المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حكومة شارون ليست حكومة اخفاق وانما حكومة أهون الأمرَّين لعدم وجود بديل

الجمهور ما زال يؤيده رغم قلة الانجازات والاخفاقات الكثيرة

يوسي فرتر

نصف سنة بالضبط قد اكتملت منذ ان تشكلت حكومة شارون الثانية. الجمهور المتعب والمرهق الذي شبع من العمليات والقرارات الاقتصادية التقليصية الصعبة لا يري في هذه الحكومة أكثر من كونها حكومة هذا ما يوجد . ليست هذه الحكومة حكومة إخفاقات ولكنها بالتأكيد حكومة أهون الأمرين. الهوية النصف سنوية التي حصلت عليها هذه الحكومة مخيبة للآمال ورديئة، والعلامة التي حصلت عليها في الاستطلاع هي بالكاد . شارون يحظي بعلامة أعلي من ذلك قليلا ولكنه هو ايضا لا يحصل علي علامة عالية. هذه الحكومة في نهاية المطاف هي حكومة الامور المتوسطة، أو المتوسطة زائد.
استطلاع الرأي الذي جري يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع باشراف مركز ديالوغ بادارة البروفيسور كميل فوكس، يمنح هذه الحكومة ذات الستة اشهر علامة متوسطة تبلغ 4.9 في سلم من 1 الي 10. في هذه الحكومة عدد كبير من الوزراء وتقدير قليل لاعمالهم التي قاموا بها.


في المجال الاقتصادي هناك فشل مطلق: 3.9 فقط. وفي المجال الأمني تحسن معين 5.5.
20 في المئة فقط من المستطلعين يقدرون ان الوضع سيتحسن في نصف السنة القادم. 28 في المئة يقولون ان الوضع سيسوء. و45 في المئة يقولون انه سيبقي علي حاله، وهو امر سييء.
هذه الاشهر الستة تميزت بثلاثة أحداث أساسية: تمرير الخطة الاقتصادية التي طرحها نتنياهو والتي أنقذت الاقتصاد من الانهيار، حسب رأي الكثيرين، رغم كل الانتقادات التي وجهت اليها. وثانيا خريطة الطريق التي طرحها بوش. وأخيرا تزايد القضايا الجنائية المشبوهة المنسوبة لرئيس الحكومة وأولاده. الجمهور كما يتبين من الاستطلاع ليس مكونا من جمهور من المحللين القانونيين: ردا علي سؤال أي عامل من هذه العوامل الثلاثة قد يؤدي الي تقصير عمر الحكومة. قال 18 في المئة فقط ان قضايا التحقيقات ضد شارون وعائلته ستكون السبب. 39 في المئة قالوا ان الاقتصاد هو السبب. بينما قال 31 في المئة انه الوضع الأمني الصعب. مرة اخري يتبين ان الاستقامة والحفاظ علي النقاء السلطوي لا يغيران من أنماط التصويت لدي الناس. ورغم انهم يحبون الهمس ضد السياسيين وافعالهم الا ان الورقة تبقي نفس الورقة دائما في صناديق الاقتراع.
حوالي نصف المستطلعين قدروا ان الحكومة لن تبقي حتي آخر ايامها. ثلثهم قدروا ان الحكومة ستقضي كل فترتها حتي تشرين الاول (اكتوبر) 2007. ورأيهم في هذه القضية مثل رأي الوزراء الذين أجروا مقابلة مع عدم ذكر أسمائهم لهذه المقالة: هذه الحكومة أكثر استقرارا من سابقاتها. هذا تفكيرهم واعتقادهم ومن المحتمل جدا ان يكونوا علي حق. شينوي التي لا يميل ناخبوها الي هذه الحكومة، كما يظهر من الاستطلاع، ستخرج منها فقط عندما تصبح جهنم باردة وعندما يشتعل البحر. كما ان الانتقادات الشديدة التي سيوجهها اعضاء شينوي لاحقا تصدر بالأساس من اجل إرضاء الناخبين الذين يشعرون بخيبة الأمل. خيبة أمل ناخبي شينوي نابعة بالأساس من أداء الحكومة وبدرجة أقل من أداء حزبهم. ردا علي سؤال أي حزب يجسد أكثر وعوده لناخبيه، قال 42 في المئة من ناخبي شينوي ان حزبهم هو الذي يجسد وعوده، بينما أشار 26 في المئة فقط من ناخبي الليكود الي حزبهم. هذا رغم حقيقة ان أمرا واحدا لم يتحقق من برنامج شينوي في القضايا السياسية والدينية، هذا باستثناء مسألة واحدة غير هامة وهي اخراج الاصوليين من الحكومة. أما باقي القضايا فقد تشكلت لجان لمعالجتها. من الممكن فقط تخمين ما الذي كان سيفعله تومي لبيد لميرتس لو كانت في وضع مماثل، ولكن لبيد صامد، فوضعه جيد، بل جيد جدا.

لا يتطوع لخوض معركة
شارون ملك البقاء يعرف كيف يدير حكومته، ولو كان لدي ايهود باراك رُبع قدرته هذه لبقي علي رأس الحكومة. المستطلعون في استطلاع ديالوغ الذي نظم بطلب من صحيفة (هآرتس) منحوا رئيس الحكومة علامة 5.6 علي أدائه. و37 في المئة فقط من ناخبي الليكود يمنحونه علامة عالية علي أدائه. (شارون كما نذكر انتخب للولاية الثانية بأغلبية ساحقة من قبل نفس الاشخاص الذين انتخبوه قبل سبعة اشهر تماما، في 28 كانون الثاني (يناير) من هذا العام). ماذا يعني ذلك بالضبط، ليس كثيرا. لو جرت اليوم انتخابات وكان المتنافسون ذاتهم لكانت النتيجة نفس النتيجة. شارون يتمتع بدعم ثابت في الرأي العام بالأساس لعدم وجود بديل له. المعارضة لم تستطع ان تطرح قبالته شخصية بارزة ذات قدرة علي النجاح.
في نصف السنة الماضي وصل تجاهل شارون لمبدأ تقديم تقرير وحساب لناخبيه وشعبه الذروة وحطم الأرقام القياسية. كلما تراكمت القضايا شبه الجنائية علي ظهره، وكلما تدهور الوضع الاقتصادي وتزايدت البطالة وتعمق الركود، كلما تعاظم صمت شارون. صوته لا يسمع بعد قضية قرية ملال ب، كما انه لم يسمع بعد العملية الصعبة في باص رقم 2 في القدس، ولا في قضية الأمهات من الأسر أحادية الوالد، ولا في قضايا اخري كثيرة. هل يذكر أحد ما متي أجري شارون مقابلة مؤخرا؟ (الجواب: عشية عيد الفصح). شارون تحول تقريبا الي غواصة والي كيان غامض ظلامي يبحر في أروقة الكنيست أو علي أعتاب البيت الابيض ومحمي من الجيش والحراس من جهة، والمستشارين الاعلاميين من جهة اخري.
رئيس الوزراء لا ينجر للمجابهات والمصادمات، وهو لا يتطوع لخوض معركة ثنائية مع أي أحد وفي أي قضية. هو يحني رأسه منتظرا حتي تمر العاصفة. هذا ما قرره من قرره له، وهكذا يتصرف هو. رئيس المعارضة سابقا، عضو الكنيست يوسي سريد، يقول: لقد حاولت مرات كثيرة ان أجتذبه للمواجهة معي وقلت له في وجهه امورا مرعبة ونعته بالمجرم، الا انه لم يرد علي في أي مرة من المرات. هذا الاختباء يفتح بطبيعته بابا لبث الاشاعات حول الوضع الصحي غير السليم. الشخصيات السياسية التي وافقت علي الاسهام في هذه المقالة لا تري أعراضا تدل علي ذلك عند شارون. شارون حسب رأيهم ظل كحاله دائما: متمركزا، حاذقا وحادا. لديه قدرة علي العمل حتي ساعات متأخرة من الليل، الا انه لا يتنازل عن قيلولة الظهيرة الطويلة في المقر الرسمي. في يوم الاربعاء ليلا يسافر الي مزرعته في النقب الشمالي ويبقي هناك حتي يوم الاحد صباحا. عطلة الاسبوع الطويلة تُكرس بالأساس للتجول في الحقول بين العجول.

نتنياهو هو الخليفة
الوزير يوسف بريتسكي من شينوي، يتحدث عن الحكومة التي يشارك في عضويتها بكلمات صعبة. مشكلة الحكومة الأساسية في نظره هي ان رئيس الوزراء لا يقدر وزراءه ولا يثق بهم، ولذلك لم تطرح علي طاولة الحكومة أي مسألة حقيقية خلال نصف السنة الأخير. لم يجر نقاش حول مسار الجدار، ولا سياسة التصفيات الفاشلة تماما، ولا سياسة مكافحة الارهاب، ولا ما يخططون له لاحقا. بريتسكي مثل بيني بيغن يقول عن شارون ان أداءه مختل، وان هذا الأداء سيزداد حدة لاحقا إذ بدأ يشعر بتململ الوزراء ورؤساء الكتل الائتلافية.
بريتسكي وضع أصابعه علي مراكز القوة الأساسية في الحكومة. شارون، شاؤول موفاز ونتنياهو. موفاز ونتنياهو هما اللذان يتصدران قائمة المرشحين للخلافة بلا منازع. نتنياهو حسب الاستطلاع ما زال الوريث الطبيعي في نظر الجمهور عموما، وفي نظر ناخبي الليكود خصوصا. عندما يكون موفاز في صورة المنافسة (لانه ليس عضو كنيست يمكنه ان ينافس علي رئاسة الليكود فقط في حال اجراء انتخابات عامة، ولكن ليس في حال اضطرار شارون للاستقالة في منتصف ولايته)، نتنياهو يحظي بـ 42 في المئة من الدعم من ناخبي الليكود، بينما يحصل موفاز علي 24 في المئة فقط. ايهود اولمرت حسن وضعه قليلا، وهذا يعود علي ما يبدو للبروز الذي حصل عليه مؤخرا كوزير متعدد الحقائب: 9 في المئة من اصوات ناخبي الليكود. بعدهم تأتي ليمور لفنات وسلفان شالوم. في اوساط الجمهور عموما يقترب موفاز ونتنياهو من بعضها البعض (28 في المئة لنتنياهو، و22 في المئة لموفاز). وفي حال اجراء الانتخابات في منتصف الولاية الحالية سيكون نتنياهو الخليفة المؤكد لشارون: 54 في المئة من ناخبي الليكود ينظرون اليه كخليفة لشارون. وفي أوساط الجمهور عموما يحظي نتنياهو بدعم جيد: 39 في المئة. هذه النتيجة غير سيئة لمن يقود خطة اقتصادية ذات قرارات تقليصية صعبة. من الممكن إيلاء هذه المعطيات لتغير صورته خلال نصف السنة الأخير: من متحمس استحواذي الي وزير مهني وقائد اقتصادي لـ رئيس حكومة اقتصادي . شارون رغم كراهيته الشخصية لنتنياهو لا يتدخل في مملكته، بينما تجده يتصرف كوزير أعلي في كل الوزارات الاخري، من خارجية ودفاع وبني تحتية، ولكن ليس في المالية. من الناحية السياسية قد تكون هذه الحكومة الأكثر هدوء في السنوات الأخيرة، فلا تمارس علي شارون تهديدات سياسية، لا من الداخل ولا من الخارج، ولا يقوم أحد من الخلفاء المحتملين بتهديده بمنافسته اذا قرر البقاء. التوتر الشديد الذي رافق الحكومة السابقة عندما سعي نتنياهو لافتراسها من الخارج وهدد بإقالة شارون، اختفي من روتين حياة الحكومة الحالية. ومن الناحية الاخري يشعر شارون انه أكثر عزلة، فهو لا يقدر اغلبية الوزراء ولا يحبهم، وهو يكثر من توجيه اللسعات لهم في محادثات خاصة. منذ ان ترك شمعون بيريس طاولة الحكومة شعر شارون انه فقد الشخص الوحيد في مستواه الذي كان بامكانه ان يتحادث معه علي نفس المقياس. مع موفاز يوجد له تعاون ممتاز، وهو يشعر بالارتياح معه. ومع سلفان شالوم لم يعد الامر كما كان، فالعلاقات باردة جدا ولا يتحادثان الا عند الضرورة. ومع نتنياهو يسود عداء صعب، طويل العمر الي جانب الاعتماد المتبادل بينهما. أما اولمرت فهو يقدره ويدفع به الي الأمام رغم امتعاض الوزراء الآخرين. لفنات ليست محبوبة علي قلبه، الا انه يقدر مهنيتها وتصميمها علي زحزحة الامور في وزارتها.
في نصف السنة هذا تحول شارون الي شخص أكثر حزنا، إذ ينغلق علي نفسه ويتأثر كثيرا بتورط نجليه وتورطه هو نفسه في القضايا المالية.

63 في المئة: ائتلاف، أين هو هذا الائتلاف؟
ليس اعضاء كتلة حزب العمل وحدهم لا يشعرون بوجود معارضة ناجعة وحازمة في مواجهة حكومة شارون قليلة الانجازات، وانما هو شعور سائد في اوساط الجمهور عموما. علي سؤال استطلاع ديالوغ: من هو عضو المعارضة الأبرز في الكنيست و/ أو في الجمهور، قال 46 في المئة من المستطلعين انهم لا يعرفون. و17 في المئة قالوا لا أحد. وهؤلاء معا يبلغون 63 في المئة (!)، يقولون في الواقع انه لا توجد معارضة بالمرة. 13 في المئة ذكروا اسم شمعون بيريس باعتباره عضو المعارضة الأبرز (وهو لقب لا يوجد لبيريس اهتمام به حسب قوله، لا شكليا ولا جوهريا). بعده يأتي اسم رئيس المعارضة سابقا، عضو الكنيست يوسي سريد (7 في المئة).

(هآرتس) 28/8/2003

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات