لم يسبق أن اندلعت حرب كان مستوى المعلومات المغلوطة حول تطوراتها عاليًا لهذه الدرجة، وكان ضباب العراك الذي يلفها كثيفًا إلى هذا الحد، مثل الحرب الدائرة حاليًا في العراق - هذا ما يقوله باحثون وضباط جيش كبار في إٍسرائيل، وردت تصريحاتهم وآراؤهم في تقرير خاص نشرته صحيفة "هآرتس" (25/3). وبموجب التقرير، هناك موافقة تكاد تكون جماعية، بين قائد الأركان الإسرائيلي السابق، الجنرال (إحتياط) أمنون ليفكين شاحك، والجنرالات في الاحتياط يوسي بيلد، أيلان بيران، أفيغدور كهلاني وبروفيسور مارتين فان كرفلد، على موضوع آخر أيضًا: "خلافًا للإنطباعات التي تنعكس في الأيام الأخيرة في وسائل الاعلام أيضًا، فإن معارك ضارية لم تجرِ في العراق بعد، وحقق الجيش الأمريكي، في نهاية الأمر، سلسلة من الانجازات".
ويتفق كبار آخرون في الجهاز الأمني والجيش الاسرائيلي على هذا التقدير، ولا يحمّلون العقبات التي وقف أمامها الجيش الأمريكي، في الأيام الأخيرة، أية أهمية خاصة. وبحسب شاحك، "هناك خيبة أمل في البلاد من أن النظام العراقي لم يسقط حتى الآن. هذا يتناسب مع ماهيتنا. لأننا نريد أن نركض ونحكي للشلة. لن تسمع في الولايات المتحدة أصواتًا مثل هذه. ليست هناك خيبة أمل من الوتيرة. وأنا لم أعتقد أنه يمكن الانتصار بحرب مثل هذه، وتحطيم النظام خلال ثلاثة أيام. أنا أقترح أن نتجمّل بالصبر. الأمريكيون مُصرّون جدًا على المضي حتى النهاية".
وبحسب أيلان بيران، المدير العام السابق لوزارة الدفاع الاسرائيلية، وقائد "منطقة المركز"، "فإن العقبات التي واجهها الجيش الأمريكي، والتي وُثقت في التلفزيونات، بما في ذلك القبض على الأسرى، لا تُغيّر من الصورة العامة بصدد قدرة الجيش الأمريكي الفائقة في البحر والبرّ".
ويوافق غالبية من قوبلوا لهذا التقرير على أنه - وبشكل تناقضي - على الرغم من أن التغطية الاعلامية لهذه الحرب هي غير مسبوقة، وأن هناك الكثير من الصحفيين متواجدون في ساحة الوغى - إلا أن أحدًا لا يعرف ما يحدث حقًا في العراق. ويعتقد يوسي بيلد، قائد المنطقة الشمالية سابقًا، أن الأمريكيين يُبدون ذكاءً كبيرًا في تحريك الاعلام الدولي: "هناك الكثير من الطواقم التلفزيونية في الميدان، ولكنك كمشاهد لا ترى أية صورة".
المؤرخ العسكري، بروفيسور مارتين فان كرفلد، قطعيٌ أكثر في إجابته: "الجميع يروي الأكاذيب عن الجميع طيلة الوقت، ومن الصعب تحديد ما يجري. توقفتُ عن الإصغاء. كل الصور المبثوثة عبر شاشات التلفاز هي تقارير ‘ملونة‘ لا قيمة لها. أنا أنظر فقط إلى العناوين المتحركة في أسفل الشاشة. ومع ذلك، فأنت لا علم لك بما يجري". "هناك الكثير من المعلومات المغلوطة"، يلخص، "كل كلمة تُقال موضعها الشّك".
ويعتقد بيران أنه "بسبب الضباب المعركيّ الطبيعيّ، والضباب المُوجّه - فإننا لا نرى صورة واضحة. وينجح الأمريكان، مع أنهم ضمّوا إليهم طواقم صحفية، في عدم إظهار الصورة الشاملة". ويوافق شاحك على ذلك، ويقدّر أن ضبابًا كثيفًا يغطي حتى الآن الخطة العسكرية الأمريكية الحقيقية: "هل تعرف ما الذي نوى الأمريكيون فعله؟ أنا لا أعرف. كما أنهم لم يفصحوا عن ذلك. كيف يسقطون نظامًا في 48 ساعة؟، في أسبوع، في 17 يومًا؟ من يرغب في حفظ ماء وجهه، عليه الانتظار بصبر. سيكون من باب الدجل والإدعائية أن نحكم على الوضع في أعقاب ما نراه في التلفزيون".
بروفيسور فان كرفلد شريك في التقدير أن المخفي حاليًا أكبر من الظاهر، في كل ما يخص الخطوات الأمريكية. "لدي قائمة من الأسئلة، وأنا لا أنجح في أيجاد الأجوبة عليها، يقول، "هل عبرت القوات الأمريكية نهر الفرات في طريقها إلى الناصرية؟ كم تبعد عن بغداد؟ ما الذي تفعله الفرقة 101؟ من الواضح أن الجيش الأمريكي يتقدم، ولكن من غير الواضح لي معنى هذا التقدم، وما إذا كانت هذه الانجازات حقيقية أم مُتخيَّلة".
ويعتقد شاحك أن الأمريكيين يستعينون بالحرب النفسانية "وهم يقومون بذلك أكثر من أية مرة، في حروباتهم في العشرين إلى الثلاثن سنة الأخيرة. ومن غير الواضح فاعلية ذلك".
كيف تتقدم الحملة من ناحية الأمريكيين؟ باعتقاد بيلد فإن "ذلك يسير بشكل جيد حتى الآن. أن تقطع مسافة 500 كلم في الصحراء – وبوسع المعلقين أن يقولوا ما شاءوا - وأن تنقل قوات كهذه في الصحراء، بما في ذلك الصدامات المرافقة، فإن هذا ليس بالأمر البسيط. وبحسب رأيي، فإن الأمريكيين ملتزمون بخطتهم. وهم يواجهون المقاومة، ولكنهم يتجاوزون بعض القوات ويسعون نحو هدفهم الأساسي - بغداد". ويذكر بيلد أن الإنجازين الأساسيين للأمريكيين حتى الآن هما التقدم السريع ومنع إشعال آبار النفط.
المقدم في الاحتياط كهلاني يوافق على أن منع إشعال الآبار هو واحد من هذه الانجازات حتى الآن. وكإنجازات أخرى يعدد السيطرة على غربي العراق، وقرار عدم المكوث في المدن الجنوبية والحفاظ على الجسور.
ويذكر قائد الأركان السابق شاحك إنجازًا آخر: عدد المصابين الأمريكيين حتى الآن، بحسب رأيه، قياسًا بتناسبية القوات في الحرب - ليس بالكبير. وبحسب أقواله، كان من الواضح أنه من أجل الوصول إلى بغداد فإنه توجب على الجيش الأمريكي أن يغزو العراق. وبحسب أقواله، لم يكن اللجوء إلى المحور الشمالي مُمكنًا، نيجةً للرفض التركي، وتم الدخول عن طريق الكويت – دخول متوقع صعّب على مهمة التحاذق - وعلى الرغم من ذلك، بتقديره، فإن الجيش الأمريكي يتقدم بوتيرة جيدة. "لم يدخلوا في معارك حاسمة، يتجاوزون جزءًا من القوات العسكرية العراقية منعًا للصدامات. وهم لا يرغبون في التغلب على كل دبابة، بل في كسر النظام".
بروفيسور فان كرفلد: "الحرب التي يديرها الأمريكان تسير بنجاح، مع بعض الزيادة أو النقصان. مع أنها تسير بوتيرة أبطأ عما اعتقدوه. وقد تحدثوا عن شهر أو خمسة أسابيع. ولكن الحرب لن تنتهي في هذه الفترة الزمنية". وهو يذكر أن من ظنّ بأن الجيش العراقي سينهار وأن الأمريكيين سيُستقبلون بالهتافات، قد خاب ظنه. وبحسب رأي الجنرال في الاحتياط بيران فإن "الأمريكيين لم يتوقعوا الانهيار الفوري. العراق دولة كبيرة وحملةٌ مثل هذه تستغرق الوقت اللازم لها". وبحسب شاحك، أُثبِتَ أن "الجيش العراقي لم ينهَرْ ولم يتحطم في هذه المرحلة".
والتقدير السائد عند كل الذين قوبلوا لهذا التقرير، هو أن هناك مستوى عاليًا جدًا من عدم الوضوح بالنسبة للثمن الذي سيدفعه الجيش الأمريكي، فيما لو اضطر للدخول إلى بغداد وقتال الحرس الجمهوري ("الجسم الأكبر والأكثر ولاءً المنتشر حول بغداد"، بحسب تعريف بيران)، من أجل الاطاحة بحكم صدام حسين. وبحسب شاحك، فإن "المفتاح لما سيجري كامن في الحرس الجمهوري، الذي لم يتم الصدام معه بعد، ومعه ستكون المعركة الحقيقية".
وبحسب كهلاني، فإن "الجيش الأمريكي موجود في سباق مع الزمن مقابل الحرس الجمهوري. وفي المرحلة الأولى سيحاول الحرس، الموزع حول بغداد، أن يلجم الجيش الأمريكي المتقدم. وفي المرحلة الثانية سينسحب إلى داخل العاصمة وسيدير من داخلها معركة لجرّ الوقت". وبحسب كهلاني، فستكون هذه هي المرحلة التي سيتدخل فيها سلاح الجو الأمريكي، لمنع إنسحاب الحرس إلى داخل بغداد.
ويضيف الجنرال في الاحتياط يوسي بيلد، أن الأمريكيين يخشون من أن يرافق الدخول إلى بغداد قتال في الأماكن السكنية. وبحسبه، فإن "كل الأفضليات التقنية الأمريكية، التي تصنع فارقًا كبيرًا بينها وبين الجيش العراقي، ستبدأ بالتقلص، ما إذا اضطر الجيش الأمريكي للدخول إلى بغداد والتورط في الأحياء". وبحسب تقدير بيلد، فإن هناك مشكلة أضافية سيضطر الأمريكان لمواجهتها وهي إطالة محاور الامدادات، والحاجة لصيانة محاور لوجستية بين الجبهة وبين قواعد المؤخرة في الكويت، على بعد 500 كلم.