المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة:

علم المهندس اسماعيل أبو شنب بقرار الحكومة الإسرائيلية استهداف حركتي حماس والجهاد الإسلامي بعمليات خاصة بينها اغتيال قيادات في الحركتين عقب عملية القدس، لكنه ركب سيارته أمس، وسار في شوارع الرمال، في ما يعكس اطمئناناً شخصياً إلى أنه ما زال خارج دائرة الاستهداف المعروفة تقليدياً عن إسرائيل.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون الباحث عن صور سريعة يغطي بها على الصور التي خلفتها عملية القدس الأخيرة في أذهان الشارع الإسرائيلي، أصدر أوامره الشخصية المباشرة بقتل أبو شنب عندما توفر له ذلك دون مراعاة لأية اعتبارات ظلت حتى وقت قريب تحكم هذا الصراع الذي يبدو اليوم طاحونة عظام وأشلاء بشرية لا مخرج منها.

فاغتيال المهندس أبو شنب، الشخصية القيادية في حماس، المعروفة باعتدالها، وبدورها في إنجاح مبادرات الحوار الوطني الفلسطيني، مثل الحوارات التي قادت قبل أقل من شهرين إلى التوصل لإعلان الهدنة، يشكل بالنسبة للفلسطينيين خروجاً عن كل ما عرفة الصراع المتفجر منذ ثلاثة أعوام من تقاليد، إذا كان ثمة من تقاليد لهذا الصراع.

وباغتيالها أبو شنب تكون حكومة شارون قد أطلقت رصاصة الرحمة على الهدنة التي كانت تحتضر تحت ضربات الجيش الإسرائيلي المتلاحقة التي لم تتوقف منذ إعلان هذه المبادرة التي رأى فيها العالم الخارجي خطوة تتسم بالعقلانية وتضع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على باب مرحلة جديدة من المفاوضات والاستقرار وتوقف دائرة الدم.

فحتى صباح أمس، قبيل ساعات من اغتيال أبو شنب، كان ثمة أمل يلوح في الأفق لإنقاذ الهدنة، بعد الإجراءات التي قررت السلطة اتخاذها ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي على خلفية عملية القدس التي سقط فيها عشرون مدنياً إسرائيلياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وهي العملية التي قوبلت بردود فعل مستنكرة في كافة أنحاء الكون.

لكن مع اغتياله تكون كل الفرص والجهود الرامية لوضع حد لدوامة سفك الدماء، وإعادة تصحيح مسار الهدنة لتشمل الطرفين، قد تبددت مع تبدد ألسنة اللهب والدخان التي تصاعدت من سيارته التي أصابتها خمسة صواريخ.

فقد أعلنت مختلف القوى والفصائل الفلسطينية عن وقف التزامها بالهدنة والعودة لاستئناف العمليات العسكرية، ما ينبئ بفترة عصيبة قادمة.

وقال الشيخ بسام السعدي من قادة الجهاد الإسلامي: إسرائيل هي التي قضت على الهدنة بعدوانها المتواصل إلى أن أطلقت عليها أمس رصاصة الرحمة.

وقال متحدث باسم كتائب شهداء الأقصى في نابلس: مع عودة الاغتيالات والاجتياحات لم يتبقَّ من الهدنة سوى ذكراها.

وفي إسرائيل عاد الجمهور لحالة الانقباض والقلق الدائم من القنبلة التالية التي يحاول الكثيرون التنبؤ بأي منطقة أو أية حافلة أو سوق تجاري ستنفجر.

وقال الصحافي روني شكيد: كل ما أفكر فيه شخصياً الآن هو الانفجار القادم في إسرائيل.

وقد جاءت عملية التفجير الأخيرة في القدس، على ما خلفته من نتائج سياسية سلبية على الفلسطينيين، لتشير إلى عجز إسرائيلي مؤكد عن القضاء على ظاهرة العمليات التفجيرية بعد كل ما اتخذته من إجراءات دموية هائلة ضد من يعد ويخطط ويفكر وينفذ هذه العمليات وأسرهم ومن يسكن قريباً منهم وفي محيطهم.

ويجمع المراقبون على أن المخرج الوحيد لحالة الصراع المتفجر هذه، مهما وصل مداه، لن يكون سوى مخرج سياسي يعترف فيه الإسرائيليون بالحقوق الوطنية الأصيلة للطرف الفلسطيني وليس فقط حق الحياة والعمل والتنقل.

ويعني هذا أن أي عظام ستطحنها دوامة العنف الجديدة لن تكون سوى تضحيات إضافية بانتظار العودة إلى بداية أخرى ربما تكون أكثر جدية من سابقتها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات