على المدى البعيد، المعركة هي على الوعي، والكلمات هي التي ستنتصر. لا يمكن القول اننا نبني ونلتزم الصمت، فقط، واننا تخلينا كليا عن المعركة على الوعي. اننا نتكلم كثيرا جدا. لكن الخارطة تثبت ان اليسار قد انتصر، حاليا على الأقل، في المعركة على الوعي".
وجه غالبية اعضاء كتلة الليكود في الكنيست انتقادات حادة لرئيس الحكومة الاسرائيلية، ارئيل شارون، والوزراء في حكومته، في اعقاب قرار الحكومة المصادقة – المشروطة - على "خارطة الطريق". وقال عدد من اعضاء الكنيست ان هذه "خطة أسوأ من اوسلو" واصفينها بأنها "دمار"، بينما قال آخرون ان القرار يشكل صفعة لأعضاء الليكود.
وردا على منتقديه، قال شارون: "من المهم التوصل الى تسوية سياسية. ان الاعتقاد بامكانية السيطرة على 3،5 ملايين فلسطيني تحت الاحتلال هو امر سيء للغاية بالنسبة لاسرائيل، وللفلسطينيين وللاقتصاد الاسرائيلي".
وصدرت الانتقادات الأكثر حدة عن وزير الخارجية الأسبق، عضو الكنيست دافيد ليفي، الذي قال ان "الحكومة اتخذت قرارا معناه السياسي هو اقامة دولة فلسطينية. بمثل هذا الثمن، كان بامكان اليسار جلب السلام منذ أمد بعيد"، قال ليفي، واضاف. " لسنا هنا ازاء تسوية. انه تنازل عن كل شيء. وبرأيي، فان مهمة الابقاء على كتل الاستيطان تحت سيطرتنا اصبحت، اليوم، مهمة مستحيلة". وسخر ليفي من الملاحظات الاسرائيلية على الخارطة، وقال: "انها جيدة كورقة دفاعية، لكنها سترمى الى السلة وستتساقط كأوراق الخريف".
وطرح رئيس "اللوبي البرلماني من اجل المستوطنات"، عضو الكنيست يحيئيل حزان، قضية المستوطنات، فقال ان "القرار الذي اتخذته الحكومة يعني، برأيي، خراب ودمار دولة اسرائيل. ليس من الواضح لي هل بامكاننا الآن، مواصلة البناء في أرئيل وهل يستطيع ابني بناء بيت له هناك؟"، تساءل.
وردا على ذلك قال شارون: " التزايد الطبيعي يمكنه ان يستمر في المستوطنات وبامكانك ان تقيم لأبنائك، بل لأحفادك ايضا، بيوتا في حدود المستوطنة".
وقال نائب الوزير ميخائيل رَتسون ان "هذه الوثيقة هي الجحيم بعينه. انها وثيقة استسلام اسرائيل للارهاب الفلسطيني". ورد شارون قائلا: " لم نستسلم للارهاب. اننا نحارب الارهاب، ليل نهار". وفند الادعاءات اليمينية القائلة ان اقرار الخارطة سيمس بالأمن الاسرائيلي. "لم ندفع، وليس في نيتنا ان ندفع، أي ثمن في مجال الأمن".
وقال الوزير عوزي لانداو، الذي صوّت في الحكومة ضد القرار، انها خطة سيئة جدا، وأسوأ من اتفاقية اوسلو بأضعاف مضاعفة.
كما عبرت عضو الكنيست غيلا غمليئيل عن رأي مماثل فقالت: " ربما كان من الأفضل القبول باتفاقيات اوسلو. لقد صدمني التصويت في الحكومة. انني خائبة الأمل، بشكل خاص، من تصويت وزير المالية بنيامين نتنياهو. ان تصويته هو الفضيحة الأكبر". وطالبت غمليئيل بعرض الخارطة على الكنيست للتصويت، لكن شارون اوضح بأنه لن يفعل ذلك، "لأنها ليست اتفاقية سياسية".
وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عضو الكنيست يوفال شطاينتس، ان "قرار الحكومة سيء وخطير من ناحية سياسية، لأنها المرة الأولى التي يتم فيها تبني خطة لا تنص حتى على نزع الأسلحة في الطرف الثاني. بتنا مستعدين لتقسيم البلاد سوية مع تجميد الاستيطان".
وتطرقت انتقادات اخرى الى الطريقة الاجرائية التي تم بها اقرار خارطة الطريق في الحكومة. فقد احتج عدد من اعضاء الكنيست على اقرارها قبل افساح المجال امام اعضاء الكنيست لمناقشتها. "ما يؤلمني هو انهم شطبوني، كما شطبوا اعضاء الكتلة الآخرين. ما الفائدة من مناقشاتنا الآن، بعد ان اتخذت الحكومة قرارها؟"، قال عضو الكنيست ايهود ياتوم.
وقالت عضو الكنيست نوعمي بلومنطال: "انها صفعة لأعضاء كتلة الليكود ولأعضاء مركز الحزب. ها هنا قامت، امام أعيننا، خطة التقسيم".
وفي رده على بعض الانتقادات أكد شارون ان الحديث يدور عن "احتلال": " ينبغي التوصل الى تسوية سياسية. سأبذل كل ما في وسعي من اجل التوصل الى تسوية سياسية، لأنني اعتقد بأنه من الضروري لاسرائيل التوصل الى تسوية. كما اعتقد، ايضا، بأن الاعتقاد بامكانية مواصلة السيطرة على 3،5 ملايين فلسطيني تحت الاحتلال - تحت الاحتلال، يمكن عدم استلطاف التعبير، لكنه تحت الاحتلال - هو اعتقاد سيء لاسرائيل، وللفلسطينيين، وللاقتصاد الاسرائيلي. هل تريدون البقاء، دوما والى الأبد، في جنين وفي رام الله وفي بيت لحم؟".
وغمليئيل رئيس الحكومة قائلة: "هذا ليس في صلب الموضوع"، فرد عليها شارون قائلا: "سمعت أقوالك. كل انسان لديه تجربته، وأنت ايضا كما أعتقد، لكن ليس لدى كل انسان تجربة في كل المجالات".
الخارطة والمستوطنون:
"المستمسكات" في الميدان مقابل "المستمسكات" في الرأي العام
"خارطة الطريق، مثل الجدار الفاصل"، كتب اوري اليتسور في العدد الأخير من "نكوداه" ("نقطة" ، جريدة المستوطنين - المحرر)، "وهي انتصار لليسار على صعيد الوعي. نحن نقرر حقائق على الأرض واليسار يقرر حقائق في الوعي. نحن نبني ونزرع بالأعمال، وهم يهدمون ويقتلعون بالكلمات". ويذكر ان اليتسور، محرر الجريدة ومن اوائل المستوطنين، اشغل في الماضي منصب مدير مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية سابقا بنيامين نتنياهو، وقد وضع لمقالتعه عنوانا مقالته هو: "مستمسكات على خارطة الطريق".
وكتب الصحفي نداف شرغاي ("هآرتس" 27/5)، وهو مستوطن في "بيت ايل"، ان "المستمسكات"، كما يعلم اليتسور ورفاقه، هي البؤرة الأولى. امتحانهم الأول ، وامتحان شارون. هي المسطرة التي يقيس بها اليسار - والولايات المتحدة: مدى جدية نوايا رئيس الحكومة. خارطة الطريق - من حيث الوعي، لكن من الناحية العملية ايضا في حالة المستمسكات - هي ضربة للمستمسكات".
وتمثل المنطق الذي حرّك مقيمي البؤر الاستيطانية في الاستيلاء على مناطق واسعة من الاراضي (التي تدعي اسرائيل انها "اراضي الدولة، بشكل اساسي") وخلق تواصل بين المستوطنات. ومضى شرغاي يقول ان اقامة المستمسكات، "شكلت عمليا، تخليا عن المفهوم الكمي الذي تمسك به المستوطنون طيلة سنوات عديدة. في مرحلة معينة (اوائل التسعينات) ادرك المستوطنون ان معركتهم الديموغرافية مع الفلسطينيين محكومة بالفشل، مسبقا، فتوقفوا عن عدّ المستوطنين".
"باعتمادهم مفهوم المستمسكات، انتقل المستوطنون الى الديموغرافيا الجغرافية، ديموغرافيا الأراضي. عشرات آلاف الدونمات تم الاستيلاء عليها من قبل المستوطنين خلال السنوات الأخيرة، غالبيتها بالتنسيق مع الجيش، والادارة المدنية، بل ومع شارون نفسه. حتى قبل المستمسكات، نُشرت على طول المناطق وعرضها محطات للوقود، وخزانات مياه، وهوائيات (انتينات)، ونقاط ومواقع عسكرية، ومناطق صناعية - كلها بهدف خلق مقاطع متواصلة من السيطرة اليهودية. بعد ذلك اقيمت المستمسكات: في تلك الصغيرة منها استوطنت عائلات قليلة، وفي الكبيرة - بضع عشرات. هذه الطريقة تعلمها المستوطنون من شارون: يعلّقون علما (مستمسكا) على مسافة ما من المستوطنة الأم، يتم تعريفه كحي تابع لها، ومن ثم "يعالجون" المنطقة الواقعة بينهما.
"ادت حقيقة تركيز انتقادات اليسار، والولايات المتحدة من بعده، على المستمسكات الى عرقلة هذا النشاط والتشويش عليه، لكنها لم توقفه. خارطة الطريق، كما يخشى المستوطنون، قد تزعزع المشروع كله وتهدد بشكل جدي، للمرة الأولى، وجود مستمسكات مأهولة. في المرحلة الأولى من تطبيقها، مطلوب من اسرائيل حل وازالة جميع المستمسكات التي اقيمت بعد آذار 2001، وثمة بضع عشرات كهذه".
وتطالب الخارطة بأن يُضمن للفلسطينيين "حد أقصى من التواصل الجغرافي، بما في ذلك خطوات اخرى في موضوع المستوطنات".
"ليست لدى "مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، او لدى اليمين الاستيطاني، اية اوهام" يكتب شرغاي - المقصود هو اقتلاع المستمسكات والمستوطنات التي تعيق هذا التواصل. انها ضربة مباشرة في صميم المشروع، الذي يشكل التواصل اليهودي قلبه وجوهره. وهذا قبل تجميد البناء في المستوطنات، بما فيه للزيادة الطبيعية، والذي لم يكن له أي ذكر في اوسلو.
"منذ الآن يمكن ملاحظة التباطؤ في اقامة مستمسكات جديدة: الميل المرتسم هو نحو التركيز على تكثيف المستوطنات القائمة، فقط. سكان المستمسكات يشعرون، اليوم، بأن السيف قد اصبح مسلطا فوق رقابهم. قادتهم يخشون من وقوع مواجهات كتلك التي وقعت في "مزرعة جلعاد" (بؤرة استيطانية – المحرر)، والتي من شأنها زعزعة شرعيتهم، أكثر فأكثر، بين الجمهور الاسرائيلي".
"هل من المتوقع التوصل الى اتفاقية مستمسكات اخرى بين شارون ومجلس المستوطنات؟ بعد اقرار الحكومة خارطة الطريق، من الصعب التصديق بحصول هذا. يمكن الافتراض - وقد صدرت تصريحات بهذه الروح - بأن مجلس المستوطنات سوف ينضم وينخرط في العمل الاحتجاجي الذي تبادر اليه أطر وأجسام أقل اعتدالا، وان يحاول التحكّم بارتفاع وقوة اللهب واعطائه صبغة اكثر شعبية. او كما وصف ذلك اوري اليتسور في مقالته: " على المدى البعيد، المعركة هي على الوعي، والكلمات هي التي ستنتصر. لا يمكن القول اننا نبني ونلتزم الصمت، فقط، واننا تخلينا كليا عن المعركة على الوعي. اننا نتكلم كثيرا جدا. لكن الخارطة تثبت ان اليسار قد انتصر، حاليا على الأقل، في المعركة على الوعي".
المصطلحات المستخدمة:
اوسلو, هآرتس, لجنة الخارجية والأمن, عوزي, دولة اسرائيل, الكتلة, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو