المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حلمي موسىيصل مساء اليوم الى تل أبيب وزير الخارجية الأميركية كولن باول في ظل توقعات بألا تسفر جولته عن تحقيق تقدم. وقد مهدت إسرائيل لهذه الزيارة بعمليات اغتيال لعدد من قادة كوادر المقاومة فضلا عن قتل مدنيين فلسطينيين لدفع الفصائل الفلسطينية الى تكثيف عملياتها في هذا الوقت بالذات. وتريد إسرائيل من وراء ذلك الإيحاء بأنه لا مجال البتة للتجاوب مع مطالب <<التهدئة>> الأميركية قبل أن يقوم الفلسطينيون، وخاصة حكومة أبو مازن، بوقف العمليات. ولم تكتف إسرائيل بعمليات الاغتيال التي ردت عليها المقاومة الفلسطينية بقصف صاروخي لمستوطنة سديروت على حدود قطاع غزة وهجمات استشهادية، بل أظهرت الى العلن خلافا بين وزارتي الدفاع والخارجية حول <<بوادر>> حسن النية الإسرائيلية. وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد نشرت وثيقة تفيد بوجوب تقديم <<تسهيلات>> للفلسطينيين تجاوبا مع المطلب الأميركي. غير أن وزارة الدفاع الإسرائيلية أعلنت اعتراضها على كل <<تسهيلات>> تقدم الآن للفلسطينيين لأنها ستلحق ضررا بالأمن الإسرائيلي. ومن المقرر أن <<يحسم>> شارون الخلاف بين الوزارتين في اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركية غدا الأحد.

ومن الواضح أن الخلاف بين الوزيرين الليكوديين يهدف الى إظهار المصاعب التي تعترض شارون في كل قرار يتخذه، ووجوب أن تأخذ إدارة بوش هذه الخلافات بنظر الاعتبار، خاصة أنه يستتر بعيدا عنها موقف القوى الأكثر يمينية في الحكومة الإسرائيلية. وأوضح معلقون إسرائيليون، رغم ذلك، أنه وبعيدا عن <<الخلاف>> ثمة موقف لدى المؤسسة العسكرية من حكومة أبو مازن يختلف عن الموقف الأول. وبعد أن تعاملت هذه المؤسسة مع أبو مازن، حتى الآن، بمنطق <<المخاطر والفرص>> باتت تتعامل معه بمزيد من الريبة والشك.

وقد نبعت هذه الريبة من حقيقة التقدير السائد الآن في المؤسسة العسكرية والقائل بأن أبو مازن خرج من الصراع مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مدمرا ومقصوص الجناح، وأنه بالتالي بات عاجزا عن تحقيق الأماني المعلقة عليه. وأشار التلفزيون الإسرائيلي الى أن عرفات خرج من هذا الصراع بالغ القوة. وتنظر إسرائيل بقلق الى المبعوثين ووزراء الخارجية الأوروبيين الذين يقفزون عن لقاء شارون ويختارون الاجتماع بعرفات في <<المقاطعة>> في رام الله. ويقول المسؤولون العسكريون الإسرائيليون إن الرئيس عرفات ما زال يسيطر على أموال وقوات ويصدر تعليمات.

ولكن الخشية الإسرائيلية الأكبر هي أن ينجح أبو مازن في لقائه مع باول في إقناع الأميركيين بوجوب السماح له بالاكتفاء بإبرام اتفاقية <<هدنة>> أو <<وقف نار>> مع الفصائل الفلسطينية. وتعمل إسرائيل على رفض هذه الصيغة التي تعتقد انها ستفسح المجال للفلسطينيين لإعادة بناء قوتهم وخوض الصراع ثانية ضد إسرائيل في وقت آخر.

وعموماً، فإن شارون، سوف <<يحسم>> الموقف بالصورة التي تريدها المؤسسة العسكرية والتي تتمثل في:

الاستعداد لتقديم تسهيلات للفلسطينيين شرط ألا تمس بالأمن الإسرائيلي.

استمرار إسرائيل في عمليات الاحباط التي تقوم بها بموازاة الاستعداد للتفاوض. وتصر اسرائيل على أنها ستستمر في التصفيات الجسدية بل وشن العمليات العسكرية الواسعة داخل المناطق الفلسطينية على قاعدة <<حيثما لا تعمل السلطة لإحباط العمليات، ستقوم إسرائيل بالعمل>>.

استعداد إسرائيل لإعادة نشر قواتها في الضفة والقطاع، شرط أن تتم هذه العملية <<بشكل تدريجي ومقرونة بعمل فلسطيني ناجح لإحباط العمليات>>.

ومن الواضح أن شارون وسيلفان شالون سيبلغان باول بأن إسرائيل حاولت استئناف المفاوضات الأمنية والسياسية مع الفلسطينيين، ولكن الفلسطينيين أنفسهم هم من عرقل ذلك حتى الآن. أما أبو مازن فسوف يعمل، كما سلف، لإقناع باول بوجوب الضغط على اسرائيل لتقديم تسهيلات للسكان والكف عن عمليات التصفية والقبول بفكرة الحوار الوطني الهادف الى التوصل الى هدنة. وقد أشارت صحيفة <<معاريف>> يوم أمس الى أول أزمة تواجه باول في مهمته الأساسية وهي إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين الى طاولة المفاوضات. وقالت إن أبو مازن أعلن غضبه من إقرار شارون لعملية التصفية الجسدية في غزة، ولذلك قرر أنه لا يريد الاجتماع مع شارون. وأشارت الصحيفة الى أن أبو مازن غضب على وجه الخصوص من أقوال شارون بأنه قرر تصفية أياد البيك لأن السلطة لم تقم بواجبها، وان هذه التصفية ليست للمساس بأبو مازن وإنما لمساعدته.

وقالت صحيفة <<يديعوت>> ان الرئيس الأميركي جورج بوش ينوي الضغط على إسرائيل لتحقيق تقدم. ومع ذلك أكدت مصادر إسرائيلية أن الإدارة الأميركية لا يمكن أن تفكر في الضغط على إسرائيل إلا بعد أن تقوم السلطة الفلسطينية بدورها في محاربة الفصائل الفلسطينية ووقف عملياتها ضد إسرائيل.

وأشارت هذه المصادر الى أنه ليس واضحاً حتى الآن مدى جدية الإدارة الأميركية في سعيها لتحقيق تقدم. ولاحظت هذه المصادر ان الأمور سوف تتضح بعد تحديد الشخصية الموكل إليها أمر متابعة الصراع العربي الإسرائيلي. فإذا أوكل بوش المهمة لكولن باول فإن ذلك يشير الى الاهتمام العالي، أما إذا كلف بذلك ويليام بيرنز أو أي شخصية دبلوماسية أخرى، فإن الاهتمام الأميركي يظل في دائرة التظاهر.

(السفير، بيروت 10 أيار)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات