تحيي اسرائيل، اليوم، ذكرى مرور 36 عاما على "احتلال فلسطين" في حرب الأيام الستة. احياء هذه الذكرى سيتم بمهرجان رسمي يقام في الموقع الذي اصبح يمثل احد الرموز الاساسية لهذا الاحتلال، "غفعات هتحموشت" (تلة الذخائر). الخطيب المركزي في المهرجان، ارئيل شارون، سيرتشف كأس الماء ليعلن، من ثم، تعهده - وربما يقسم اليمين، ايضا، كما فعل في السابق - بأن يكون مصير القدس مختلفا عن مصير بقية المناطق المحتلة: فهي، طبقا لهذا الخطاب، ستبقى موحدة تحت السيادة الاسرائيلية، الى ابد الآبدين.
وسيصفق الجمهور وأبناء العائلات الثكلى معبرين عن نشوة واضحة؛ بالرغم من تصريح شارون عن الاحتلال، يبدو - من هذا الخطاب، على الأقل - ان ضحايا الاحتلال لم يسقطون عبثاً. وقليلون فقط هم الذين سيتساءلون عن كيفية تلاؤم هذا التعهد مع خارطة الطريق، التي تعهد بها شارون قبل ذلك بثلاثة ايام فقط. فهذه الخارطة تنص، صراحة، على انه في المرحلة الأولى ، مرحلة "المكرمات" - التي بدأت، عمليا - تتيح اسرائيل للسلطة الفلسطينة اعادة فتح الرموز السيادية التابعة لها في القدس، مثل بيت الشرق، والشروع - بذلك - في تنفيذ العملية التي من شانها انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية. وفي نهاية الخطاب، سيدنو منه، كما في كل عام،عدد من مرؤوسيه الجنود في غابر الأيام. وربما يبادر أحدهم الى طرح السؤال: "اريك، ما الذي أصابك؟". ليزفر، كعادته معهم : "يجب التحادث"، ليتم على الفور إخفاؤه في السيارة المحصنة.
حقا، لقد حصل شيء ما لهذا الرجل. فحين يفرض على الحكومة اقرار خارطة الطريق ويعلن، بعد يوم واحد على ذلك، انه يتبنى ايضا مجموعة المصطلحات التي حددها العدو لوصف مكانتنا في ارض ابائنا، فليس هذا مجرد اجراء تكتيكي آخر: انه، من حيث مشاعر امناء ارض اسرائيل، يوازي تغيير الدين، تقريبا. حتى نبيل عمرو، وزير الاعلام الفلسطيني، اعلن انه مذهول حيال هذا التحول الحاد، رغم كونه متفاجئا ومتشجعا، من موقف رئيس الحكومة الاسرائيلية الأيديولوجي. "كفى للاحتلال" - كان ،حتى الآن، شعار العرب واليسار الاسرائيلي فقط. اما الآن، فان الليكود بقيادة شارون (وهو حزب "ضفتان لنهر الأردن") يطأطئ رأسه ولا يجرؤ على اتخاذ قرار رسمي، حازم وواضح، يتنكر للانقلاب الفكري الذي فرضه عليه الساحر الفكري الذي يقف على رأسه. وهو نفسه الحزب الذي انسحب من حكومة الوحدة القومية الأولى لأن قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي تبنته الحكومة آنذاك، يتضمن كلمتي "مناطق محتلة". حتى حركة "سلام الآن"، العدو الأكبر لشارون، ترددت سنوات طويلة قبل استخدامها هذا المصطلح المتوتر، ولم تتبناه الا في السنوات الأخيرة، بعد ان فقدت بقية كوابحها الصهيونية.
ثمة في احزاب اليمين من يعزي نفسه بأن اعلان "كفى للاحتلال" لن يكون له أي وزن سياسي جدي حقيقي. فبعد كل التعهدات والأيمان التي قطعها وأقسمها ثم أخلّ بها، فليست ثمة قيمة قيمة حقيقية لأي تصريح يدلي به شارون، بما فيها التصريح الأخير، من وجهة نظر القادة الأيديولوجيين في اليمين. وهذا، أيضا، شكل من اشكال التنكر، وخاصة من جانب الأشخاص الذين يولون اهمية كبيرة للأفكار والمعتقدات. ولو كان معارضو هذا التصريح من دعاة الشكلية، وليس ممن تقف السلطة في أعلى طموحاتهم، لكان يتعين عليهم مواجهة شارون بالقول: ان من يصف تواجدنا في ارض اسرائيل بأنه "احتلال" فقد تجاوز كل الخطوط الحمر ولم يعد قادرا على قيادة حزب - وحكومة - مرتكزه الفكري الأساسي هو "لم نحتل ارضا غريبة، بل هي ارض آبائنا التي كانت بأيدي أعدائنا".
لقد مثّل تصريح شارون حول الاحتلال، لكل من رأى وسمع، ومضة روحانية ينكشف الانسان لها، على حد تعبير الأنبياء. على شارون، إذن، ان يخرج الى الناس وأن يعترف بأخطائه، وخاصة منها اطلاق مشروع الاستيطان الضخم الذي يكرّس الاحتلال، وأن يستقيل. ضلّلتكم وغررت بكم، عليه ان يقول للمستوطنين وللجمهور عامة، وعليّ ان أدفع ثمن أخطائي. وهو لا يستطيع التوصل الى استنتاج بأنه أخطأ وضلّل والاحتفاظ، ايضا، برئاسة الليكود وبرئاسة الحكومة الليكودية. واذا لم يقدم استقالته، بمحض ارادته، فعلى حزبه التنصل منه وعزله.
الاستقالة من شأنها ان تفتح امامه ابواب التوبة، وكذلك - اذا ما قرر ان خطاياه العديدة لا تمنعه، رغم كل شيء، من مواصلة الاشتغال بالسياسة - ابواب حزب "العمل" الذي يتشوق لقائد قوي، كاريزماتي، يمكنه انقاذه من الهلاك. وربما ايضا، من يدري، قد ترغب حركة "ميرتس" المتضعضعة في الانضمام اليه. وفي نهاية المطاف، فهو وحده فقط الذي كان قادرا على ارغام حكومة يمينية على تبني خارطة الطريق، قد يكون قادرا على قيادة حزب "كفى للاحتلال". ذلك ان شارون، كما يستطيع يوسي سريد ان يشهد، كان هناك من قبل. وفقط الحسابات بشأن احتمالات فوزه بالسلطة على رأس حزب الى يسار "العمل" هي التي حالت دون انخراطه التام والنهائي.
(هآرتس ـ 29/5)