بقلم: عاموس هرئيل
تلقى مكتب رئيس السلطة الفلسطينية مؤخرًا طلبا عاجلا لصرف مبلغ 20 الف دولار لغرض شراء ستة الاف متر من القماش الذي يستخدم في حياكة ملابس لعناصر الشرطة الفلسطينية. وافق الرئيس على الطلب ووقع عليه، واوعز لوزير المالية سلام فياض بصرف المبلغ. غير ان اهتمام عرفات لا يختصر في الازياء فقط، فهو لا يواصل الانشغال بالمخصصات وحسب، والتي كانت من المفروض ان ينأى بنفسه عن التحكم بها في اطار الاصلاحات في اجهزة السلطة بل ويفعل ذلك ايضا فيما يتعلق بالتمويل المخصص لأجهزة الامن، التي جرى التعهد بنقل الاشراف عليها الى رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن).
الجهات الامنية الاسرائيلية وقبل اقل من اسبوع على اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون ونظيره الفلسطيني ابو مازن، لا تزال تعتقد ان الرئيس عرفات يقوم بتعزيز وتقوية نفوذه داخل السلطة، وان احد المقاييس او المؤشرات على ذلك يتمثل في توزيع الاموال. فمكتب عرفات هو الذي يتولى توزيع المخصصات على الاجهزة والمؤسسات المختلفة، ابتداء من مخصصات نشطاء حركة "فتح" في بيت لحم، مرورا برواتب الوزراء وانتهاء بافراد اجهزة الامن في جنين.
صورة التقديرات الاستخبارية التي عرضت هذا الاسبوع امام قائد المنطقة العسكرية الوسطى، موشيه كفلينسكي، كانت قاتمة للغاية. وقد ابدى ممثلو سائر الهيئات والاجهزة الامنية الاسرائيلية توافقا نادرا في وجهات النظر، معربين عن تقديرهم بان رئيس الوزراء الفلسطيني (ابو مازن) يبدي حتى الآن ضعفا امام عرفات، وأنه يبدو اشبه بالمستجد سياسيا ازاء مناورات ودهاء الرئيس الفلسطيني.
ووفقا لنفس التقديرات فان رئيس الوزراء الفلسطيني يواجه صعوبة في حشد تأييد جمهوره، وبالتالي فانه، وفي ظل غياب تأييد شعبي واسع له، سيلقى صعوبة في التحلي بالجرأة اللازمة لاعلان الحرب على فصائل ومنظمات العمل المسلح. من هنا فان كافة الدلائل تشير الى ان نية "ابو مازن" تتجه نحو الحوار مع حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، وهناك اتصالات غير مباشرة تجري حاليا بين "ابو مازن" وقيادة "حمـاس" في الخارج وذلك في محاولة لعقد جولة جديدة من محادثات القاهرة في الاسبوع المقبل.
وتعتقد محافل اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية ان الطريق الحافل بالمخاضات والصعاب الذي اجتازه ابو مازن قبل اداء حكومته اليمين الولاء، ساهم في اضعاف مركزه كثيرا، اذ انه اجرى مفاوضات تخللها الكثير من الاخطاء، وخلق نوعا من الشرخ والاغتراب تجاهه في صفوف اعضاء وناشطي حركة "فتح"، واضطر للتنازل مرة تلو الاخرى لعرفات. وبحسب قول مصدر امني اسرائيلي "لم يحقق ابو مازن اي فوز على عرفات. ابو مازن استطاع تشكيل حكومة فقط بفضل الضغط الذي مارسته كل من مصر والولايات المتحدة على عرفات. لذلك فان شرعية حكومته تبقى مشوبة بالضعف ومحاطة بالشكوك، فهي حكومة تعمل في ظل عرفات وتحت وطأة هائلة من التوقعات والآمال من جانب الجماهير الفلسطينية.
من هنا فان (ابو مازن) يبدأ مشواره مكبلا بعبء ثقيل، وفي وقت يتعين عليه فيه ان يشق طريقه وسط ثلاثة حقول الغام: اميركي واسرائيلي و فلسطيني.
وفيما يتعلق باللغم الاخير، فقد وجه مؤخرا ضابط اسرائيلي سؤالا لمسؤول كبير عما اذا كان باستطاعة سلام فياض اتخاذ قرار بعدم المصادقة على المخصصات التي يقررها عرفات، فاجاب المسؤول الفلسطيني: "الويل له - لفياض – ان لم ينفذ اي توجيه موقع من جانب عرفات".
كذلك يبدو ان مراقبة مكتب مدققي الحسابات الاميركي "آرنست اند يانغ" لم تفلح في تحقيق درجة الشفافية المطلوبة (في الاداء المالي لأجهزة السلطة الفسطينية). ويقول مصدر حكومي اسرائيلي ان جانبًا من هذه الصعوبة يمكن في كون اسرائيل لم تقدم للاميركيين قائمة مفصلة بعلامات الاستفهام التي يتعين عليهم البحث عنها في التحركات المالية الفلسطينية. من جانب آخر يبدو ان اسرائيل لا زالت تعلق امالا معينة على الوزير المكلف بشؤون الامن الداخلي في السلطة الفلسطينية محمد دحلان. وبحسب مصادر اسرائيلية فان هناك اتصالات يجريها ابو مازن ودحلان مع رئيس جهاز الامن الوقائي السابق في الضفة الغربية العقيد جبريل الرجوب وذلك في محاولة لاعادته الى الصورة. ومن ضمن الاحتمالات التي تتم دراستها في هذا الصدد تعيين الرجوب قائدا عاما للشرطة المدنية او اعادته الى منصبه السابق.
ومن المرتقب ان يعقد الاسبوع المقبل لقاء "مصالحة" بين محمد دحلان وخصمه القديم وزير الدفاع شاؤول موفاز.
وكان دحلان وصف في بداية الانتفاضة الثانية رئيس الاركان موفاز بانه "مجرم حرب" ومنذ ذلك الحين سادت قطيعة تامة بينهما.
(هآرتس 15 ايار)