وديع أبونصار
قامت قوات كبيرة من أجهزة الأمن الإسرائيلية في الليلة الواقعة بين يومي الاثنين والثلاثاء 12-13 ايار باعتقال خمس عشرة شخصية قيادية بارزة من الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل، وبضمنهم رئيس الحركة الشيخ رائد صلاح،
الذي يقطن مدينة أم الفحم. وقد أثارت هذه الحملة لغطا كبيرا في إسرائيل واهتماما واسعا في صفوف المهتمين بالحركات الإسلامية عامة وبالاستقرار في الشرق الأوسط بشكل خاص. ففي حين تشير بعض التقديرات على أن معظم اليهود الإسرائيليين أيدوا هذه الحملة، فإن كافة الأحزاب والحركة السياسية العربية استنكرت هذه الحملة. غير أن اللغط الأساسي يعود إلى توقيت الحملة وحجمها وليس فقط إلى ماهية الأشخاص المعتقلين وأدوارهم.
فبالرغم من إنكار وزير الأمن الداخلي، تساحي هنغبي، للإدعاء القائل بأن حملة الاعتقالات جاءت لأسباب سياسية وليست فقط أمنية، وقوله بأن جهاز الأمن العام (الشاباك) والوحدة القطرية للتحقيق في قضايا الخداع في الشرطة أنهيا تحقيقاتهما السرية في القضية يوم الاثنين الأخير مما يفسر، حسب قوله، توقيت حملة الاعتقالات؛ فبالرغم من كل ذلك، لا يمكننا تجاهل تزامن هذه الحملة مع بعض التطورات المحلية والإقليمية والدولية التي من المتوقع أن يكون قد أخذها صناع القرار الإسرائيليون بعين الاعتبار عندما قرروا شن الحملة المذكورة.
على الصعيد المحلي، فإن أحدا لا يمكنه تجاهل التعاظم المطرد في قوة الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل، بالأساس على حساب الجناح الجنوبي "المعتدل". كما أن المراقبين لهاتين الحركتين راقبا باهتمام التقارب العلني الأخير الذي جرى بين الجناحين منذ انقسامهما عن بعضهما البعض في نيسان من العام 1996، بعد أن قرر الجناح الجنوبي المشاركة في انتخابات الكنيست، الأمر الذي عارضه ويعارضه الجناح الشمالي بشدة. حيث شارك وفد برئاسة الشيخ ابراهيم صرصور، رئيس الجناح الجنوبي، في الحفل الذي أقامه الجناح الشمالي في قرية كفر كنا، الواقعة إلى جوار مدينة الناصرة في الجليل، بمناسبة عيد المولد النبوي. وقد كان من المفروض أن يشارك وفد برئاسة الشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي في الحفل الذي من المتوقع أن يقيمه الجناح الجنوبي في مدينة الطيبة الواقعة في منطقة المثلث يوم الجمعة المقبل. ومن ثم، فإن تزامن حملة اعتقال قادة الجناح الشمالي مع هذه التطورات الداخلية، تثير بعض التساؤلات حول رغبة السلطات الإسرائيلية لجم تعاظم قوة الجناح الشمالي، الذي توقع له البعض أن "يبتلع" الجناح الجنوبي في حال توحدا من جديد. أما التساؤل الذي يتوارد إلى الأذهان على المدى القريب، فهو كيف ستؤثر الاعتقالات المذكورة على سير الحفل الذي من المتوقع أن يقيمه الجناح الجنوبي يوم الجمعة المقبل.
من جهة أخرى، فإن أحدا لا يمكنه تجاهل أيضا تعاظم نشاط الجناح الشمالي، بالأساس من خلال مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، التي يرأسها الشيخ رائد صلاح ومن خلال جمعية الإغاثة الإنسانية التابعة لهذا الجناح، بالذات في التأثير على مجريات الأمور في منطقة الحرم القدسي الشريف من جهة، وفي تقديم مساعدات عينية للمئات من العائلات الفلسطينية، <<المحسوبة على حركة حماس الفلسطينية>>، حسبما تدعي مصادر إسرائيلية رسمية. ومن ثم، فإن حملة الاعتقالات بحق بعض رموز الحركة الإسلامية، بالأساس اعتقال الضالعين في عمل المؤسستين المذكورتين، تنم، كما يبدو، عن رغبة إسرائيلية ليس فقط بضرب الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في إسرائيل، بل أيضا العمل ضد حركة حماس الفلسطينية.
كما يبدو، فإن اعتقال بعض قادة الحركة الإسلامية الذين تتهمهم إسرائيل بدعم حركة حماس سواء مباشرة أو بصور غير مباشرة، يأتي في ظل التطورات الإقليمية المنبثقة عن إعلان "خريطة الطريق" التي تقدم تصورا حول كيفية المضي قدما في تحسين العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية المتدهورة. فإسرائيل معنية بضرب قوى المعارضة الفلسطينية، كجزء من مطلبها لوقف ما تسميه بالإرهاب الفلسطيني، وذلك كخطوة أولى لتطبيق استحقاقات "خريطة الطريق." وبالتالي، فإن اعتقال بعض قادة الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية، يهدف أيضا إلى ضرب مصادر تمويل حماس، حسبما ترى ذلك بعض الجهات الإسرائيلية، بالإضافة إلى استمرار الأجهزة الأمنية بالعمل على تصفية النشاط المسلح لهذه الحركة الفلسطينية.
ومما لا شك فيه أيضا أن صدمة معظم العرب مما حصل في العراق مؤخرا، وتعاظم الكراهية في الغرب عامة وفي الولايات المتحدة خاصة لكل ما هو أصولي إسلامي، ساهم في جعل صناع القرار الإسرائيليين يعتقدون أن حملة الاعتقالات المذكورة لن تشهد اعتراضات عالمية تذكر.
إن جميع الأمور الواردة أعلاه، إضافة إلى وجود بعض القرائن الأخرى التي تذنب المعتقلين، حسب ادعاء الشرطة الإسرائيلية، سيجعل من حملة الاعتقالات قضية هامة وحساسة ستشغل الرأي العام الإسرائيلي وعلى الأرجح العربي أيضا وربما الدولي ليس فقط في فهم أسباب ودوافع الاعتقال بل أيضا التأثيرات المحتملة على استقرار العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية من جهة والعلاقات العربية - اليهودية داخل إسرائيل من جهة أخرى.
في هذه الأثناء يبقى التحدي الأصعب أماكم السلطات الإسرائيلية في المستقبل القريب في أروقة القضاء. حيث ستضطر هذه السلطات لإثبات أن المعتقلين يدعمون القوى الإسلامية الفلسطينية المعارضة، وذلك في وجه الادعاء الذي سيبرزه المعتقلون، على الأرجح، وهو أنهم قدموا الدعم لجهات فلسطينية لأسباب إنسانية محضة.
13 أيار 2003