المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ضغط عسكري على التنظيمات المسلحة وسياسي على السلطة الفلسطينية

يتفق معظم المحللين السياسيين في اسرائيل على ان قرار المجلس الوزاري الاسرائيلي بالرد على عملية القدس الغربية بالعودة الى نهج الاغتيالات، يعبر عن تغير في الاستراتيجية الاسرائيلية المتبعة في المواجهة مع الفلسطينيين. "الآن تغير النهج"، يكتبون، "واسرائيل ستتوجه من الآن فصاعدا للضغط العسكري المباشر على التنظيمات الارهابية، وستكتفي بالضغط السياسي على السلطة".

"في القدس (الغربية) أدركوا ان من الواجب الحفاظ على التمسك المظهري بعملية السلام ومنع انهيار حكومة أبو مازن"، يكتب الوف بن في "هآرتس" (22/8). "ضرب قادة حماس أبرز على انه مساعدة للسلطة حتى تتمكن من القيام بالمهمة لاحقا بجهود أقل اذا قررات ذات يوم للتصادم معها ومكافحتها. ولكن ما هذه الا دعاية، فاسرائيل أوضحت في الواقع انها لا تثق بالقيادة الفلسطينية ولا توجد لديها توقعات منها".

كانت يد اسرائيل طليقة في استخراج "خطط جارورية" للعودة الى نهج التصفيات على مستوى قيادي اعلى، وفي ذلك فإن الادارة الامريكية لم تقيد شارون. قبل انعقاد المجلس الوزاري جاء المبعوث الامريكي، جون وولف، والسفير دان كيرتسر، لمقابلة دوف فايسغلاس للسماع منه حول الرد المزمع، وتحادثت كونداليزا رايس مع مدير ديوان رئيس الوزراء الاسرايلي ايضا. في اسرائيل يصرون علي القول انهم لم يسمعوا من الامريكيين شيئا حول ضبط النفس. الرئيس جورج بوش، كما تقول المصادر السياسية، كان أكثر تشددا من شارون في دعوته للقضاء علي الارهاب خلال الاتصال الهاتفي بينهما.
"وولف عاد الى القدس على عجل وتوجه للضغط على الفلسطينيين"، يكتب بن. "لقد شعر بالتأكيد ان مهمته توشك على الانهيار كما حدث مع من سبقه في المهمة - انتوني زيني. جهوده جديرة بالتقدير ولكن احتمالات نجاحه قليلة. خارطة الطريق ماتت موتا سريريا في عملية القدس. ومحاولات إحيائها والأحاديث عن استئناف العملية بعد عدة ايام تبدو ضئيلة جدا. وكما اتضح في هذا الاسبوع، ما زالت الأطراف بعيدة عن الاستعداد للتنازلات الحقيقية رغم الضغوط الداخلية لوقف اطلاق النار. الادارة الامريكية التي ستدخل عامها الانتخابي من الآن تجد صعوبة في توفير ضغط مقنع".
"النقاش في المجلس الوزاري يظهر ان اسرائيل تقترب من لحظة اتخاذ قرار بالتحرك ضد عرفات"، يضيف بن. "الجهات الأمنية كانت موحدة في رأيها بأنه الطرف الأساسي الذي يحول دون شروع الفلسطينيين في مكافحة الارهاب. وحتي أكثر الوزراء اعتدالا، وهو ابراهام بوراز، الذي عارض العملية، قال بأن من الواجب دراسة ما الذي يتوجب فعله مع عرفات. في القدس شعروا بالتشجيع من نداء باول العلني لعرفات بأن لا يعرقل خطوات أبو مازن. القدس اعتبرت ذلك تحذيرا لعرفات من ان مواصلته لحيله سترفع عنه الحصانة السياسية وتتركه لرأفة اسرائيل وإحسانها. في الحكومة الحالية، خلافا للحكومة السابقة الموحدة، لا يوجد لعرفات من يدافع عنه".

"عرفات ذو صلة اكثر من ذي قبل"

إزاء هذه التطورات السياسية والميدانية، رأت مصادر اسرائيلية أن لقاء وزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم، مع مدير مكتب الرئيس المصري، اسامة الباز، عقب لقاء الأخير مع الرئيس ياسر عرفات في رام الله، يعكس "مرونة ما" في الحظر الذي تفرضه اسرائيل على الرئيس الفلسطيني، وتلح على العالم أجمع في أن يحذو حذوها في هذا الشأن، خصوصاً في ضوء الأنباء التي أشارت الى ان لقاء شالوم – الباز حظي باذن وتفويض مباشرين من رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارئيل شارون، الذي سبق له ان وقف بكل قوة وراء قرار حكومته، في ايار الماضي، بحظر اية لقاءات سياسية مع دبلوماسيين اجانب يزورون الرئيس الفلسطيني في مقره المحاصر في رام الله المحتلة.

غير ان هذه المصادر اكدت في الوقت نفسه، طبقاً لما نشره المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" (24/8)، ان اسرائيل احست بالامتعاض الشديد من تصريح وزير الخارجية الامريكي، كولين باول، الذي وجه من خلاله نداء علنياً مباشراً الى الرئيس عرفات "لتعميق التعاون الامني مع رئيس وزرائه محمود عباس". وأوضح "بن" انه على خلفية هذا الامتعاض تلقت اسرائيل، غداة تصريح باول المذكور، توضيحات من الادارة الامريكية، مفادها ان "موقف هذه الادارة من عرفات لم يتغير على الاطلاق".

ويشير بن الى ان التوضيحات الامريكية تشدد على ان مجرد العودة على توكيد الموقف الامريكي من الرئيس الفلسطيني، بالتساوق مع الامتعاض الاسرائيلي، لا يعد اشارة الى اسرائيل ان في مقدرتها المس بالرئيس عرفات بمقدار ما إن نداء باول لا يعني "اعترافاً متجددا بكون عرفات ذا صلة لعملية التسوية"، بما يتضاد مع القرار الامريكي بحظر الاتصال معه منذ حزيران / يونيو 2002.

ويبدو ان هذه المستجدات تشكل احدث برهان على ان الرئيس عرفات "ذو صلة وثيقة" بمركز صناعة القرار السياسي، بموجب القراءة الاسرائيلية، على رغم عدم تخلي حكومة ارئيل شارون عن موقفها المكرور بأنه "غير ذي صلة". وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من جملة تعليقات ظهرت في وسائل الاعلام الاسرائيلية منذ تفجر "الازمة الاخيرة"، بعد العملية الانتحارية المؤلمة في القدس الغربية، التي جبت 22 قتيلا واصيب فيها العشرات بجروح.

"عرفات ذو صلة أكثر من اي وقت مضي"، يكتب بن كسبيت في "معريف" (24/8)، منوّهاً الى ان "البحث في مستقبل ياسر عرفات سيجري، اذا لم تطرأ تغييرات مفاجئة، في بداية شهر ايلول (سبتمبر): ارييل شارون خرج في اجازة (حتي يوم الخميس المقبل)، في سياقها لا بد سيفكر في شرك عرفات 2003 كيف حاصرنا، حبسنا، عزلنا، جوعنا وأهنا الرجل، وهو لا يزال معنا. بقوة اعظم".

"في الايام الاخيرة تبين ان عرفات لم يتبقَ فقط ذا صلة، رغم أنفنا وارادتنا، بل ان صلته اكثر حرجا من اي وقت مضي. فهو يسيطر علي ثلثي القوات الفلسطينية المسلحة، وهو يرفض التخلي عن هذه السيطرة. وبدون الاوكي منه فان دحلان لا يمكنه ان يحرك ساكنا. وحسب الرسائل الاخيرة التي يبثها عرفات لكل العالم، فانه اذا ما اعيد الان الى مركز الخارطة، اذا ما منحت له الشرعية من جديد، اذا ما حرر - فانه سيوفر البضاعة. عرفات فقط قادر على ان يفعل ما تتوقعون من ابو مازن ودحلان، عرفات فقط يمكنه ان يدخل الرنتيسي الي الاعتقال وياسين الي الاقامة الجبرية، عرفات فقط يمكنه ان يصدر الامر الصريح ، يقول مقربوه. هذا هو الوقت للاعتراف بالخطأ، لاصلاحه والانطلاق في طريق جديد. يوجد شيء في هذه الاقوال. ياسر عرفات، خيرا أم شرا، هو الامة الفلسطينية. هو الاب المؤسس، هو الروح التي تحوم من فوق، الرمز، الاسطورة، الاجماع. هو الوحيد القادر على ان يوحد الجميع، ان يعطي الجميع أمرا، ان يضم تحت جناحيه اللاجئين والنخب من رام الله في آن واحد، التنظيم وحماس في جنوب القطاع في آن واحد. كم من الخسارة ان تنطوي هذه المزايا في جسد من اثبت انه لا يمكن معه، ومتعذر بدونه. البحث في مستقبل عرفات سيكون، بالتالي، معقدا ومضنيا. الرجل، يقولون في اسرائيل، قادر علي ان يحدث بموته ضررا اكبر مما يحدثه في حياته. ومن شأن اختفائه ان يخلف وراءه كميات فتاكة من البقايا السامة التي ستترسب فوق المحيط برمته فتسممه لاجيال قادمة.
صحيح حتى هذه اللحظة تتعاظم الاصوات في المجلس الوزاري وفي جهاز الامن، والمؤيدة لابعاد عرفات من هنا، بوسيلة ما. ومع ذلك، فلا احد يعرف كيف يقول بالتأكيد كيف سيتم عمل ذلك. يوجد خطر في ان يصاب وربما يقتل في سياق نفيه، الامر الذي سيجر المنطقة برمتها الي دوامة من الدم والنار. يوجد خطر في أن ينعشه مجرد نفيه، ويبث فيه حياة جديدة ويجعله عائقا عسيرا اكثر، زعيما معنّي ومنفيا يتنقل بين القصور والعواصم ويجترف العطف. وفي هذه الاثناء فانه يواصل المكوث في المقاطعة، ان يلقي بظله الثقيل على ابو مازن ودحلان ويبرهن في كل صباح جديد بأننا مرة اخرى أبَّناه قبل الاوان بكثير.

"لا بديل عن محاورة السلطة"

وكتب أليكس فيشمان، المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (25/8) إنه على رغم التوجه الاسرائيلي المفرط في عدائيته وتشككه حيال السلطة الوطنية الفلسطينية ينبغي التذكر بأنه "لا بديل أمام اسرائيل عن التحادث مع السلطة الفلسطينية، حتى وإن كانت تتحمل المسؤولية عن الأزمة الحالية". وأضاف أنه "من الأهمية أن تفحص إسرائيل ماذا في مقدورها أن تفعل، حتى إذا تحركت عجلات التسوية السياسية من جديد في وقت لاحق يكون في مستطاع هذا الجسم المرافق أن يدخل الى السكة الصحيحة".
ودعا فيشمان في سياق مقاله إلى التعامل مع الحكومة الفلسطينية في منحيين: الأول منحى إبداء "الكرم الإسرائيلي" في التجاوب مع طلباتها الرامية الى "تحسين صورتها في أعين المواطنين الفلسطينيين"، والثاني منحى عدم التنازل ولو قيد أنملة عن مطلب "محاربة نمو أذرع الإرهاب", على حد تعبيره.
هذا المعلق قادة إسرائيل يدعو الى علاج ما يسميه "ظاهرة الارهاب الفلسطيني" علاجاً جذرياً بحيث ينسحب على المنظمات نفسها وعلى قادتها وأموالها وبغض النظر عن أية اتفاقات أو تسويات بين الفلسطينيين أنفسهم, في إشارة إلى "الهدنة"!
ويختم :"إنه لأمر جيد بل وهام أن يفكر الرئيس الامريكي جورج بوش بأن الفلسطينيين مسؤولون عن الأزمة الحالية وأننا كنا على ما يرام. لكن ماذا يساعدنا ذلك؟ فنحن سنبقى معهم أولاً ودائماًَ".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات