثانية من خلال قوائم انتخابية "عربية"، هي بالأساس قوائم تابعة بشكل مطلق لهذا الحزب الصهيوني.

وفي منتصف العام 1975 جرى تحول كبير بين العرب، كان ثمرة تحركات مركزّة في العامين اللذين سبقاه. ففي نهاية ذلك العام نجحت القوى الوطنية المتحالفة مع الحزب الشيوعي  في مدينة الناصرة برئاسة الشاعر الفلسطيني توفيق زياد في الفوز برئاسة بلدية مدينة الناصرة، اكبر مدينة فلسطينية في إسرائيل، بعد ان كان يحتل إدارة البلدية عرب الأحزاب الصهيونية، ومهّد هذا الانتصار للأجواء التي سبقت الإعلان عن يوم الأرض الخالد بأربعة شهور، أي في آذار/ مارس العام 1976. وفي الانتخابات التي جرت في العام 1977 تلقت الأحزاب الصهيونية بين العرب ضربة صعبة نسبيا، حين هبطت نسبة التصويت لها ولقوائمها "العربية" إلى 50%،  فيما حازت الجبهة الديمقراطية على 50% من أصوات العرب. وكان هذا التحول الكبير بداية لانهيار متواصل في نسبة المصوتين للأحزاب الصهيونية، الى ان تراجعت منذ العام 1996، وحتى اليوم إلى حوالي 10% فقط، ونجد في عدد من القرى والمدن العربية ان هذه النسبة اقرب إلى الصفر، ولكنها ترتفع كثيرا في قطاع معين.

لقد رسّخ حزب المعراخ (او بتسمياته مباي والعمل) بين أوساط العرب أجواء الانتهازية والتبعية، واستغل هذا الحزب سيطرته على الحكم، وعلى اتحاد النقابات، "الهستدروت"، والشركات الاقتصادية والمؤسسات المختلفة مثل بنك "هبوعليم"، التابعة للهستدروت، والعمل في القرى الزراعية التعاونية، "الكيبوتسات"، التابعة لهذا الحزب، ليفرض على الغالبية الساحقة ممن عملوا في هذه المؤسسات الانتساب للحزب، وكان هذا شرطا، غير مكتوب، للحصول على وظيفة.

وبعث "المعراخ" بعملائه، وأولئك الذين اصطلح على تسميتهم "مقاولي الأصوات"، لجني الأصوات، وكان الإعلان عن وظائف جديدة ملازمًا لأي انتخابات عامة، إن كانت برلمانية، او محلية أو نقابية، لتبدأ عمليات الضغط والابتزاز.

 

تراجع في العقود الثلاثة الأخيرة

 

في العقود الثلاثة الأخيرة، وكما ذكر، جرى تراجع كبير في هذا النهج، وكانت انطلاقته الأولى في العام 1977، عند تشكل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وكانت القفزة الثانية في منتصف سنوات التسعين، بعد اتفاقيات أوسلو وحكومة يتسحاق رابين.

وبدأنا في هذه الأيام نسمع عن نغمة أوهام جديدة صادرة عن "قدامى" حزب "العمل" العرب، الذين يتوهمون ان العجلة بدأت تعود الى الوراء بالنسبة لحزب "العمل"، وانه مقبل على جرف جديد في الشارع الفلسطيني. بداية يجب ان نلفت نظر هؤلاء الى فضيحة التزييفات التي أعلن عنها حزب "العمل"، وبشكل خاص في حملة الانتسابات بين العرب، واستأجر الحزب خدمات شركتي تحقيق، وعشرة خبراء خط للكشف عن عمليات التزوير هذه، وذكرت وسائل اعلام انه في كشف أولي لثلاثة آلاف منتسب عربي كعينة، هناك شكوك في تزوير ما بين 1500 الى 2000 منتسب. بمعنى ان هؤلاء لم ينتسبوا بشكل مباشر، وإنما هناك من عبأ النموذج ودفع الرسوم عنهم، بمعرفتهم، وحتى من دون معرفتهم، وعلى الرغم من انه لم يتبق للانتخابات الداخلية سوى أربعة أسابيع إلا انه من غير الواضح كيف سيتعامل الحزب مع عملية التزويرات.

ويسأل السؤال، ما هي مصلحة الحزب في الكشف عن هذه الفضيحة؟ عمليا فإن المبادرين للكشف عن هذه الفضيحة ليس الحزب نفسه كسياسة عامة، وإنما هذا نتاج لحرب معسكرات المتنافسين على زعامة الحزب، فكل معسكر جند آلاف المنتسبين على أمل ان يحظى بأصواتهم، ومهمة كل معسكر ان يكشف فضائح المعسكر الخصم.

 

أساليب الماضي تعود بقوة

 

تكشف في هذه الحملة أن الأساليب القديمة التي كان يستخدمها الحزب قد عادت من جديد وبقوة، وبالأساس في اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت" الذي يرأسه عضو الكنيست عمير بيرتس، الذي عاد الى صفوف الحزب في هذا العام، بعد ان حلّ حزبه "عام إيحاد"، وعاد غالبيته الى "الحزب الأم".

فقد تركزت حملة جمع الانتسابات بين العرب عند طاقمي مرشحين من أصل خمسة مرشحين، هما عمير بيرتس، الذي ركّز حملته موظفو "الهستدروت" بالأساس، وبنيامين بن اليعيزر، الذي اعتمد على أنصاره من قدامى الحزب، وبشكل خاص بين من خدموا في جيش الاحتلال. وقد أعلن بيرتس انه نجح في جمع 12 ألف منتسب عربي، في حين ان بن اليعيزر أعلن عن جمع 16 ألف منتسب عربي، وبضعة آلاف جمعها معسكر شمعون بيريس.

ولكن الملفت للنظر أن عمير بيرتس الذي اقتحم الهستدروت على حصان زميله حاييم رامون في العام 1994 لمحاربة فساد حزبه "العمل"، وسلخ الجهاز القديم الذي جعل من الهستدروت مؤسسة حزبية خاضعة لحزب "العمل"، ظهر اليوم وهو يستعيد أساليب الماضي ويجند طواقم العاملين العرب واليهود لحملته الانتخابية، وكان هذا الأمر من أكبر مشاهد الفساد في القيادة السابقة للهستدروت، وها هو بيرتس ينفض الغبار عنها ويعيدها بقوة إلى الحياة السياسية.

 

أوهام "العمل"

 

بعد ثلاث معارك انتخابية برلمانية، ورابعة وشيكة في الطريق، تعمق أكثر فأكثر طابع التصويت بين صفوف العرب، وأصواتهم تذهب أكثر للقوائم والأحزاب الفاعلة بينهم، من القوى الوطنية. فحتى وإن تراجع التمثيل البرلماني في الانتخابات الماضية، فإن هذا لا يعني إطلاقا تراجعًا في التمثيل، وكل ما حصل ان القوائم الوطنية خسرت مقعدين نتيجة طريقة احتساب الأصوات ونسبة الحسم، فالقائمة التي ترأسها النائب السابق هاشم محاميد سقطت في عبور نسبة الحسم، مع ان الأصوات التي جمعتها كانت أقرب الى مقعد، كذلك الأمر فإن فائض الأصوات في قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة كان أقرب هو الآخر الى مقعد.

إن من يعيش اليوم في الشارع الفلسطيني داخل إسرائيل سيلمس ان التنافس الأساس في هذا الشارع هو بين القوى الوطنية على مختلف توجهاتها، أما الأحزاب الصهيونية فإنها ليست ملموسة. وحتى في خضم المعارك الانتخابية فإنه باستثناء بعض المأجورين للأحزاب الصهيونية الذين يتحركون بكثافة، فإن الذين قرروا التصويت لهذه الأحزاب يفعلون ذلك سرا، وحتى انهم ينكرون هذا عندما يُسألون، خلافا لعهود سابقة.

إن واقع حزب "العمل" سيتأكد في الشارع العربي حينما سيعرف أن عدد الأصوات التي سيحصل عليها في الانتخابات المقبلة اقل من عدد المنتسبين العرب له. وهذا أمر حصل في السابق في أكثر من حزب، وبشكل خاص في حزب "العمل" الذي واجه هذه الحالة في الانتخابات الماضية. 

   

استطلاع أولي في "العمل" واصطفافات القيادة 

سارعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الجمعة الأخير إلى نشر استطلاع للرأي حول النتائج المحتملة لانتخابات رئاسة حزب "العمل"، وهذا على الرغم من أن سجل الناخبين في "العمل" ما زال غير جاهز، وهو ما يؤكد انه لا يمكن الاعتماد على هذا الاستطلاع كنتيجة محتملة.

وبطبيعة الحال فقد احتل المركز الأول شمعون بيريس، الذي حصل على 46%، يليه متان فلنائي مع 24% ثم ايهود باراك 12% وعمير بيرتس 10% وبنيامين بن اليعيزر 4%. لكن حين سئل المستطلعون لأي حزب سيصوتون في حال كان رئيس الحزب واحدا من المرشحين الخمسة، فقد احتل شمعون بيريس مرّة أخرى المرتبة الأولى، فقد أعلن 25% من المستطلعين أنهم سيصوتون للعمل إذا كان بيريس رئيسا، مقابل 35% لليكود، وفي حال ان الرئيس فلنائي  هبطت نسبة "العمل" إلى 23% مقابل 37%، وفي حال عمير بيرتس 22% للعمل مقابل 36% لليكود، وفي حال بن اليعيزر 21% للعمل مقابل 36% لليكود، وفي حال ايهود باراك فإن "العمل" سيحصل على 19% من الأصوات مقابل 38% لليكود.

والأمر الثابت في هذا الاستطلاع هو انه أيا كان رئيس الحزب فإنه لن يكون بإمكانه التفوق على حزب "الليكود"، ولكن من جهة أخرى نرى تناقضا بين نتيجة السؤالين، وتفسير هذا يعود الى البلبلة في الشارع الإسرائيلي وابتعاد موعد الانتخابات العامة.

من أهم المسببات التي تدفع الى التشكيك في هذه النتائج هي الاصطفافات في داخل "العمل" على المستوى القيادي. وحتى الآن، فإن إيهود باراك هو الرابح الأكبر من حيث جمع اكبر عدد من القياديين الذين لهم وزنهم في الحزب، ومن بينهم وزير المالية السابق ابراهام شوحط ورئيس الموساد الأسبق وعضو الكنيست داني يتوم، من كان مدير مكتب باراك في رئاسة الحكومة، ووزير البيئة الحالي شالوم سمحون، ورئيس الحزب الأسبق عمرام متسناع والنائبة كوليت افيطال، وهناك توقع بأن ينضم لهم وزير البناء والإسكان يتسحاق هرتسوغ، الذي يعود "فضل" جلبه للحلبة السياسية، إلى ايهود باراك الذي عينه في حكومته سكرتيرا للحكومة، والقائمة لا شك في أنها ستطول.

وهذه الميزة لباراك ليست موجودة عند غيره، فقد يلتف بعض القادة حول شمعون بيريس، مثل الوزيرة داليا ايتسيك والوزير حاييم رامون.

الشيء الذي من الممكن توقعه منذ الآن، هو أننا سنرى انسحابا أو انسحابين من المنافسة قبل موعد الانتخابات، وعلى الأغلب فإن هذه الانسحابات ستكون لصالح بيريس، خاصة إذا ما بدأ ايهود باراك بتحقيق نتائج أكبر في استطلاعات الرأي، فمثلا هناك تعاون معلن بين معسكري متان فلنائي وعمير بيرتس، والأخير مقرب جدا من شمعون بيريس، وليس من المستبعد ان يقرر في النهاية الانسحاب لصالح بيريس، الذي في هذه الحالة سيكون فوزه مؤكدا.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات