المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 939

كشفت مصادر سياسية اسرائيلية (الجمعة 7 شباط) ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون التقى اخيرا مسؤولين فلسطينيين كبيرين، بعد شهور طويلة من الانقطاع والتصريحات العدائية الاسرائيلية تجاه القيادات الوطنية الفلسطينية.
واوضحت هذه المصادر ان لقاء اول تم قبل الانتخابات التشريعية الاسرائيلية التي جرت في 28 كانون الثاني الماضي، بين شارون ومحمود عباس (ابو مازن) امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 

وتم اللقاء الثاني بعد الانتخابات التي فاز بها حزب الليكود بزعامة شارون، مع احمد قريع (ابو علاء) رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني. وقالت القناة التلفزيونية الثانية ان لقاء شارون – ابو علاء تم في بيته في "مزرعة الجميز" في النقب. وقالت الاذاعة العربية الثانية ان الفلسطينيين بادروا الى عقد لقاء شارون – ابو علاء، وان اللقاء استغرق مدة ساعتين.

ولم يكشف عن الموعدين المحددين لهذين اللقاءين وفحوى كل منهما.

وذكرت "معريف انترنت" ان محادثات شارون مع المسؤولين الفلسطينيين دارت حول وقف اطلاق النار وامكانية البحث عن طرق لتجديد العملية السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، وخطة "خريطة الطريق" الامريكية الخاصة بالصراع في الشرق الاوسط.

واوضحت المصادر الاسرائيلية نقلا عن مصادر مقربة من الحكومة ان دوف فايسغلاس مدير مكتب شارون التقى الاربعاء الماضي وزير الداخلية الفلسطيني هاني الحسن. وقد شارك السفير الامريكي في اسرائيل دان كيرتسر في اللقاء. ومن المنتظر ان تتواصل لقاءات اخرى بين فايسغلاس ومسؤولين فلسطينيين خلال الايام القريبة.

ورفضت المصادر الرسمية الاسرائيلية التعقيب على هذه الانباء، في حين نقلت "رويتر" عن ابو علاء قوله ان عقد اللقاء "افضل من ان يكون حقيقياً.. لا استطيع القول ان اللقاء جرى بيننا، لأن الامر ليس صحيحا. من جهة ثانية، لا استطيع القول انه لم يتم، لأنه ليس من المفضل قول ذلك".

وبموجب المصادر الامريكية فقد تمت اللقاءات بضغط امريكي على رئيس الوزراء الاسرائيلي لحثه على التحرك فوق المسار السياسي لتجدي المفاوضات مع الفلسطينيين واسرائيل.

وتقول التقديرات ان اللقاءات جرت لسببين اساسيين من ناحية شارون: الاول مضاعفة الضغوط على الشركاء الائتلافيين المحتملين في حكومة اشروةن الثانية، وبخاصة الضغط على حزبي "العمل" و "شينوي"، واظهاره كمن يعمل على تنفيذ "خطة الطرق" الامريكية وان "نواياه جادة". وفي ذلك فإن شارون يتوجه الى الوسط السياسي الاسرائيلي وليس الى اليسار بالذات.

اما السبب الثاني فهو الاظهار امام الادارة الامريكية ان شارون لا يعمل على تصعيد الاوضاع المتأزمة في المنطقة، عشية هجوم امريكي محتمل على العراق، وهو يسعى ليبين انه يبادر الى هذه الاتصالات مع الفلسطينيين، وليس كمن يخضع لضغوط امريكية لتنفيذ "خريطة الطرق".

واوضحت المصادر ذاتها ان هذه الاتصالات ستتواصل قريبا. وقالت ان دوف فايسغلاس مدير مكتب شارون سيكون مسؤولا عن مسار الاتصال بكبار المسؤولين الفلسطينيين، الذين يعتبرهم شارون حسب هذه المصادر "بدائل محتملين لياسر عرفات".

وقالت "معريف انترنت" ان شارون بادر لهذه اللقاءات لكي يصد الانتقادات الصادرة عن الاتحاد الاوروبي بأن الادارة الامريكية تهمل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني لصالح خططها لمهاجمة العراق.

وعلى رغم التقارير الصحافية المتعددة التي تشير الى احتمال وقوع الضربة الاميركية على العراق في توقيت قريب ومفاجئ، يحرص المسؤولون السياسيون والامنيون في اسرائيل على المحافظة على رباطة جأشهم وبرودة اعصابهم، كأنما يريدون بذلك ان يعطوا جمهورهم مثالا يحتذى وليؤكدوا ضرورة عدم الدخول في حالة هلع ورعب.

ولكن وراء هذا القناع من التماسك، ثمة قلق كبير ومخاوف اكبر تجتاح اسرائيل هذه الايام عشية الاعداد للحملة العسكرية على العراق. فالمسؤولون هناك شبه متيقنين أن الحرب الاميركية على صدام حسين ستذهب هذه المرة حتى النهاية ولن تتوقف قبل اطاحة الرئيس العراقي وهم من جهة اخرى يدركون انهم سيكونون هدفا اساسيا لانتقام صدام في حال شعر هذا الاخير أنه هالك لا محالة، ولا شيء يخسره.

وبحسب اللواء في الجيش الاسرائيلي عاموس جلعاد هناك ثلاثة سيناريوات محتملة للهجوم العراقي على اسرائيل: السيناريو الاول هو ان يحاول صدام حسين قصف اسرائيل بصواريخ تقليدية او غير تقليدية، والسيناريو الآخر، ان يحاول مهاجمتها بواسطة طائرة مع طيار او من دون طيار، اما السيناريو الثالث فاستخدام الارهاب غير التقليدي الذي قد يتخذ هدفا له داخل اسرائيل او خارجها.

ازاء هذه التهديدات وضعت اسرائيل خطة واضحة ذات مستويين، المستوى الاول دفاعي، والثاني هجومي ويتضمن تفصيلات حول كيفية الرد الاسرائيلي وظروفه.

فعلى المستوى الدفاعي تحدثت صحيفة "هآرتس" عن ثلاثة احزمة دفاعية: مظلة جوية تتضمن نحو 120 طائرة تغطي بها الولايات المتحدة غرب العراق، وشبكة صواريخ "حيتس" و"باتريوت" داخل اسرائيل، واعداد سلاح الجو للتصدي لأي طائرة قد تنجح في خرق هذه الاحزمة الدفاعية. ولكن في حال لم تنجح هذه الخطوات الدفاعية في الحؤول دون هجوم صاروخي عراقي على اسرائيل، ماذا سيكون رد فعل اسرائيل؟

ويبدو من التقارير العديدة التي تنشرها الصحف الاسرائيلية ان الادارة الاميركية لم تنجح في كل اجتماعات التفاهم والتنسيق التي عقدتها مع المسؤولين الاسرائيليين في الحصول على تعهد صريح بأن اسرائيل لن ترد في حال تعرضت لهجوم عراقي. والظاهر ان الاميركيين يخططون لعملياتهم العسكرية آخذين في الاعتبار مثل هذا الاحتمال.

ومع ذلك، فثمة ضوابط تتحكم بالرد الاسرائيلي منها مثلا ان اسرائيل لن ترد على نحو تلقائي لدى سقوط اول صاروخ عراقي عليها، ومنها ايضا حجم الخسائر التي قد يتسبب بها هذا الهجوم. ولكن الاكيد ان كل ذلك يتغير في حال استخدام العراق سلاحا غير تقليدي، كأن يحمل الصاروخ رأسا بيولوجيا او كيميائيا.

ويعتبر كل من الجيش الاسرائيلي والقيادة السياسية الاسرائيلية التعرض لهجوم بسلاح غير تقليدي بمثابة اعطاء الضوء الاخضر للرد وذلك نظرا للانعكاسات البالغة الخطورة التي ستكون له على حياة الاسرائيليين ومعنوياتهم، وعلى قدرة الردع الاسرائيلية وعلى الوضعين السياسي والاقتصادي.

جميع هذه الاحتمالات ناقشها الاسرائيليون مطولاً مع الاميركيين. ورغم الرغبة الشديدة لدى الولايات المتحدة في ابقاء اسرائيل خارج المعركة الدائرة حاليا على مستقبل العراق، الا انها تدرك ان احتمال تشكيل اسرائيل هدفاً لانتقام صدم حسين امر لا يمكن تجنبه بصورة كاملة مهما بلغت دقة الخطوات العسكرية الدفاعية، ومهما كانت فاعلية الاسلحة الصاروخية المضادة والدفاعات الجوية.

واذا كان المسؤولون الاسرائيليون يعيشون حاليا حالة قلق وترقب شديدين، الا انهم لا يخفون ارتياحهم وتفاؤلهم ازاء انتهاء الحرب المرتقبة على العراق باقصاء الرئيس العراقي صدام حسين عن السلطة واعادة رسم مستقبل العراق السياسي. فاختفاء صدام عن المشهد السياسي هو بحسب وطنهم "هزة ارضية" ستترك آثارها على المنطقة بأسرها، والسنة التي ستشهد هذا الحدث المهم هي "سنة تاريخية".

وفي تقديرات العديد منهم ان اول انعكاس مباشر لاطاحة صدام هو ذهاب ياسر عرفات عن سدة السلطة الفلسطينية. واخيرا كثر الربط في اسرائيل بين مصير الرجلين، والحديث عن اوجه الشبه بينهما "لا سيما تجاهلهما حدود قدرتهما".

ويقول جلعاد تعليقا على ذلك: "السقوط الوشيك لصدام هو بمثابة رسالة هامة، ففي منطقتنا يوجد ديكتاتور آخر شبيه بصدام وان كان لا يملك قدراته هو ياسر عرفات وسيكون الدرس من ذلك ان جميع الحكام الذين يدعمون ابادة اسرائيل سيجدون انفسهم امام حساب تاريخي يؤذن بنهايتهم. ان سقوط صدام هو بمثابة هزة ارضية ستفتح المجال اما العملية السلمية مع التخلي عن الارهاب.

ويحرص المسؤولون العسكريون والامنيون الاسرائيليون على اعتبار ان اسرائيل ليست شريكا في الحرب المنتظرة على العراق، وهم يلبّون بذلك طلبا اميركيا واضحاً في هذا الشأن. ويتابعون الاعداد العسكري والديبلوماسي للحملة العسكرية بصفتهم حلفاء استراتيجيين للاميركيين، وهم يوظفون كل قدراتهم الاستخبارية ومعرفتهم العسكرية، ويقومون بالتنسيق الكامل المطلوب منهم. ومع ذلك فهم يعتبرون انهم ليسوا مجرد متفرجين في هذه الحرب التي يعتقدون انها قد تصيبهم بشظاياها. وهم يعدون العدّة لكل الاحتمالات والسيناريوات، املين عدم اثارة هلع الاسرائيليين وخوفهم، لكي لا تتحول اسرائيل نقطة ضعف اساسية للولايات المتحدة في حربها المقبلة ضد العراق.

 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, شينوي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات