المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 753

 يعرض كل رئيس لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في عدة مناسبات سنوية تصورات الاستخبارات للأخطار والأوضاع التي تواجهها الدولة اليهودية. ويشكل رأس السنة العبرية مناسبة للقادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين لعرض مواقفهم وآرائهم من الأحداث. غير أن لرئيس شعبة الاستخبارات أهمية خاصة، كونه الجهة المسؤولة عن تقديم "التقدير القومي" السنوي الذي بناء عليه تتحدد الخطط العسكرية والسياسية للعديد من الأجهزة الرسمية.


وفي السنوات الأخيرة احتل الموضوعان الفلسطيني والإيراني مكانة هامة في التقدير القومي الإسرائيلي. ولكن في الوقت الذي يكرّس فيه الكثير من المعلقين والقادة والعلماء جهدهم لتفسير الحالة التي وصل إليها مستوى "الخطر الإيراني"، خاصة في جانبه النووي، يتركز الحديث الإسرائيلي فلسطينيا على الرئيس ياسر عرفات. ومن الوجهة المنطقية يتبدى أن الحديث عن إيران يمكن أن يتم ببرودة أعصاب رغم كل محاولات "التسخين العاطفي"، ولكن شيئا من ذلك لا يتوفر عند كل حديث عن الرئيس عرفات أو السلطة الفلسطينية.


وفي الأيام الأخيرة تحدث وزيرا الدفاع والخارجية شاؤول موفاز وسيلفان شالوم عن أن مهمة طرد الرئيس عرفات لم تنجز بعد، وأن أحدا لم ينسها. وبعد ذلك تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون ذاته عن هذه المسألة بالروحية ذاتها. وجاء ذلك فقط بعد وقت قصير من إعلان ابنه عومري، الذي يعتبر أبرز المقربين منه، أنه لا جدوى من الحديث عن تصفية أو طرد الرئيس عرفات. وفي حوار مع المبحرين على شبكة الانترنت في موقع "يديعوت أحرنوت" (واينت)، أعلن زعيم حزب العمل شمعون بيريس أنه لولا عرفات لما كان اتفاق أوسلو.


وعند حدوث كل عملية، ونظرا لافتقار الإسرائيليين الى قدرة الرد الحاسم، فإن الأصوات ترتفع، خصوصا في التيارات اليمينية، مطالبة بإبعاد أو تصفية الرئيس عرفات. ولا يبتعد القادة العسكريون الذين يفترض بهم اتخاذ مواقف "مهنية"، عن الطريقة التي يتعامل بها المعلقون والقادة السياسيون. فكل من يريد أن يعبّر عن غضبه من الواقع المأزوم للأداء الأمني والعسكري الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة، لا يجد أمامه أفضل من الرئيس عرفات لصب جام غضبه عليه. ويجد مثل هذا التصرف تبريرا وقبولا من جانب الجمهور الإسرائيلي.


وبعد كل هذا جاء رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال أهارون زئيفي- فركش ليتحدث بلهجة أخرى وكأنها خالية من المشاعر. وفي نظره، فإن الرئيس عرفات صاحب دور يتراجع. ومن المنطقي الافتراض أن أحداً لا يستطيع الجدال في ذلك، خاصة أنه لم يتحدث عن "الشعبية" وإنما عن الدور. فقبول الرئيس عرفات بمبدأ حاجة السلطة الفلسطينية للإصلاح، والضغط الدولي عليه لإجراء إصلاحات محددة: توحيد الأجهزة الأمنية، الشفافية، تعيين رئيس للحكومة وما شابه، يعني أن حصته من المتابعة تراجعت. ولكن ذلك ربما لا يعني تراجع الدور. ولكن إضافة حقيقة أن كثيرا من الدول العربية والأجنبية التي كانت تقيم صلات منتظمة مع السلطة الفلسطينية قلصت من هذه الصلات، يمكن أن تعزز القول بتقليص الدور. وعدا ذلك فإن حالة الفوضى التي شهدها قطاع غزة والتي أظهرت انعدام وجود قوة مركزية مسيطرة لم تسهم في تعزيز مكانة الرئيس عرفات.
ولكن السؤال الذي لم يثر في المقابلة مع رئيس شعبة الاستخبارات يتعلق بتباهي القادة السياسيين الإسرائيليين بالإنجاز المتمثل بنجاحهم في إضعاف مكانة الرئيس عرفات. وبالتأكيد لا يقلل ذلك من حقيقة أن أخطاء الرئيس عرفات أو المحيطين به أسهمت، بقدر ما، في النجاح الإسرائيلي.
وقد يقول البعض إنه لا صحة البتة لهذا التقدير بخصوص الرئيس عرفات، وأنه رغم "المد والجزر" ما زال يحافظ على مكانته وقدرته. وقد يكون هذا صحيحا ولكن يحتاج من يقول ذلك الى الكثير من الجهد.

 

عموماً، تشكل المقابلة مع زئيفي- فركش المنشورة في صحيفة "معاريف" قبل أيام (15/9/2004) فرصة للاطلاع على تصور المسؤول الإسرائيلي الأرفع عن "التقدير القومي" حول توقعات العام المقبل. وهنا تجدر ملاحظة أن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، رغم حذره في الكلمات التي يصف بها الورطة الأميركية في العراق، يخلو من كل تفاؤل. وقد تكون النبرة أكثر تشاؤمية مما يتراءى الوضع لعدد من المعلقين والساسة العرب الذين يعتقدون أن الأمور في العراق انتهت، وأن أميركا تعيد ترتيب الوضع كما تشاء هناك.


إن زئيفي- فركش يرى أن الوضع في العراق يزداد تعقيدا، وأن قدرة الأميركيين على إعادة تشكيل الحالة العراقية ليست مؤكدة. لذلك فهو يتحدث بنوع من الخشية عن الآثار المحتملة للوضع غير المحسوم في العراق. وثمة ملاحظة لا تقل أهمية عن ذلك وهي المتصلة بنظرة إسرائيل الى التغييرات المحتملة في تركيا إذا انضمت الى الاتحاد الأوروبي. فقد يكون هذا الانضمام سندا لتركيا يغنيها عن الحاجة لإسرائيل. وهذه تشكل صدمة كبرى لإسرائيل، التي باتت تبدي معارضة لـ"الانضمام" للاتحاد الأوروبي، خشية الاضطرار للقبول بمعايير هذا الاتحاد السياسية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات