على الرغم من رسائل المؤسسة اليهودية - الأميركية الواضحة بشأن توطد صلاتها (أي المؤسسة...) وروابطها بإسرائيل خلال العامين الأخيرين، إلا أن صورة الوضع تبدو مختلفة على صعيد الجمهور اليهودي الواسع في الولايات المتحدة.
فقد أظهر استطلاع جديد أجري في صفوف اليهود هناك أن أغلبية كبيرة منهم (86%) تعتقد بأن درجة تدخل واهتمام اليهود الأميركيين بالشؤون الإسرائيلية لم تتغير خلال العامين الماضيين، في حين أكد 11% فقط أن درجة هذا التدخل ازدادت، ورأى 3% العكس. وأشار معطى آخر إلى أن اليهود الأميركيين، وعلى رغم إحساسهم بأنهم مقبولون في المجتمع الأميركي، يشعرون بوضوح بوجود "نبرات لا سامية" في المجتمع المحيط بهم، إذ ادعى حوالي ثلث اليهود الأميركيين (34%) أن المجتمع الأميركي ينطوي على "درجة عالية من اللا سامية"، واعتبر 53% أن هذه اللاسامية موجودة في المجتمع الأميركي "بدرجة متوسطة".
وفيما يتعلق بالسياسة الأميركية الداخلية، أشار الإستطلاع إلى أن جيل اليهود - الأميركيين المتقدم في السن لا يزال مواليا للحزب الديمقراطي، في حين ظهر ميل واضح في صفوف الجيل اليهودي الشاب نحو تأييد الحزب الجمهوري.
هذه النتائج تضمنها الإستطلاع الذي أجراه البروفسور ستيفن كوهين (من أبرز علماء الإجتماع المهتمين بدراسة المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة) خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام 2002، على عيّنة تمثيلية مكونة من 1386 يهودياً بالغاً في الولايات المتحدة، وذلك لحساب دائرة التثقيف اليهودي - الصهيوني التابعة للوكالة اليهودية.
* إسرائيل "مكان خطر"
ويفسر كوهن النتيجة اللافتة للنظر بشأن عدم تغيير درجة تدخل اليهود الأميركيين بشؤون إسرائيل خلال العامين الأخيرين، بقوله إن "فئة الناشطين من أجل إسرائيل، والتي كثفت بدرجة كبيرة نشاطاتها خلال العامين الماضيين، لا تزال فئة محدودة في حجمها". في المقابل، فإن الظاهرة التي شهدت تغييراً واضحاً نحو الأسوأ، إبان الفترة ذاتها، هي حجم زيارات اليهود الأميركيين لإسرائيل والرغبة في القيام بمثل هذه الزيارات. وفيما ذكر 41% من المشمولين بالإستطلاع أنهم زاروا إسرائيل في الماضي، قال 12% منهم فقط أنهم يعتزمون زيارتها "في الظروف الحالية". ووصف 63% من اليهود الأميركيين، إسرائيل بأنها "مكان خطر للزيارة".
وحول درجة الرابطة العامة بإسرائيل قال 31% فقط إنهم "مرتبطون جدا عاطفياً" بإسرائيل، وقال 41% إنهم "مرتبطون بشكل ما" وأشار 20% إلى أنهم "غير مرتبطين – بإسرائيل - بدرجة كبيرة"، فيما قال 8% أنهم لا يشعرون بأي ارتباط نحوها.
وبالمقارنة مع استطلاعات سابقة، أظهر الإستطلاع الأخير تراجعا واضحا في درجة ارتباط اليهود الأميركيين بإسرائيل، على الرغم من أحداث العامين الماضيين.
وعلى سبيل المقارنة، فقد صرح 34% من الذين وجه لهم السؤال عن صلاتهم وارتباطهم بمجموعات سكانية (مجتمعات) أخرى، أنهم يشعرون برابطة "بدرجة عالية" مع الأميركيين غير اليهود، وعبر 48% عن مثل هذه الرابطة تجاه يهود آخرين. ويعتقد اليهود الأميركيون أنهم مهمون بالنسبة لإسرائيل أكثر من أهمية إسرائيل بالنسبة لهم. فقد اعتبر 82% منهم أن للأقلية اليهودية - الأميركية وزنا أو تأثيرا حاسما بالنسبة لوجود إسرائيل، في حين اعتبر 58% فقط أن إسرائيل حيوية بالنسبة لحياة اليهود في الولايات المتحدة.
في المقابل، أظهر الإستطلاع أن المواقف السياسية لليهود - الأميركيين أصبحت متشددة جداً خلال السنوات الأخيرة. فقد أبدت أغلبية نسبية منهم معارضتها لإخلاء "معظم" المستوطنات اليهودية من المناطق الفلسطينية المحتلة (38% مقابل 19% والباقي "غير واثقين")، كما عبرت الغالبية (44% مقابل 16%) عن رفضها لوجود سيطرة فلسطينية على الأحياء العربية في القدس الشرقية، وأيدت الغالبية (59% مقابل 15%) ربط أي مفاوضات مع الفلسطينيين بوقف تام لـ <<الإرهاب الفلسطيني>>، كذلك عارضت الأغلبية (56% مقابل 12%) إجراء مفاوضات بين إسرائيل والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وأبدى 42% من اليهود الأميركيين (ألأغلبية) معارضتهم لإخلاء المستوطنات اليهودية من قطاع غزة دون التوصل لتسوية سلمية. وانقسم اليهود الأميركيون الذين شملهم الإستطلاع بشأن مسألة وصف المستوطنات كعقبة في طريق السلام، حيث تفضل غالبيتهم (34%) اعتبار المستوطنات "ذخرا استراتيجيا" يخدم أمن إسرائيل، مقابل 21% يعارضون هذا الوصف. مع ذلك، عارض 33% توسيع المستوطنات في المناطق الفلسطينية حتى لاعتبارات "النمو الطبيعي"، في حين أيد 25% توسيعها.
وحول مسألة اللا سامية، يقول البروفسور كوهن أن الإستطلاع يظهر تغييراً واضحاً في تعريف المجموعات التي تنطوي على توجهات لا سامية، ففي حين كان اليهود - الأميركيون يرون في السابق أن اليمين المسيحي والسود من أكثر المجموعات الأميركية لا سامية، باتوا يرون اليوم في الصحافة ووسائل الإعلام التي تنتقد إسرائيل وفي المسلمين أيضا، جهات لا سامية.
ووضع غالبية المشتركين في الإستطلاع (59%) الإقلية الأميركية المسلمة على رأس قائمة اللا سامية، يليها، من وجهة نظر 47%، الصحافيون الذين ينتقدون إسرائيل، ثم اليمين المسيحي، من وجهة نظر 37%، والسود الأميركيون من وجهة نظر 32%.
غير أن 38% من اليهود المشتركين في الإستطلاع اعتبروا أن الرئيس الأميركي جورج بوش (المحسوب على اليمين المسيحي) يتخذ موقفاً موالياً لإسرائيل، بينما اعتبر 5% فقط أن الرئيس بوش يتبنى مواقف مؤيدة للفلسطينيين، ورأى 28% أن موقف بوش متوازن على هذا الصعيد. وصنف غالبية المشتركين الكونغرس الأميركي ووزير الخارجية كولن باول في المرتبة التالية (للرئيس بوش) من حيث الميل نحو تأييد إسرائيل.
وفيما يتعلق بشؤون السياسة الداخلية الأميركية، مال تأييد اليهود - الأميركيين في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2000، بصورة واضحة لصالح المرشح الديمقراطي، حيث صوت 71% لـ آل غور، مقابل 21% فقط لصالح المرشح الجمهوري جورج بوش.
غير أن هذه الصورة تغيرت حسبما أظهر استطلاع كوهن، والذي كان آل غور أثناء إجرائه لا يزال مرشحاً واقعياً لانتخابات العام 2004، حين أعلن 37% من اليهود الأميركيين أنهم يؤيدون آل غور، مقابل 22% أيدوا بوش، والباقي (41%) لا زالوا مترددين. ويشير كوهن إلى أنه إذا انقسم تصويت الأصوات العائمة "وفقا للتوقعات"، فإن التصويت للمرشح الدمقراطي الجديد ليبرمان سيبلغ في نهاية المطاف على الأقل نفس عدد الأصوات اليهودية التي حصل عليها المرشح الديمقراطي السابق آل غور.