المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1065

في مطلع آذار الأخير أعلن الجنرال المتقاعد أنطوني زيني عن استقالته من مهته مبعوثاً خاصًا للإدارة الامريكية للنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. عمليا، قلة هي التي تتذكر ان زيني لا يزال يتولى هذا المنصب الرسمي ـ فهو لم يعد الى المنطقة منذ العملية الانتحارية في فندق "بارك" في نتانيا ليلة عيد الفصح العبري السنة الماضية، وعملية "السور الواقي" التي أعقبتها، وخطة العمل التي وضعها تم اهمالها. خلال الأشهر المنقضية على ذلك لوقت، ابتعد زيني أكثر فأكثر ليس عن طرفي النزاع فحسب، وانما عن مرسليه في البيت الابيض والخارجية الامريكية ايضًا.


زيني لا يخفي رأيه في قادة الادارة الامريكية. فبعد ان اطلق تصريحات علنية، في اكتوبر الماضي، ضد شن الحرب على العراق، تعرض الى موجة من الانتقادات من جانب "عناصر في الادارة" شنت عليه هجومًا وشككت في احتمالات عودته الى المنطقة في اطار مهمته السابقة. "لم اسمع منهم شيئا يتعلق باستمرار مهمتي، ولم يبد لي ان الادارة ما زالت معنية بي أكثر، ولذلك قدمت استقالتي في الأول من آذار"، يقول زيني، مشيرًا الى انه يعلم انه "كان هناك اشخاص في الادارة لم يعجبهم موقفي".

ويتعلق الادعاء الأساسي الذي يطلقه الوسيط السابق بسلم اولويات الادارة الامريكية في المنطقة. فهو يرى ان المشكلة الأولى والأكبر هي النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وفقط بعد معالجة هذه المسألة كان ينبغي ان يأتي الدور على صدام حسين. خلال السنوات الـ 15 التي عمل فيها بشؤون الشرق الاوسط، سمع في كل مكان ان وضع الفلسطينيين هو الموضوع الأهم والأكثر الحاحا. "لو كانت هنالك مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، لكان أسهل على الولايات المتحدة تجنيد تأييد دولي للحرب في العراق"، يقول الآن.

ثلاث مرات زار زيني اسرائيل والمناطق (الفلسطينية) في اطار مهمته. كل واحدة من هذه الزيارات كانت ترافقها موجة من أعمال العنف ضد اهداف اسرائيلية: في احدى المرات وقع ما لا يقل من سبع عمليات متتالية. ولا يزال زيني يذكر العملية التي وقعت في ميدان "صهيون" في القدس، خلال زيارته الاولى. "ذهبت الى هناك وشاهدت الفظاعة ـ بقع من الدم وشظايا في كل مكان. على المستوى العاطفي، كان المشهد فظيعاً ومرعباً، لكنني أدركت ايضاً ليس فقط المصيبة الانسانية، وانما مدى قوة المتطرفين، ايضاً"، يقول.

من الواضح لزيني ان المذنب الأساسي في عدم توقف الارهاب الفلسطيني هو رئيس السلطة، ياسر عرفات. في المحادثات التي كان يجريها مع رجال الأمن الفلسطينيين كان يلاحظ تقدمًا جديًا، لكن "لم تكن لديهم الصلاحية الكافية من القيادة لتنفيذ ما هو مطلوب".

بعد بضعة أشهر من انتهاء زيارته الأخيرة الى المنطقة، إجتمع زيني مع عدد من الزعماء اليهود في لقاء مغلق. لاحقا، سُرّب انه وصف عرفات، خلال اللقاء، بأنه "غير صادق" وشبّهه، حتى، بأحد رؤساء عصابات المافيا في نيويورك. زيني نفى ذلك، وقدم الزعماء اليهود اعتذارًا له، لكن ما يقوله اليوم يكشف، بوضوح، عن رأيه في عرفات: " حين كان يقول لي انه اصدر أوامر (بالعمل ضد الارهاب)، كان من الواضح لي ان هذه الأوامر لم تُنقل الى المستويات الأدنى للتنفيذ. وحين كان يقول لي انه موافق على أمر ما، لم يفعل شيئًا لاصدار الأوامر. كان يبلغنا بأنه قام بخطوات معينة، مثل اعتقال مطلوبين، لكننا كنا نعلم انه لم يفعل".

ويرى المبعوث السابق ان الأمل في التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار مع التنظيمات "الارهابية" هو "أمل ساذج". فهو يعتقد بأن من الضروري حصول مواجهة صدامية بين السلطة وبين هذه التنظيمات، تقنعها بأن طريقها ليست مقبولة.

كان هدف مهمة زيني دفع الطرفين الى تنفيذ "خطة تينت"، بواسطة "خطة عمل" تشمل خطوات بانية للثقة من الطرفين واجراءات فعلية حقيقية ضد "الارهاب". موجة العمليات العسكرية الأخيرة قضت على برنامجه، الذي كانت الحكومة الاسرائيلية قد صادقت عليه، والسلطة الفلسطينية قد قبلت بمعظم بنوده. لكن زيني لا يلقي اللوم كله الجانب الاسرائيلي فقط. فعندما كان في طريقه الى لقاء حاسم مع عرفات في رام الله، أقدمت اسرائيل على محاولة اغتيال أسفرت عن قتل اطفال فلسطينيين. المحادثة مع عرفات تركزت على الممارسات الاسرائيلية، وتم تهميش موضوع برنامج العمل. ولم يكن زيني راضيًا، ايضًا، عن التصرفات الاسرائيلية على الحواجز وعن سياسة الاستيطان. "كلما كنت اسافر في المنطقة، كنت أرى كرفاناً جديداً ومستوطنة جديدة. واضح ان هذا ليس مجديًا"، يقول.

زيني متشائم في ما يتعلق بـ "خارطة الطريق" الجديدة التي قدمتها الادارة الامريكية الى الطرفين. فهو يعتقد بأن التمحور في عملية تسلسلية تستند على ما يتم تنفيذه، سيجعل من الصعب جدًا احراز تقدم جدي. "اذا كنت تسير في مسار ضيق كهذا وفشلت خطوة واحدة، فكل شيء يصبح معرضًا للخطر"، يوضح. ويرى زيني ان التقدم المتوازي في جملة من المسارات ـ الأمنية، السياسية والاقتصادية ـ هو وحده الذي يمكن ان يضمن تحقيق تقدم مستمر ويعطي الطرفين أملا في الاستمرار. كما يؤمن زيني بأنه محظور على الولايات المتحدة الاكتفاء، بعد اليوم، بمبعوث واحد او بطاقم مصغر. انه يرى ضرورة ارسال طاقم امريكي كبير يمكث في المنطقة وقتا طويلا، لتركيز كل الجهود وكل المسارات في العمل على تطبيق "خارطة الطريق"، وللعمل على دفع خطط موازية ايضاً. "لا تحاولوا اشعال عود ثقاب واحد، بل عليكم ان توقدوا ألف شمعة"، يقول.

يسكن الجنرال انطوني زيني اليوم في المدينة التاريخية "وليامز بورغ" في ولاية فرجينيا. وينشط في العديد من حلقات الحوار الاسرائيلية ـ العربية، كما يشغل منصب مبعوث خاص لوزارة الخارجية الامريكية لتطبيق خطة السلام في مقاطعة ايتشه في اندونيسيا، الى جانب وظيفة تدريسية يقوم بها في كلية "وليام وميري" في وليامز بورغ.

لكن الفيروس الشرق أوسطي لا يفارقه ـ "كنت اود ان اكون عضوًا في الطاقم الذي يحاول دفع السلام في المنطقة"، يقول ويذكر الأشخاص الكثيرين الذين اكتسب صداقتهم في الطرفين خلال مهمته في المنطقة، كما يؤكد تعهده بعدم الاعتزال قبل ان يحقق تقدمًا. لكن من الواضح له ان هذه الأمنية لن تتحقق. "انني لا أحظى بشعبية كافية اليوم"، يقول، بينما قصده مرسليه في الادارة الامريكية تحديدًا، وليس الاسرائيليين او الفلسطينيين.

(نتان غوطمان، هآرتس 8 أيار)

 

المصطلحات المستخدمة:

نتانيا, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات