أعربت مصادر أمنية (اسرائيلية) في القدس (الغربية) امس عن املها في ان يسهم اعتقال الشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي للحركة الاسلامية، في إعادة الوضع القائم الذي ساد في <<جبل الهيكل>> (الحرم القدسي) قبل سنوات عدّة، وربما يمكّن الوقف والسلطة الفلسطينية من التوصل الى تفاهم مع اسرائيل حول إعادة فتح <<الجبل>> مجدداً لليهود والمسيحيين. وكان <<الجبل>> قد اغلق في وجه غير المسلمين منذ زيارة ارئيل شارون في ايلول 2000، تلك الزيارة التي كانت المقدمة لانتفاضة الأقصى.
صلاح وحركته كانوا العنصر الاساسي في ترميم <<اسطبلات سليمان>> (المصلى المرواني) والأقصى القديم وتحويلها الى مسجدين إضافيين في <<الجبل>>، في فترة حكومة نتنياهو. صلاح ورجاله، الذين تفاخروا بنشاطهم، ارادوا ايضاً أن يربطوا من تحت الارض اسطبلات سليمان والأقصى القديم (في فترة حكومة باراك)، لخلق مسجد تحت - أرضي مترامي الاطراف. وكان نشر الخطة، بالاساس في صحيفة "هآرتس"، قد ادى الى وقف الأعمال.
وكانت مصادر امنية قد ادعت قبل سنتين، أن بحوزتها معلومات استخبارية حول نية الحركة الاسلامية إقامة مسجد مفتوح جزئياً في الجهة الشرقية <<للجبل>>. وتقول الشرطة والمصادر الأمنية بأنهم نجحوا في إحباط هذا المخطط في الفترة التي شغل فيها عوزي لانداو منصب وزير الأمن الداخلي. وكان رائد صلاح قد رفض الرد على هذا الموضوع آنذاك.
في شهر تشرين الأول 2001، قال صلاح في مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، في رده على السؤال "لماذا، من وجهة نظرك، لا يوجد لليهود حق في جبل الهيكل؟" بأنه "لا يوجد أي حق لليهود في منطقة المسجد الأقصى ولا حتى في حجر واحد من حجارة المسجد الأقصى. لقد اثبت الباحثون وعلماء الآثار ذلك. حائط البراق (الأسم الاسلامي لحائط المبكى الغربي) ليس الحائط الغربي لبيت المقدس. للاسف، المتطرفون اليهود يستغلون، باسم الدين، مشاعر اليهود في هذا الأمر ويحاولون تسويق الأكاذيب لهم".
صلاح ورجاله كانوا العامل الرئيسي في توثيق العلاقة بين العرب في اسرائيل و<<جبل الهيكل>>. هم الذين مولوا الباصات التي نقلت الى المنطقة، كل يوم جمعة، عشرات الآلاف من سكان الجليل والمثلث وبادروا الى الحفريات غير القانونية في <<الجبل>>. لا يوجد لاسرائيل ولم يكن لها مكانة قانونية في الجبل. في ذروة الأعمال حفرت حفرة واسعة جداً بعمق 12 متراً، كجزء من أعمال شق فتحة المدخل الشمالي للمسجد في <<اسطبلات سليمان>>. المستشار القضائي للحكومة، اليكيم روبنشطاين، قال آنذاك ان هذا بمثابة "ركلة في تاريخ الشعب اليهودي"، ومدير سلطة الآثار سابقاً أمير دروري، قال ان هذا الأمر هو جريمة أثرية.
وحسب تقدير علماء الآثار، حتى اليوم تتنقل في سوق الآثار القديمة قطع آثار كان قد عثر عليها خلال تلك الحفريات وتم إخفاؤها عن أعين السلطات في اسرائيل. وحسب إحدى التخمينات، كذلك "كتابة الملك يهوآش" - هذه القطعة الأثرية المثيرة لأول وهلة من فترة البيت الأول - لها علاقة بتلك الحفريات.
لقد قام عرب اسرائيليون، بمبادرة صلاح وحركته، بتهريب مواد بناء الى <<الجبل>>. واحياناً، عندما كانت الشرطة تحول دون إدخال الشاحنات مواد بناء الى الجبل، وزع رجال الحركة الاسلامية المداميك على المصلين، وكل مصلٍ دخل مع بلاطة أو مواد بناء أخرى في ملابسه ووضعها في منطقة <<اسطبلات سليمان>>، أو في الأقصى القديم.
كما ان الجناح الشمالي للحركة طرح فكرة جلب كمية قليلة من ماء بئر زمزم، المقدس عند المسلمين، والمجاور للكعبة في مكة، الى آبار المياه الموجودة في <<جبل الهيكل>>. عن هذا التخطيط تحدّث صلاح في مناسبة خيرية أقيمت في شهر ايلول 2001. كما أن صلاح ورجاله شرعوا بحملة تنظيف آبار المياه في <<الجبل>>، لكن الأردن والسعودية وإسرائيل تعاونت معاً على تعطيل تنفيذ الفكرة. وحينها اعتبر الدكتور مردخاي كيدار، مختص في تاريخ الاسلام الحديث في جامعة بار ايلان، أن صلاح عملياً حاول تطوير قدسية <<جبل الهيكل>> في الاسلام، وربما ايضاً مكانته هو كـ "ساقي" (من يسقي الحجاج ماء مقدساً). الوقف والسلطة الفلسطينية انجروا وراء الحركة الاسلامية الاسرائيلية في كل ما يتعلق بقرار إغلاق <<الجبل>> أمام غير المسلمين ومنع زيارات اليهود والمسيحيين الى الجبل. وافتتحت مكاتب للحركة الاسلامية في المنطقة الشرقية للجبل، قرب باب الرحمة. الساعد الأيمن لصلاح في الجبل كان الشيخ نجاح عفانة بكيرات، الذي شغل منصب رئيس لجنة التراث.
هل اعتقال صلاح له علاقة أيضاً بعمله المكثف في <<جبل الهيكل>>؟ تلمح مصادر امنية بأن حوافز تجريم صلاح تتغذى أيضاً من نشاطه هذا، الذي أدى الى صدامات ليست قليلة. ومع هذا يذكرون بأن المستوى الأمني طالب باعتقال صلاح على هذه الخلفية مرّات عدة في السنوات الأخيرة، لكن المستوى السياسي رد بالسلب وطلب "أدلة جنائية حقيقية". هكذا، على سبيل المثال، رفض في البداية رئيس الحكومة السابق، ايهود باراك، التوصية بمنع الشيخ من التنقل خارج مدينته، ام الفحم.
وفي شهر نيسان 2001 أوصت لجنة برئاسة عامي غلوسكا، مستشار وزير الأمن الداخلي في فترة شلومو بن عامي، بفرض عقوبات ضد الحركة على خلفية نشاطها في <<الجبل>>، كما أن هذه التوصية رفضت. إن اعتقال الشيخ، الذي أصبح مرتبطاً بقضية العرب في اسرائيل المتعلقة بجبل الهيكل، قد يثير على المدى القصير ضجة في الجبل، ولكن على المدى الأبعد، تقدر مصادر امنية، فإن الخطوات التي اتخذت ضد الشيخ وحركته ستسهم في التهدئة هناك.
(هآرتس 14 أيار 2003 )