المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من الذي اخرج مارد العنف من قمقمه بعد أن تمكن الفلسطينيون بواسطة الهدنة التي اعلنوها في التاسع والعشرين من حزيران اجراء نقلة إلى مربع جديد سياسي متقدم في النزاع لتطبق خريطة الطريق؟

وهل عملية القدس الغربية، بكل تداعياتها، هي التي فتحت من جديد الدائرة الدموية التي عاود الفلسطينيون والاسرائيليون دخولها، سيما وانها تلقي ظلالا من الشكوك المتبادلة ازاء المسؤولية عن التدهور الجديد والعودة إلى المربع الاول للصراع؟ * اغتيال القيادي في حركة حماس اسماعيل ابو شنب يعبر عن ضيق اسرائيلي من تمسك الفلسطينيين بالهدنة، ومطالبتهم المجتمع الدولي بتطبيق خريطة الطريق، ومحاولة لتحريك ميول اعلى عند "حماس " للخروج من اللعبة السياسية إلى اغراء المواجهة المسلحة.

من الذي اخرج مارد العنف من قمقمه بعد أن تمكن الفلسطينيون بواسطة الهدنة التي اعلنوها في التاسع والعشرين من حزيران اجراء نقلة إلى مربع جديد سياسي متقدم في النزاع لتطبق خريطة الطريق؟

وهل عملية القدس الغربية، بكل تداعياتها، هي التي فتحت من جديد الدائرة الدموية التي عاود الفلسطينيون والاسرائيليون دخولها، سيما وانها تلقي ظلالا من الشكوك المتبادلة ازاء المسؤولية عن التدهور الجديد والعودة إلى المربع الاول للصراع؟

بداية – ذاق الفلسطينيون الامرين من الخروقات الاسرائيلية للهدنة ومن محاولات الاهانة والاذلال التي يمارسها الاسرائيلي بهدف جر الفلسطيني إلى مربع ضعفه الكاسح. ولدى شارون ما يقوله في ذلك المربع، بينما لدى الفلسطينيين ما يخربشون ويشوشون على نجاعته، لا هزيمته، وتفادي الخسائر التي تطيل امد اللعبة حتى نهاية عهد شارون واليمين الاسرائيلي الحاكم.

الا أن اللعبة اكثر تعقيدا مما يظهر، والمسؤولية في الاوقات العصيبة تكون مضاعفة: فالفلسطينيون الذين طرحوا الهدنة فعلا سياسيا من الطراز الاول، جلب لهم منافع من دون أن يجلب لهم حلولا لمشكلاتهم، يدركون أن التراجع عن الهدنة لن يجلب لهم تلك المنافع ولن يجلب الحلول ايضا، ولكنه مع كل الدماء التي تسيل فانه ينقل الصراع مع الاسرائيلي إلى ميدان التحدي الخطر الذي يلفه التباس كبير في العصر الاميركي الراهن: عصر التصنيف الاميركي لمقاومة الاحتلال في خانة الارهاب وخوف المجتمع الدولي من استثناء الفلسطيني من التصنيف الاميركي مثلما يستثنى من قاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها.

ولهذا فقد يرتضي الفلسطيني في رام الله وغزة - على الرغم من مقاومته وعناده - تصنيفا قاسيا عندما يحاول فرض النظام والقانون بالتفاهم والاقناع والزجر اذا لزم الامر والردع، لا لأن الفلسطينيين ميالون إلى المواجهات الداخلية، او افتعال معارك جانبية بدل المعركة السياسية مع اسرائيل، بل لان ذلك يصب في المحصلة في مصلحة الفلسطيني الذي يعرف أن خطوة إلى الوراء ليست ضرورية الا اذا كانت حافزا إلى خطوتين او اكثر إلى الامام.

الوساطة المصرية التي قام بها اسامة الباز مستشار الرئيس المصري حسني مبارك بين الفلسطينيين والاسرائيليين بضوء اخضر اميركي وعربي لانقاذ الهدنة ومحاولة تعزيزها بالبعد السياسي قبل أي بعد امني تطلبه اسرائيل واميركا من السلطة الفلسطينية ومن الحكومة الفلسطينية، هي في حد ذاتها مجهود يتقاطع مع المطلب الدولي وكذا الامر مع المطلب الفلسطيني بتعزيز التهدئة والتوجه الفوري لتنفيذ خريطة الطريق، بداية بانسحاب اسرائيل من جميع مدن الضفة الغربية وقيام السلطة الفلسطينية بتنفيذ التزاماتها الامنية والتوجه إلى مراحل متقدمة من خريطة الطريق وعدم المراوحة والغرق في البعد الامني الذي تحاول اسرائيل فصله عن السياسي.

المطلب الاميركي والاسرائيلي من الرئيس ياسر عرفات بالمساعدة في تفكيك الاجنحة العسكرية لحركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" سبقه جهود اسرائيلية محمومة لفرض الولاية الامنية الاسرائيلية بدل الفلسطينية. وفي هذا الوضع فان أي مطالبة اسرائيلية للسلطة باتخاذ اجراءات ضد الحركتين ستكون ضعيفة ومن دون سند قانوني واخلاقي ولن يكون بامكان السلطة تلبية هذه المطالب. والمنطق يقول عندما لا تعترف اسرائيل للسلطة الفلسطينية بالولاية الامنية في اية مدينة فانه لا اساس لاي مطالبة. والامر يختلف لو كان ثمة اتفاق سياسي وعملية سلام والتزامات متبادلة. وتاريخ العلاقة الامنية بين السلطة واسرائيل يشهد ان التعاون في مجال الامن يكون ناجعا عندما يكون جزءا من عمل سياسي لا معزولا عنه.

والاعتقاد الاخر أن الفلسطينيين هزموا في المعركة وعليهم أن يدفعوا الثمن هو تقدير لا يستطيع أن يصمد امام قوة الوقائع. فالفلسطينيون يديرون لعبة كر وفر، وادارة صراع لتنفيذ خريطة الطريق او لتمرير وقت حكومة شارون من دون أي انجاز لليمين الاسرائيلي. حتى وان بدا البعض يائسا من الوقائع التي يخلقها شارون على الارض. وهذا امر لا يختلف عليه اليمين واليسار في اسرائيل، وهكذا كان الحال مع حكومات اسرائيل (ليكودية كانت ام عمالية). مع أن هذه الحكومة اليمينية جلبت للاسرائيليين خطة دولية لحل النزاع. واعترافا قانونيا كبيرا بحق الفلسطينيين في دولة ذات تواصل وذات قدرة على البقاء. وان ثمن هذا الانجاز حتى من دون أن ينفذ او يطبق أي حرف منه، كان كبيرا للفلسطينيين. وكان ثمرة كفاح سياسي وتضحيات كبيرة.

تهرب اسرائيل من تنفيذ خريطة الطريق بعد فشلها في منع تبلور الخريطة، وفشلها في تبني الخريطة خطة دولية لانهاء النزاع، وفشلها اخيرا في منع نشر الخريطة، جعل الحرب على الخريطة يكمن في امكان انهاء اللعبة السياسية عن طريق المراوحة في المكان، ومنع التقدم على المسار السياسي. والتحرش اليومي بالفلسطينيين ارضا وشعبا ومقدسات، في محاولة لجر ردود افعال فلسطينية عاطفية و غير مدروسة او في توقيت غير مناسب تكون مبررا وذريعة للعودة إلى المربع الاول للصراع والتهرب من كل استحقاق سياسي تفرضه الخريطة او غيرها من الالتزامات التي تنص عليها الاتفاقات الموقعة بين الجانبين منذ اوسلو حتى اليوم.

وتركيز اسرائيل في ردودها على عملية القدس لا ينبع من اعتبارات انتقامية بل من اعتبارات سياسية. فسياسات التوغل والاعتقال تجر ردود افعال اقل حدة من عمليات الاغتيال، ولذلك لجات، إلى جانب توغلاتها اليومية في المدن الفلسطينية وحملات الاعتقال التي تقوم بها في عموم المدن والقرى والمخيمات في الضفة وغزة، الىعمليات اغتيال. والتصعيد جاء خطيرا هذه المرة لانه مس المستوى السياسي. وهذا يعني أن شارون يريد رد فعل مساو أي انه يريد ذريعة قوية يستطيع معها أن يضرب بقوة وان يتجاوز الخطوط الحمراء، أي أن يتوجه لاغتيال قادة "حماس" ليردوا بضربات موجعة اي باغتيالات سياسية. وترد اسرائيل بطرد الرئيس ياسر عرفات إلى خارج فلسطين. ووقف أي حديث عن خريطة الطريق لا مع ابو مازن ولا مع ياسر عرفات او مع غيرهما، فكلا الرجلين يتمسك بخطة سياسية واحدة هي خطة خريطة الطريق. ويتمسك بالهدنة. وفوق ذلك يتمسك بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

ولهذا فان اغتيال القيادي في حركة حماس اسماعيل ابو شنب يعبر عن ضيق اسرائيلي من تمسك الفلسطينيين بالهدنة، ومطالبتهم المجتمع الدولي بتطبيق خريطة الطريق، ومحاولة لتحريك ميول اعلى عند "حماس " للخروج من اللعبة السياسية إلى اغراء المواجهة المسلحة.

الرد الحقيقي للفلسطينيين سيكون سياسيا بالوحدة الوطنية وتعزيزها في اطار سلطة القانون. وسيكون سياسيا بضم اسرائيل إلى الهدنة. لا بانهاء الهدنة. وبفرض الانتقال من الامني إلى السياسي. من دون المراوحة في وحل الامن المجرد. ومن دون الوقوع في الفخ الشاروني. فتحصيل الحقوق التي من اجلها اغتيل ابو شنب اهم بكثير من الانتقام والثار لان النزاع مع اسرائيل ليس عشائريا بل هو نزاع وطني وسياسي. وعلى شكل الرد الفلسطيني على جريمة اغتيال ابو شنب يتوقف مصير الكثير من المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات